المترجمة أم حسن وسوق هرج الفضائيات
احمد جاسم الزبيدي
في المحاويل، كما في باقي مدن العراق، لا تموت القفشات ولا تنقرض الألقاب العجيبة. فهناك «أبو فناخر»، و»القُلُمّ»، و»القرد»، و»بيت أبو...» ، « مود»… أسماء تثير الضحك أكثر مما تثير الاستغراب. حتى إنني حين عدت أول مرة إلى العراق وجلست في بيت أخي أبو ربيع، سمعت أحد أبناء العائلة يقول بحماسة: ـ «انطيته العجل وأخذت منه الخروف… حتى ما دفعت له فلس ! «. كدت أجنّ: كيف يستقيم هذا الحساب؟! لكنهم انفجروا ضاحكين: «عمو… يقصد بدل سيارة بسيارة». أما حكاية اليوم فهي عن جارتنا العتيقة أم حسن رحمة الله عليها ، أو كما كانوا يلقبون ابنها «عگروگ الگمر» ــ ولا أدري أي عبقري في المحاويل خطر بباله أن يربط بين القمر والضفدع !
كانت أم حسن تسكن مقابل بيت عمتي أم هادي رحمة الله عليها ، في بيت إيجار عند «أبو سعدي غني». وحيث إن التلفزيون في ذلك الزمن كان نادراً، تحوّل بيت عمتي إلى صالون نسوي عام، يعج بالنساء لمتابعة المسلسلات. وكان على الشاشة يومها مسلسل أمريكي لرعاة البقر بعنوان: «مطلوب حيًّا أو ميتًا». لكن مترجمتنا الوحيدة، «أم حسن»، حسمت الأمر: ــ «مطلوب حيتا أم ميتا !» . ومن يجرؤ على تصحيحها؟ ويلٌ لمن يجادلها أو يحاول تفسير مشهد بخلاف ما ارتأت، كانت تزعل، تنفض عباءتها، وتغادر وهي تتمتم: «صوجي أني اللي أترجملجن ! « . واليوم، وأنا أتابع الفضائيات، أتذكر أم حسن بحنين. الفرق بسيط: أم حسن كانت تترجم مجاناً، بينما «محللو الشاشات» يترجمون حسب سعر الدولار ووزن الشيك. هي كانت تغضب وتغادر الصالون بكرامتها، وهم يصرخون ويشتمون ويتبادلون «البوكسات» على الهواء ثم يعودون بذيل طويل مربوط بسفارة أو مكتب لو قُيّض لي الاختيار، لأعدت أم حسن إلى الشاشة فوراً. مترجمة صادقة، مقابل استكان شاي مهيل. أما محللو اليوم… فهم «مطلوبون حيتا أم ميتا»، لكن بثمن بخس يدفعه الغريب، ويقبضه المدّعي.