الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬29‭)‬

بواسطة azzaman

الشاعر‭ ‬والبلاد‭ ‬‭(‬29‭)‬

حسن‭ ‬النواب

 

باءت‭ ‬بالفشل‭ ‬جميع‭ ‬محاولات‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬بالسفر‭ ‬إلى‭ ‬الأردن؛‭ ‬وأقفل‭ ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬الأبواب‭ ‬بوجهه‭ ‬لمقابلة‭ ‬عباس‭ ‬الجنابي‭ ‬وتسهيل‭ ‬مهمة‭ ‬سفره؛‭ ‬فيما‭ ‬نجح‭ ‬أقرانه‭ ‬من‭ ‬الشعراء‭ ‬بعبور‭ ‬البلاد‭ ‬بلا‭ ‬عراقيل‭ ‬ومنهم‭ ‬نصيف‭ ‬الناصري‭ ‬ومحمد‭ ‬تركي‭ ‬النصَّار‭ ‬وعلي‭ ‬السوداني‭ ‬وسواهم؛‭ ‬وفي‭ ‬ظهيرة‭ ‬بائسة‭ ‬بينما‭ ‬كان‭ ‬يتجوَّل‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬المتنبي‭ ‬استوقفه‭ ‬الكاتب‭ ‬المسرحي‭ ‬أحمد‭ ‬الصالح‭ ‬والذي‭ ‬كان‭ ‬يبيع‭ ‬الكتب‭ ‬على‭ ‬الرصيف؛‭ ‬قال‭ ‬يناكده‭: ‬

‭- ‬أصدقاؤك‭ ‬يشربون‭ ‬نخبك‭ ‬في‭ ‬المنافي،‭ ‬وأنت‭ ‬مازلت‭ ‬هنا؟

‭- ‬رفضوا‭ ‬ترويج‭ ‬معاملة‭ ‬سفري‭.‬

‭- ‬كنتُ‭ ‬اعتقد‭ ‬سفرك‭ ‬معهم؟‭ ‬

‭- ‬رعد‭ ‬بندر‭ ‬عرقلَ‭ ‬سفري‭.‬

‭- ‬لماذا؟

‭- ‬خشية‭ ‬من‭ ‬الكلام‭ ‬عليه‭ ‬بسوء‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬الأردن‭.‬

ضحك‭ ‬أحمد‭ ‬الصالح‭ ‬وقال‭ ‬بصراحة‭:‬

‭- ‬لهُ‭ ‬الحق‭ ‬في‭ ‬ذلك؛‭ ‬أنت‭ ‬هنا‭ ‬لا‭ ‬تهاب‭ ‬أحداً؛‭ ‬فكيف‭ ‬إذا‭ ‬أصبحت‭ ‬خارج‭ ‬البلاد‭.‬

ظلَّ‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬يلوك‭ ‬عذاباته‭ ‬صامتاً‭ ‬وقد‭ ‬اختفى‭ ‬الصالح‭ ‬عن‭ ‬ناظريه؛‭ ‬تحسَّس‭ ‬ورقة‭ ‬محشورة‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬ليطمئن‭ ‬من‭ ‬وجودها؛‭ ‬تلك‭ ‬الورقة‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬سطورها‭ ‬قصيدة‭ ‬لصدام‭ ‬حسين‭ ‬للدفاع‭ ‬عن‭ ‬نفسه‭ ‬من‭ ‬خلالها؛‭ ‬فليس‭ ‬بعيداً‭ ‬أنْ‭ ‬يُستدعى‭ ‬إلى‭ ‬التحقيق‭ ‬في‭ ‬دائرة‭ ‬الأمن‭ ‬على‭ ‬حين‭ ‬غرَّة؛‭ ‬وكان‭ ‬ينوي‭ ‬نشرها‭ ‬في‭ ‬إحدى‭ ‬الصحف‭. ‬حين‭ ‬دخل‭ ‬إلى‭ ‬نادي‭ ‬الأدباء‭ ‬وجد‭ ‬الشاعر‭ ‬جواد‭ ‬الحطَّاب‭ ‬هناك؛‭ ‬وبحكم‭ ‬علاقته‭ ‬الوطيدة‭ ‬معهُ‭ ‬أخبره‭ ‬بشأن‭ ‬القصيدة‭ ‬التي‭ ‬عزم‭ ‬على‭ ‬نشرها؛‭ ‬كان‭ ‬الحطَّاب‭ ‬مسؤولاً‭ ‬على‭ ‬القسم‭ ‬الثقافي‭ ‬في‭ ‬جريدة‭ ‬الثورة‭ ‬والأمين‭ ‬العام‭ ‬لاتحاد‭ ‬الأدباء‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الوقت؛‭ ‬أخذ‭ ‬بصديق‭ ‬الغجري‭ ‬ليجلس‭ ‬معه‭ ‬على‭ ‬طاولة‭ ‬بعيدة‭ ‬وأخبره‭ ‬أنَّ‭ ‬ضابط‭ ‬أمن‭ ‬جاء‭ ‬للاتحاد‭ ‬وسأل‭ ‬عنه؛‭ ‬وقد‭ ‬نجحتُ‭ ‬بإقناعه‭ ‬أنك‭ ‬لست‭ ‬معادياً‭ ‬للحزب‭ ‬والثورة؛‭ ‬هنا‭ ‬سأل‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭:‬

‭- ‬هل‭ ‬أرجئ‭ ‬نشر‭ ‬القصيدة‭ ‬إذن؟

‭- ‬بل‭ ‬تخلَّص‭ ‬منها؛‭ ‬ولا‭ ‬تتورَّط‭ ‬في‭ ‬نشرها‭.‬

استلَّ‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬تلك‭ ‬القصيدة‭ ‬من‭ ‬جيبه‭ ‬ومزَّقها‭ ‬أمام‭ ‬الحطَّاب‭ ‬الذي‭ ‬أخبره‭ ‬قائلاً‭:‬

‭- ‬هات‭ ‬نصوصك‭ ‬القصيرة‭ ‬التي‭ ‬قرأتها‭ ‬في‭ ‬ملتقى‭ ‬تموز‭ ‬الشعري؛‭ ‬لنشرها‭ ‬في‭ ‬عدد‭ ‬مجلة‭ ‬أسفار‭   ‬عن‭ ‬الجيل‭ ‬الثمانيني‭.‬

اجتاحت‭ ‬قلب‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬غبطة‭ ‬غامرة‭ ‬ولثم‭ ‬خد‭ ‬الحطَّاب؛‭ ‬ولولا‭ ‬خجله‭ ‬لكان‭ ‬قد‭ ‬رقص‭ ‬أمامه‭ ‬حين‭ ‬سمع‭ ‬ذلك‭. ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬مدينته‭ ‬كربلاء‭ ‬لحضور‭ ‬أمسية‭ ‬خاصة؛‭ ‬مزمع‭ ‬إقامتها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬اتحاد‭ ‬أدباء‭ ‬كربلاء‭ ‬لهُ‭ ‬بمناسبة‭ ‬زواجه؛‭ ‬وقد‭ ‬أخبره‭ ‬الشاعر‭ ‬هادي‭ ‬الربيعي‭ ‬عن‭ ‬موعدها؛‭ ‬كانت‭ ‬فرصة‭ ‬ثمينة‭ ‬ليبرهن‭ ‬إلى‭ ‬عروسه‭ ‬في‭ ‬تلك‭ ‬الأمسية‭ ‬على‭ ‬موهبته‭ ‬في‭ ‬الشعر؛‭ ‬فأخذها‭ ‬معه‭ ‬عصر‭ ‬اليوم‭ ‬التالي‭ ‬لتلك‭ ‬الأمسية‭ ‬المنتظر‭ ‬إقامتها‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬نقابة‭ ‬المعلمين؛‭ ‬وهي‭ ‬ذاتها‭ ‬التي‭ ‬أقام‭ ‬بها‭ ‬حفلة‭ ‬زفافه‭ ‬قبل‭ ‬أسبوع‭ ‬مقابل‭ ‬ثمانية‭ ‬آلاف‭ ‬دينار‭ ‬كأجور‭ ‬عن‭ ‬القاعة‭ ‬دفعها‭ ‬لمحاسب‭ ‬النقابة‭ ‬والذي‭ ‬فوجئ‭ ‬إنما‭ ‬هو‭ ‬مدير‭ ‬مدرسته‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬في‭ ‬متوسطة‭ ‬الكرامة؛‭ ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬الحصار‭ ‬جاء‭ ‬به‭ ‬كمحاسب‭ ‬للنقابة‭ ‬بعد‭ ‬إحالته‭ ‬على‭ ‬التقاعد؛‭ ‬وهكذا‭ ‬أقام‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬حفلة‭ ‬عرس‭ ‬علنية‭ ‬جلس‭ ‬خلالها‭ ‬بجوار‭ ‬عروسته‭ ‬أمام‭ ‬الحاضرين‭ ‬ليكسر‭ ‬بذلك‭ ‬تقاليد‭ ‬الأعراس‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬مقدسة‭ ‬محافظة؛‭ ‬أضف‭ ‬إلى‭ ‬إسهام‭ ‬نخبة‭ ‬من‭ ‬فناني‭ ‬كربلاء‭ ‬للغناء؛‭ ‬كان‭ ‬بينهم‭ ‬إياد‭ ‬زيني‭ ‬ومحمد‭ ‬القصّاب‭ ‬والفنان‭ ‬مهدي‭ ‬هندو‭ ‬الذي‭ ‬رفض‭ ‬ظاهرة‭ ‬رمي‭ ‬النقود‭ ‬على‭ ‬رأسه‭ ‬فانبرى‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬ليجمع‭ ‬تلك‭ ‬النقود‭ ‬المتناثرة‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬وحشرها‭ ‬في‭ ‬جيبه‭ ‬الذي‭ ‬تصفر‭ ‬فيه‭ ‬الريح‭ ‬كتعويض‭ ‬عن‭ ‬الأجور‭ ‬التي‭ ‬دفعها‭. ‬وصل‭ ‬مع‭ ‬عروسته‭ ‬لموعد‭ ‬الأمسية‭ ‬بالوقت‭ ‬المحدد‭ ‬وقبل‭ ‬دخولهما‭ ‬إلى‭ ‬القاعة‭ ‬ظهر‭ ‬هادي‭ ‬الربيعي‭ ‬ليخبره‭ ‬أنَّ‭ ‬الأمسية‭ ‬حذفت‭ ‬من‭ ‬البرنامج‭ ‬وتم‭ ‬استبدالها‭ ‬بأخرى؛‭ ‬كأنَّ‭ ‬الربيعي‭ ‬حرص‭ ‬أن‭ ‬تسمع‭ ‬ذلك‭ ‬الخبر‭ ‬الصادم‭ ‬زوجة‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬الذي‭ ‬غزاه‭ ‬العرق‭ ‬وتصاعد‭ ‬وجيب‭ ‬قلبه‭ ‬وانسحب‭ ‬من‭ ‬قاعة‭ ‬المعلمين‭ ‬يكاد‭ ‬لا‭ ‬يقوى‭ ‬النظر‭ ‬بوجه‭ ‬عروسه؛‭ ‬لقد‭ ‬طعنوه‭ ‬بقسوة‭ ‬وابتلع‭ ‬طعمهم‭ ‬اللئيم‭ ‬على‭ ‬مضض؛‭ ‬فقد‭ ‬أرادوا‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬ذلك‭ ‬رد‭ ‬الاعتبار‭ ‬لهم‭ ‬بعد‭ ‬هجوم‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬على‭ ‬جاسم‭ ‬عاصي‭ ‬في‭ ‬قاعة‭ ‬المصورين‭ ‬قبل‭ ‬شهور‭ ‬مضت‭ ‬من‭ ‬زواجه؛‭ ‬حين‭ ‬أصبح‭ ‬عاصي‭ ‬رئيس‭ ‬اللجنة‭ ‬المؤقتة‭ ‬لاتحاد‭ ‬أدباء‭ ‬كربلاء؛‭ ‬كان‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬اليوم‭ ‬قد‭ ‬احتسى‭ ‬الخمر‭ ‬برفقة‭ ‬الشاعر‭ ‬عمار‭ ‬المسعودي‭ ‬هناك‭ ‬في‭ ‬بستان‭ ‬الأخير‭ ‬وقد‭ ‬حضرا‭ ‬لقاء‭ ‬اللجنة‭ ‬المؤقتة‭ ‬مع‭ ‬أدباء‭ ‬كربلاء؛‭ ‬عقدت‭ ‬الدهشة‭ ‬لسان‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬حين‭ ‬انبرى‭ ‬جاسم‭ ‬عاصي‭ ‬بمدح‭ ‬الرئيس‭ ‬على‭ ‬مكارمه‭ ‬السخيَّة‭ ‬للأدباء‭ ‬وتلك‭ ‬كانت‭ ‬المرة‭ ‬الأولى‭ ‬التي‭ ‬يسمع‭ ‬تقريظ‭ ‬عاصي‭ ‬للرئيس؛‭ ‬كأنما‭ ‬أراد‭ ‬بذلك‭ ‬الإطراء‭ ‬على‭ ‬الرئيس‭ ‬تزكية‭ ‬نفسه‭ ‬أمام‭ ‬البعثي‭ ‬المتشدد‭ ‬عبد‭ ‬اللطيف‭ ‬الدارمي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬يجلس‭ ‬بجواره؛‭ ‬وإذا‭ ‬بصديق‭ ‬الغجري‭ ‬يفتح‭ ‬رشاش‭ ‬الكلام‭ ‬محتجاً‭ ‬على‭ ‬عاصي‭ ‬الذي‭ ‬عمد‭ ‬على‭ ‬إغفال‭ ‬اسم‭ ‬صديق‭ ‬الغجري‭ ‬من‭ ‬ضمن‭ ‬اللجنة‭ ‬المؤقتة‭ ‬بوصفه‭ ‬كان‭ ‬رئيس‭ ‬منتدى‭ ‬الأدباء‭ ‬الشباب‭ ‬في‭ ‬كربلاء؛‭ ‬ترك‭ ‬على‭ ‬رؤوسهم‭ ‬الطير‭ ‬وغادر‭ ‬المكان؛‭ ‬وهاهم‭ ‬يردون‭ ‬الصاع‭ ‬له‭ ‬بصاعين‭ ‬عندما‭ ‬أبطلوا‭ ‬أمسيته‭ ‬وأحرجوه‭ ‬أمام‭ ‬عروسه‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬يمض‭ ‬على‭ ‬زواجه‭ ‬منها‭ ‬سوى‭ ‬سبعة‭ ‬أيام‭.‬

يتبع‭..‬


مشاهدات 124
الكاتب حسن‭ ‬النواب
أضيف 2024/09/10 - 12:25 AM
آخر تحديث 2024/09/27 - 1:09 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 1187 الشهر 39744 الكلي 10028366
الوقت الآن
الجمعة 2024/9/27 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير