حين يتحدث راعي السلام بلغة الحرب
محمد خضير الأنباري
وجهُ الرئيسِ الأمريكيِ حديثهُ إلى رئيسِ وزراءِ الكيانِ الصهيوني (بنيامينْ نتنياهو) قائلا: « لقدْ قدمنا لكمْ السلاح، وأنتمْ أحسنتمْ استخدامهُ «، وجاءَ الردُ السريعُ منْ الإعلاميةِ اللبنانيةِ (غادة عويس)، عبرَ شاشةِ قناةِ الجزيرة، على هذا التصريحِ المبتور، بقولها: « لوْ أنهُ أكملَ الجملةَ وقال: في بترِ أطرافِ الأطفال، وتقطيعَ أجسادِ الأبرياء، وارتكابَ الإبادة. . . لكانتْ الصورةُ أوضحَ «. هذه، في الواقع، هيَ الحقيقةُ التي شهدها العالمُ على مدارِ أكثرَ منْ عامين، منْ خلالِ الجرائمِ المروعةِ التي ارتكبها الكيانُ الصهيونيُ بحقِ الشعبِ الفلسطيني، الذي لمْ يطالبْ بمعجزة سوى حقهِ في الحياةِ على أرضه. هذا ما يذكرنا، عند قراءة كتابِ اللهِ الكريم من قبل البعض، منْ يتعمدُ ببترَ بعضِ الآياتِ الكريمة، فيقتطعها منْ سياقها الكامل، مدفوعا بأهدافِ شخصيةٍ أوْ نياتٍ مشبوهةأو سيئة، بهدفَ تحريفِ المعنى الحقيقيِ، وتوجيهِ رسائلَ سلبيةٍ مضللةٍ. منْ أبرزِ الأمثلةِ على ذلكَ قولُ اللهِ تعالى: « فويلٌ للمصلينَ «، حيثُ يتوقفُ البعضُ عندَ هذهِ الكلماتِ فقط، وكأنَ الوعيدُ الإلهيُ موجهٌ للمصلينَ أنفسهم، متجاهلينَ تكملةَ الآية: « الذينَ همْ عنْ صلاتهمْ ساهونَ «، والتي توضحُ أنَ الوعيدَ ليسَ على الصلاة، بلْ على التهاونِ فيها. وكذلكَ في قولهِ تعالى: « ولا تقربونَ الصلاةُ « وأنتمْ سكارى «، فيجتزئها البعض لإيهامِ السامعِ بتحريمِ الصلاة، بينما تتمةُ الآيةِ تبينَ المقصودُ الحقيقي في قوله تعالى:» وأنتمْ سكارى» أيْ النهيِ عنْ الصلاةِ في حالِ السكرِ حتى يعودَ الإنسانُ إلى وعيه، ما يقول. إنَ مثل هذا الاقتطاعِ المتعمدِ منْ آياتِ القرآنِ الكريمِ لا يعبرُ عنْ جهلٍ فحسب، بلْ عنْ محاولةٍ متعمدةٍ لتشويهِ الرسالةِ الإلهيةِ وتوظيفها في غيرِ موضعها.
فهذهِ هيَ سياسةُ « البترِ « بعينها، التي مارسها الرئيسُ الأمريكيُ — راعيَ ما يسمى بالسلام العالمي، والمطالبُ بجائزةِ نوبلْ للسلامِ — حينَ أيد، بكلِ صراحة وبدون أي غموض، ما قام به الكيان الصهيوني من جرائم ضد الشعب الفلسطيني، مستخدما السلاحَ الأمريكيَ ، وتدميرَ بنيتهِ التحتية، وتهجيرَ أهله، وارتكابَ المجازرِ بحقِ الأبرياء. فأيُ مفارقةِ هذه ! في جانبٍ يتحدثُ عنْ السلامِ وجوائزه التي يمني نفسه بها، وفي الجانبِ الآخرِ يدعمُ القاتلُ في جرائمه الدولية، ويمنحهُ الغطاءُ السياسيُ والسلاحُ الفتاك لقتل الأطفال والنساء وكبار السن. إلى أينَ نسير، في عالمٌ متقلب، تنقلبَ فيهِ الموازينُ والقيم، والحق الى باطل. وماذا سنقولُ لربِ العالمينِ يوما يقفُ الجميعُ للحساب، يومٌ لا ينفعُ فيهِ نفاقُ السياسة، وتسقطُ فيهِ الحقائقُ تحتَ موائدِ المصالح. فكفا كذب ونفاق ياقادة العالم، فتكلموا بصدق وخاصة عندما تكونوا في أرذل العمر. وتذكروا ، قولهِ تعالى: « يا أيها الذينَ آمنوا اتقوا اللهَ وكونوا معَ الصادقينَ «، وقولهُ تعالى: « ليجزيَ اللهُ الصادقينَ بصدقهمْ .