سوق الغزل وإجراءات التنظيم
حاكم الشمري
يُعدّ سوق الغزل في قلب بغداد واحدًا من أبرز الملامح التراثية والشعبية للمدينة، حيث يمتزج فيه عبق الماضي مع حيوية الحاضر. فمنذ عقود طويلة، شكّل السوق ملتقى لعشاق تربية الطيور والحيوانات، وفضاءً رحبًا لتجارة الأدوات البسيطة والسلع التراثية، فضلاً عن كونه شاهدًا على تفاصيل الحياة البغدادية التي تتوارثها الأجيال.
غير أنّ السوق، الذي يستقطب كل يوم مئات الزائرين، ظل يعاني من التجاوزات والعشوائية التي أثقلت حركته وشوّهت وجهه التاريخي. فقد انتشرت الأكشاك والبسطات غير النظامية على الأرصفة والطرقات المحيطة، ما تسبّب باختناقات مرورية وأضرار بيئية وصحية، وأفقد المكان جزءًا من خصوصيته المعمارية والثقافية.
وفي هذا الإطار، شرعت أمانة بغداد مؤخرًا بحملة لإزالة التجاوزات وتنظيم السوق، مؤكدة أن الهدف ليس التضييق على الباعة أو إغلاق مصدر رزقهم، بل إعادة الحياة إلى السوق بشكل حضاري ومنظم. وتشمل الإجراءات رفع البسطات العشوائية، وتحديد مواقع بديلة للباعة بما ينسجم مع تصميم السوق، إضافةً إلى حملات تنظيف وصيانة للبنى التحتية. وتأتي هذه الخطوة ضمن سلسلة من الحملات التي أطلقتها الأمانة في مختلف مناطق العاصمة، لإعادة النظام إلى الشوارع والأسواق وإبراز الوجه الحضاري لبغداد. ورغم أن بعض الباعة عبّروا عن خشيتهم من فقدان مصدر رزقهم، إلا أن آخرين أبدوا تفهّمهم للإجراءات، معتبرين أنها قد تُعيد للسوق بريقه القديم وتشجّع السياحة الداخلية والخارجية. يبقى التحدي الأكبر هو الموازنة بين الحفاظ على هوية سوق الغزل كرمز تراثي بغدادي وبين ضمان انسيابية الحركة والتنظيم العمراني. فالسوق ليس مجرد مكان للتجارة، بل ذاكرة حيّة تختزن تفاصيل من وجدان البغداديين، الأمر الذي يستدعي حلولًا واقعية تحفظ أرزاق الباعة وتعيد في الوقت ذاته النظام إلى المكان.