الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
حين تُختبر الوفاء…

بواسطة azzaman

حين تُختبر الوفاء…

انتظار العظيمي

 

في لحظات التحوّل الكبرى في تاريخ الدول، لا تُقاس المواقف فقط بما تحققه من مكاسب آنية، بل بما تتركه من أثر أخلاقي وسياسي طويل الأمد. وفي التجربة العراقية بعد 2003، تبرز محطات مفصلية شكّلت مسارات أشخاص وقوى، كان من بينها ملف إطلاق سراح الشيخ قيس الخزعلي من السجن الأميركي، وما تبعه من احتواء سياسي في عهد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي.

 

من الثابت تاريخيًا أن خروج قيس الخزعلي من المعتقل لم يكن حدثًا عابرًا ولا قرارًا إداريًا بسيطًا، بل جرى في سياق سياسي وأمني بالغ التعقيد. فقد تم الإفراج عنه بعد تسليمه إلى السلطات العراقية، في ظل حكومة كان يقودها نوري المالكي، وضمن توجه عام آنذاك لتغليب منطق المصالحة واحتواء الفاعلين المسلحين داخل الإطار السياسي للدولة، بدل تركهم في دائرة الصدام المفتوح.

 

ورغم عدم تسجيل استقبال جماهيري أو احتفال رسمي لحظة خروجه، فإن الدور الحقيقي لا يُقاس بالمشاهد الإعلامية، بل بالقرارات السيادية التي تُتخذ في الغرف المغلقة. فموافقة الحكومة، وتحمّل رئيس الوزراء المسؤولية السياسية والأمنية لإطلاق سراح شخصية جدلية في ذلك التوقيت، كانت خطوة تنطوي على قدر كبير من الجرأة والحسابات الدقيقة.

 

لقد منح هذا القرار قيس الخزعلي فرصة ثانية؛ فرصة للانتقال من خانة السجين إلى خانة الفاعل السياسي، ومن المواجهة مع الدولة إلى العمل داخل المشهد العام. ومن دون هذا المنعطف، يصعب تصور أن يصل الخزعلي إلى الموقع الذي يشغله اليوم، سواء على مستوى التأثير السياسي أو الحضور الشعبي.

 

من هنا، فإن الحديث عن “ردّ الدين” لا يُقرأ فقط بوصفه مسألة شخصية، بل كقيمة سياسية وأخلاقية. فالوفاء بين الخصوم قبل الحلفاء، والاعتراف بالمواقف النبيلة حتى عند اختلاف الرؤى، هو ما يمنح العمل السياسي معناه ويمنع تحوله إلى مجرد صراع مصالح متقلبة.

 

إن الوقوف إلى جانب نوري المالكي اليوم، أو على الأقل عدم التنكّر لدوره في تلك المرحلة الحساسة، لا يعني تطابقًا كاملًا في المواقف أو البرامج، بل يعكس احترامًا لتاريخ مشترك صُنعت فيه قرارات مصيرية. فالدول لا تُبنى بذاكرة قصيرة، ولا تستقر حين يُمحى الفضل السياسي عند أول مفترق طرق.

 

وفي بلدٍ أنهكته القطيعة والنسيان المتعمّد، يبقى الاعتراف بالمواقف النبيلة – حتى في السياسة – خطوة ضرورية لاستعادة الثقة وبناء مستقبل أكثر تماسكًا


مشاهدات 26
الكاتب انتظار العظيمي
أضيف 2025/12/23 - 4:07 PM
آخر تحديث 2025/12/24 - 1:34 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 68 الشهر 17589 الكلي 13001494
الوقت الآن
الأربعاء 2025/12/24 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير