الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
امرأة بين جسدين.. قراءة فلسفية لثنائية العقل والرغبة لسوزان إسماعيل


امرأة بين جسدين.. قراءة فلسفية لثنائية العقل والرغبة لسوزان إسماعيل

عبد الكريم الحلو

 

المقدمة :

* النص القصصي  “سرير” للكاتبة الدكتورة سوزان إسماعيل ليس مجرد سرد لحكاية عاطفية مأساوية، بل هو نص يتقاطع عند عدة مستويات:

* الدرامي،

* النفسي،

* الفلسفي،

* والاجتماعي،

* ليُقدِّم لوحة مُركَّبة عن :

* المرأة،

* الجسد،

* الذاكرة،

* والاختيار.

 

* عند الاقتراب من الأسرّة في الأدب،

* لا نجدها مجرد مكان للنوم أو الراحة،

* بل تتحول إلى مسرح خفيّ للحياة: هناك تُولد الأحلام، وتُدفن الرغبات، وتتكشف أعمق صراعات الإنسان بين الجسد والروح.

* في قصة “سرير” تأخذنا الكاتبة إلى عالم مأزوم، حيث يتقاطع الماضي مع الحاضر، وتتصارع الذاكرة مع الواقع، ليصبح السرير رمزًا للخذلان أكثر منه ملاذًا.

* إننا أمام نص يضع القارئ منذ السطر الأول في قلب مأساة مكتومة، مأساة امرأة عالقة بين شرفةٍ حملت الحياة وحرارة جسد يطفئها كل ليلة.

 

1. البعد الدرامي :

* النص مشحون بالتصعيد الدرامي المتدرج، إذ يبدأ بلقطة مكثفة على السرير، حيث الجسد يُستنزف في لحظة باردة، ثم ينكسر هذا الإطار بارتداد الذاكرة إلى الماضي، فيستحضر القارئ قصة حب أولى نقية ومفعمة بالحلم.

* الانتقال بين “الحاضر المؤلم” و”الماضي المشرق” هو تقنية درامية تجعل النص شريطًا متوازيًا من المشاهد المتناقضة:

* شبق الزوج الغليظ في مواجهة رهافة النظرات الأولى على الشرفة.

* النهاية تُغلق القوس بالعودة إلى السرير كقدرٍ محتوم، مما يمنح النص إيقاعًا مأساويًا دائريًا.

 

2. البعد النفسي

القصة ترسم مأساة نفسية عميقة:

• البطلة سارة تعيش انفصامًا داخليًا بين جسد مُستباح وعاطفة مجمدة عند “شرفة الماضي”.

 

• الحب الأول (جمال) يتحول إلى صورة مثالية، تلاحقها كظل لا يموت.

هذه الظلال النفسانية تعكس “عقدة المقارنة المستمرة”، حيث يقف الماضي كمعيار يحاكم الحاضر.

 

• النص يكشف أيضًا عن صراع العقل والرغبة: العقل اختار حسام

 “ الطبيب-المكانة”،

بينما الرغبة اختارت جمال

 “الميكانيكي - الروح”.

النتيجة: خيانة الروح للجسد،

وخيانة الجسد للروح.

 

3. البعد الفلسفي :

النص يثير أسئلة وجودية:

• هل الاختيار العقلي وحده يكفي لبناء حياة؟

• هل يمكن للحب أن يُستبدل بالمنطق؟

• هل الجسد الذي لا يُحب يُمكن أن يهب حياة؟

 

السرير في النص يتحول إلى رمز فلسفي:

• ليس مجرد أثاث، بل هو مرآة للخيارات الخاطئة، منصة لحوار صامت بين الماضي والحاضر، شاهد على موت الروح في جسد حي.

 

• السرير هنا يمثل قدَر المرأة الاجتماعي الذي حُدد لها: الزواج، الإنجاب، التضحية. لكنه في النص انقلب من فضاء أمان إلى فضاء عقوبة.

 

4. البعد الاجتماعي :

* النص يعرّي المجتمع الشرقي الذي ما زال يحاكم العلاقات بمنطق “المكانة واللقب” أكثر من العاطفة والصدق.

 

* اختيار سارة لحسام لم يكن اختيارًا حرًا تمامًا، بل كان استجابة لضغط المجتمع والأسرة ورغبة في صورة اجتماعية مشرّفة.

* وهنا تتجلى مأساة المرأة العربية التي تُسلب حقها في العيش وفق قلبها، فتصبح حياتها سلسلة تنازلات يختنق فيها الحب.

 

5. البنية الفنية :

• اللغة:

لغة النص غنية بالصور الحسية

 (العرق، الجسد، النظرات، السقف، الشرفة) مما يضع القارئ داخل المشهد مباشرة.

 

• التقنية:

ارتداد الذاكرة (Flashback) هو العمود الفقري للنص، يربط الماضي بالحاضر في شكل حلزوني.

• الرموز:

• السرير: قدر خانق.

• الشرفة: أفق مفتوح وحلم مفقود.

• القهوة الباردة والكتب المغبرة: موت الحياة الداخلية للبطلة.

 

6. الخاتمة الفلسفية

* القصة لا تُقدِّم حلاً،

* بل تترك القارئ أمام سؤال مفتوح:

* هل الإنسان هو مجموع اختياراته ؟

* أم ضحية لاختيارات أُجبر عليها؟

* هل السرير قدرٌ لا فكاك منه ؟

* أم يمكن أن يتحول إلى فضاء حب إذا وُجد الانسجام؟

 

* النص إذًا ليس فقط حكاية عن امرأة بين رجلين،

* بل هو تأمل فلسفي في الحرية، الحب، والذاكرة.

* إنه إعلان صامت عن أن الحب الأول قد يُطرد من الواقع، لكنه يبقى في الروح كإقامة أبدية، فيما يتحول الحاضر إلى مسرح لجسد بلا روح.

 

تقييم الكاتبة :

* الكاتبة سوزان إسماعيل في نصها “سرير” تكشف عن موهبة سردية واضحة، تتجلى في عدة جوانب:

 

1. القدرة على التصوير الحسي: استخدمت لغة مشبعة بالصور الحية التي تجعل القارئ يعيش تفاصيل المشهد بجسده وحواسه

 (العرق، النظرات، الغرفة، الشرفة). هذه القدرة على تجسيد المشهد تمنح النص بعدًا بصريًا مؤثرًا.

 

2. التحكم بالزمن السردي:

الانتقال السلس بين الحاضر القاسي والماضي الحالم عبر تقنية الارتداد الزمني (Flashback) يكشف عن وعي فني متقدم، يجعل القارئ يتنقل بين عالمين دون أن يفقد الخيط الحكائي.

 

3. البعد النفسي:

استطاعت الكاتبة أن تضعنا داخل وعي البطلة، نستمع لأنينها الداخلي، ونتابع صراعها بين عقلٍ اختار وزوجٍ يثقل، وقلبٍ يظل معلّقًا بظل الماضي. هذه القدرة على الغوص في النفس البشرية تمنح النص عمقًا إنسانيًا.

 

4. الجرأة الموضوعية:

تناولت موضوعًا حساسًا (الجسد، العلاقة الزوجية، الحب المقموع) بلغة صادقة ودرامية، دون ابتذال أو انزلاق، وهذا دليل على وعي أدبي ونضج في التعامل مع التابوهات.

 

5. المسحة الفلسفية:

النص لا يكتفي بالسرد، بل يطرح أسئلة وجودية عن الحرية، الاختيار، الحب، والذاكرة، مما يضعه في مرتبة أعلى من القصة العاطفية التقليدية.

 

هواجس منتصف الليل :

* في آخر الليل، حين خفت أنفاس البيت وغرق الزوج في نومه الثقيل، بقيت سارة وحيدة في العتمة، تحدّق في سقف صامت كأنه مرآة لحياتها.

 

* شعرت أن كل ما حولها يختصره سرير واحد، سريرٌ يطفئ أنوثتها بدل أن يشعلها، يثقل روحها بدل أن يحررها.

 

* تذكرت وجه جمال في الشرفة، تلك النظرة الأولى التي لم تخنها يومًا، فارتعشت ابتسامة باهتة على شفتيها ثم انطفأت سريعًا.

* رفعت يدها المرتجفة، مرّرت أصابعها على قلبها كأنها تتحسس قبرًا صغيرًا في صدرها.

* هناك، في الداخل، دفنت امرأة كانت تستطيع أن تحيا.

* لكن الغريب أنّها، رغم موتها البطيء، ما زالت تسمع بين حين وآخر خفقانًا بعيدًا…

* يشبه صدى شرفة قديمة

*  لم يرحل منها الحلم بعد.

 

الخلاصة:

الدكتورة سوزان إسماعيل تمتلك أدوات سردية واعدة، لغتها حية، شجاعتها في تناول موضوع المرأة لافتة، وقدرتها على المزج بين الدراما والفلسفة تمنح نصها قوة خاصة.

إذا واصلت هذا المسار بالاشتغال على التكثيف والرمزية، يمكن أن تضع بصمة مميزة في القصة العربية المعاصرة.

 

* “ سرير ” نص درامي فلسفي متكامل، يعرّي المأساة الداخلية للمرأة بين جسد مستباح وذاكرة مقاومة، بين المجتمع الذي يفرض والعاطفة التي ترفض، وبين الحياة التي تعاش والروح التي لم تُعش قط.

 

         د. عبد الكريم الحلو


مشاهدات 258
الكاتب عبد الكريم الحلو
أضيف 2025/09/27 - 2:17 PM
آخر تحديث 2025/10/01 - 4:16 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 514 الشهر 514 الكلي 12040369
الوقت الآن
الأربعاء 2025/10/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير