القلب المفتوح
فاروق الدباغ
تخيّل أن تُجري عملية قلب مفتوح في واحدة من أكثر دول العالم تطورًا،ولا تدفع مقابلها أكثر من عشرة آلاف دينار عراقي.
تخيل أن تُبدَّل مفاصلك، وتُجرى لك أدقّ العمليات الجراحية، دون أن يسألك أحد عن رصيدك البنكي أو وظيفتك، بل يُسألك فقط: كيف تشعر اليوم ؟
هذه ليست مدينة فاضلة من خيال فيلسوف، بل واقعٌ حيّ في دولة اسمها السويد، حيث تحوّلت الضريبة إلى عقد اجتماعي، والرعاية إلى لغة إنسانية، وحيث تُدار الصحة بعقل علميّ يسبق المرض، لا بعشوائية تلهث خلفه.
في السويد، يدفع المواطن ما يقارب 33بالمئة من دخله للضرائب، لكنه يعرف أن كل كرونة تعود إليه على شكل كرامة، صحة، وأمان اجتماعي.
الضريبة هنا ليست عقوبة، بل مساهمة في بناء الإنسان.
فمنذ الطفولة الأولى، تبدأ الدولة برعاية المواطن ضمن منظومة دقيقة ومترابطة:
Health Promotion تحفّزه على الحركة والتغذية السليمة،ËPreventive Care تتابع صحته بفحوص منتظمة،ËPrimary Care تستقبله في عيادة طبيب العائلة بأسعار رمزية، ثم Specialist Care ËEmergency Care حين يحتاج علاجًا متقدّمًا، بينما تتولى Rehabilitation إعادة تأهيله بعد العمليات، وترافقه Palliative Care في المراحل الصعبة لتخفيف ألمه لا لجمع المال منه.
وفي مسار موازٍ، هناك Child Health Care Centers تتابع الطفل منذ يومه الأول، ËElderly Care تضمن للشيخوخة حياةً كريمة، ËMental Health Services تعالج الجسد والعقل معًا، بينما يحمي Social Support System الأسر الضعيفة وذوي الإعاقة والمهاجرين، ويُضاف إلى ذلك تعليم مجاني كامل من الروضة إلى الجامعة، ورعاية أطفال شبه مجانية تحددها البلديات حسب دخل الأسرة.
هذه المنظومة لا تُدار بالمواعظ بل بالأرقام، ولا تُبنى بالمحسوبية بل بالتخطيط.
إنها إدارة علمية لمجتمعٍ يعي أن الإنسان هو الاستثمار الأذكى،
وأن المرض لا يُشفى بالخطابات، بل بالنظام.
أما في العراق، فالصورة مقلوبة تمامًا:
بلد يملك أربعة أضعاف موارد السويد، من النفط إلى الكفاءات البشرية، لكن مريضه يطير إلى الهند أو تركيا بحثًا عن علاج يمكن لطبيب عراقي أن يقدّمه بكفاءة لو وُجدت إدارة ورؤية.
أطباء العراق من ألمع العقول، لكنهم يُتركون بلا توظيف أو بيئة عمل، بينما المليارات تُهدر في صراعاتٍ على السلطة لا على بناء المستشفيات.
هنا تتحول المستشفى إلى بناية خاوية، والمريض إلى سلعة في سوق الفساد.
السويد لا تملك نفطًا، لكنها تملك عقل الدولة.
العراق يملك النفط، لكنه يفتقد العقل الذي يُدير الثروة.
في السويد، المواطن يدفع الضريبة ليحيا؛
وفي العراق، يدفع المواطن حياته مقابل حقه في الشفاء.
الفرق بين الدولتين ليس في الموارد، بل في الفلسفة:
في الأولى تُبنى الدولة لخدمة الإنسان، وفي الثانية يُستنزف الإنسان لخدمة الدولة.
الرعاية الصحية ليست مجرد علاجٍ للأجساد، بل اختبارٌ لذكاء الدولة وإنسانيتها.
السويد جعلت من الضريبة بوابةً إلى الكرامة،
بينما جعلها العراق ضريبةً على الكرامة.
وحين تُدار الدولة بعقلٍ علميّ، تُفتح صدور الناس في غرف العمليات،لا في ساحات الصراع.