مكان لا يزوره النسيان
ثامر محمود مراد
ثمّة علاقات لا تكتمل، لكنها تترك خلفها وهجاً لا ينطفئ. تشبه قمراً غاب عن السماء، لكنه ترك ضوءه يتسرّب في الموج. هناك في أعماق الذاكرة، مكان لا يزوره النسيان، لأن بعض الحكايات لا تنتهي بالفقد، بل تبدأ منه. تجلس المرأة على حافة القلب كملكةٍ نُزِعَ عنها تاجها، لكنها ما زالت تمشي بثبات من يعرف أن القيمة ليست في الزينة، بل في الكبرياء. تتذكر وجهاً لم يعد لها، وكلمةً لم تُقال، ووداعاً تمّ بصمتٍ فخمٍ كقصيدة لم تكتمل.
لكنها لم تعد تبكي؛ لأن النضج علّمها أن الجمال لا يُقاس بالبقاء، بل بالأثر. تتعلم الأرواح بعد الخسارات الكبيرة أن الحب ليس امتلاكاً، بل قدرةً على العطاء دون انتظار المقابل، وأن القوة الحقيقية هي أن تبتسم وأنت تدفن جزءاً من نفسك في أعماق الماضي، وتقول: “لقد أحببتُ بما يكفي.” تمضي، لا لتنسى، بل لأنها أدركت أن الذكريات أحياناً تستحق أن تبقى في مكانها، كلوحةٍ معلّقةٍ في ممرّ العمر، تُذكّرها بأنها مرّت من هناك يوماً، وخرجت كما تخرج الملكات: شامخةً، صامتةً، ناضجةً بما يكفي لأن تُكمل المسير دون أن تلتفت.