هل تضيء أقمار (الليلة الكبيرة) مسارح بغداد؟
(شجيع السيما) يصارع أسده ويتمكن (الأراجوز) من إرشاد (العمدة) إلى المتوّلي
عمر علي حيدر
أول عهدي بأوبريت الليلة الكبيرة كان في جلسة عائلية بمناسبة العيد في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، كان الجميع مشغولاً بالمشاهدة، وسرد الذكريات المصاحبة لها، وبعد 40 سنة من ذلك اليوم جلست في الصف الأول وجها لوجه أمام (الليلة الكبيرة) على مسرح معهد الشارقة للتراث بكل تفاصيلها وأبطالها وعرائسها، فكانت بالفعل ليلة كبيرة بالمقاييس كلها.
لم يكن مجرد عرض عرائسي حي، وإنما اخذني في سياحة فكرية حلقت بالوجدان في عوالم متداخلة، في القصة، والمثل، والحكاية، والأزياء، والموسيقا، والأطعمة الشعبية، والسلوك الاجتماعي السائد، والمناسبات الدينية، والحياة الاقتصادية، وأنواع الحرف، والأدوات، والألعاب الشعبية، وثارت في ذهني التساؤلات، أنه، وعلى الرغم من كل هذه السنين الماضية، بل والآتية من دون شك:
لماذا يستمر (شجيع السيما) بإبهارنا عند مصارعة السبع؟، ويستحوذ (الاراجوز) على اهتمامنا عند مشاكسة العمدة صاحب (العِمّة المايلة) وهو يطلب ارشاده إلى (المتولي)؟، والابتسامة المصاحبة لرشاقة (الراقصة) وهي تتحرك بدلال على المسرح قائلة (طار في الهوا شاشي وانت ما تدراشي يا جدع!)، وبائع الحمص الذي يغازل بندائه الترويجي على الحمص احدى المتسوقات، وتمايل الزهاد على دفوف الدراويش، ووجوه شعبية تغني (يا غزال العشق حلال)، ومجموعة الأطفال التي رافقت جميع الشخصيات خلال العرض؟!. غير إن الرغبة العارمة التي اجتاحتني خلال العرض هو أن يتم عرض هذه (الليلة الكبيرة) على مسارح بغداد للجمهور العراقي، كفاتحة خير بعودة الفن والتراث المصري إلى بغداد بعد انقطاع طويل لاسيما انه بغداد تشهد الكثير من الفعاليات الجميلة في وقتنا الحاضر ومنها معرض بغداد الدولي للكتاب، فهل يمكن تحقيق ذلك؟
فرقة العرائس
(الزمان) التقت الدكتور محمد شبانة أستاذ الموسيقى الشعبية ومقرر لجنة التراث الثقافي غير المادي في المجلس الأعلى للثقافة في القاهرة الذي يشارك مع فرقة العرائس في فعاليات ملتقى الراوي الذي أقامه بكل براعة معهد الشارقة للتراث برئاسة الدكتور عبد العزيز المسلم.
يقول الدكتور شبانة: «أن الجمهور العراقي يعشق الفن عموما والفن المصري بشكل خاص، ولديه ولع وشغف بالتراث العربي ولا عجب في ذلك فهو موطن الف ليلة وليلة، وإليه تعود أصول الكثير من قصص التراث الشعبي العربي الزاخر بالذاكرة الشعبية المدونة والشفاهية».
ويضيف شبانة:» ان بغداد والعراق ليسا بعيدين عن الفن المصري، وقد كانت لدينا مشاركات فنية ثقافية عدة في ثمانيات القرن الماضي، ولا شك أن عملاً كالليلة الكبيرة يمتاز بجمال القصة والموسيقا وقدرته المسترة على التجدد مع ان جميع من كان سببا في وجوده على أرض الواقع قد غادر إلى العالم الاخر، رحمهم الله جميعا». وعن مدى النجاح المتوقع من عرض اوبريت الليلة الكبيرة في بغداد يؤكد الدكتور شبانة قائلا :» نحن واثقون تماما أنها ستكون في صدارة العروض في العراق لأنها تحمل مقومات كثيرة من الجمهور العراقي أبرزها ان العمل استقطب الاجيال العراقية منذ الستينات الى اليوم، واستطاع الاسهام في إعادة الذكريات الجميلة بين أناس رحلوا، وأناس لا يزالون يحنون لتلك الأيام». ويختتم الدكتور شبانة حديثه قائلاً:» إن عملاً مثل الليلة الكبيرة يمتلك حساً وحضوراً في الوجدان العربي، وقدرة على جمع الذائقة العربية، واعلم جيدا أن الجمهور العراقي يشتاق ويتفاعل مع الفنون المصرية من مسرح وموسيقا وغناء وفلكلور وأدب وثقافة اضافة الى فن العرائس، لا سيما أن الليلة الكبيرة جات تمثيلا حيا لأحد أهم المناسبات الدينية المشتركة بين مصر والعراق والدول الإسلامية المتمثل في المولد، باعتباره ظاهرة حياتية يتكامل فيها العطاء الفني والديني والاقتصادي إضافة إلى عوامل البهجة والسعادة والمعرفة لاسيما أمام زحف التقنيات الحديثة والأفكار الغريبة والقيم التي لا تنتمي الى تراثنا وثقافتنا ولا إلى ذائقتنا العربية».
جدير بالذكر أن مسرحية الليلة الكبيرة هي من تأليف الفنان صلاح شاهين، والحان سيد مكاوي، وقد صمم العرائس فيها الفنان ناجي شاكر، فيما صمم الديكور الفنان مصطفى كامل، وقد أخرجها الفنان صلاح السقا، وعرضت للمرة الأولى في 1 ايار /مايو عام 1961، وتم تنفيذ التصوير بالتلفزيون المصري في مطلع الثمانينات بعد اكثر من عقدين على عرضها المسرحي.