لقاء مارالاغو: هل يفتح ترامب ونتنياهو بوابة إنهاء حرب غزة أم يؤسسان لمرحلة انفجار أوسع؟
محمد علي الحيدري
ليس اللقاء المرتقب بين دونالد ترامب وبنيامين نتنياهو في 29 ديسمبر 2025 حدثاً بروتوكولياً عابراً، بل محطة سياسية كثيفة الدلالات، تأتي في لحظة إقليمية شديدة الهشاشة، حيث تقف غزة على حافة هدنة غير مستقرة، فيما تتشابك ملفات الحرب والسلام وإيران والداخل الإسرائيلي في عقدة واحدة. عودة ترامب إلى البيت الأبيض أعادت معه خطاب “السلام من خلال القوة”، لكنها أعادت أيضاً أسئلة قديمة حول حدود القوة حين تُفصل عن العدالة، وحول قدرة الصفقات الكبرى على إنتاج استقرار حقيقي في منطقة اعتادت أن تدفع أثمان التسويات المؤجلة.
اللقاء يُعقد بينما ما تزال غزة تعيش آثار أكثر من عامين من الحرب المدمرة، ومع إعلان ترامب عن خطة متعددة المراحل لوقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وترتيبات الحكم، يبدو أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إنجاز سياسي سريع يُسوَّق كاختراق تاريخي. غير أن هذا المسار يصطدم مباشرة برؤية نتنياهو، الذي يرى في أي صيغة تُبقي حركة حماس فاعلاً قائماً “خطأً استراتيجياً”، ويعتبر أن الحسم العسكري، لا التسويات المرحلية، هو الضمانة الوحيدة للأمن الإسرائيلي.
هذا التباين لا يقتصر على غزة وحدها، بل يمتد إلى الإقليم بأكمله. نتنياهو يدخل اللقاء وهو يحمل ملف إيران في مقدمة أولوياته، محاولاً دفع واشنطن نحو تشديد الضغوط وربما منح ضوء أخضر لعمليات أوسع، في وقت يبدو فيه ترامب أكثر ميلاً إلى توظيف التهديد بالقوة كأداة تفاوض لا كمسار مفتوح على المجهول. هنا بالضبط يكمن جوهر الرهان: هل يكون لقاء مارالاغو منصة لتقاطع المصالح، أم ساحة لإدارة خلافات مؤجلة قد تنفجر لاحقاً؟
سياسياً، يسعى ترامب إلى تثبيت صورة الرئيس القادر على إغلاق الملفات الثقيلة بسرعة، سواء في غزة أو في الإقليم، مستنداً إلى تجربته السابقة مع “اتفاقيات إبراهيم” ومنطق الصفقات الكبرى. أما نتنياهو، فيحتاج إلى معركة خارجية تعيد ترتيب أوراقه داخلياً، وتمنحه هامش مناورة في مواجهة أزماته السياسية والقضائية، وهو ما يجعل خيار التصعيد – أو التلويح به – جزءاً من معادلته الداخلية بقدر ما هو خيار أمني.
المخاطر هنا لا تكمن فقط في فشل التفاهم، بل في نجاحه بشروط مختلة. أي خطة تُفرض على غزة دون تمثيل فلسطيني حقيقي، أو تُختزل في ترتيبات أمنية وإدارية تتجاهل جذور الصراع، ستنتج هدوءاً مؤقتاً سرعان ما ينهار. كما أن توسيع المواجهة مع إيران أو حزب الله، تحت عنوان الردع الاستباقي، قد يفتح أبواب تصعيد إقليمي يصعب التحكم بمساراته، من البحر الأحمر إلى جنوب لبنان.
إقليمياً، يراقب اللاعبون العرب هذا اللقاء بقلق وحذر. فالمشاركة في إعادة إعمار غزة أو في ترتيبات ما بعد الحرب قد تتحول إلى عبء سياسي وأمني إذا لم تُبنَ على رؤية شاملة تضمن حقوق الفلسطينيين وتمنع تحويل القطاع إلى ساحة إدارة أزمات دائمة. أما دولياً، فإن أي تجاهل للإطار القانوني والإنساني للصراع سيقوض فرص الحصول على غطاء دولي مستدام لأي اتفاق.
في المحصلة، لقاء 29 ديسمبر يحمل فرصة حقيقية، لكنه يحمل في الوقت نفسه بذور فخ خطير. فإما أن يكون بداية لمسار يوازن بين الأمن والسياسة والعدالة، أو أن يتحول إلى نقطة انطلاق لدورة عنف جديدة تُدار بأدوات أكثر قسوة وتكلفة. غزة، مرة أخرى، تقف في قلب هذا الامتحان، ليس كملف تفاوضي، بل كمعيار أخلاقي وسياسي يحدد ما إذا كانت المنطقة تتجه نحو سلام قابل للحياة، أم نحو هدنة أخرى مؤجلة الانفجار.