التعليم بين التقييم و التعتييم
ضياء واجد المهندس
( تجربة "مسار بولونيا" في العراق: بين التعثر والفرص الضائعة)
يُعَدّ نظام "مسار بولونيا" (Bologna Process) من أهم الأنظمة التعليمية في أوروبا والعالم، إذ طُبِّق في أكثر من 49 دولة منذ العام 1999 بهدف توحيد أنظمة التعليم العالي، وتعزيز الاعتراف المتبادل بالشهادات، ورفع كفاءة الطلبة والكوادر الأكاديمية. غير أن التجربة العراقية في تطبيق هذا النظام ما تزال تواجه صعوبات جدّية تهدد بفشلها قبل أن تكتمل.
أين تكمن الإشكالية؟
تشير المؤشرات الراهنة إلى أن الإخفاق في تطبيق "مسار بولونيا" داخل الجامعات العراقية لا يعود بالأساس إلى طبيعة النظام أو محتواه، بل إلى عوامل مرتبطة بالبيئة المؤسسية والإدارية، من أبرزها:
- ضعف الإدارة الجامعية والوزارية.
- كثرة العطل الرسمية (150 – 160 يوماً سنوياً، أي 44% من أيام السنة).
- التأخر في التحاق الطلبة حتى كانون الأول من كل عام.
- استمرار الاعتماد على الملفات الورقية بنسبة تفوق 80%.
- التدخلات السياسية وضعف استقلال الجامعات.
- غياب التدريب الكافي، حيث 40% من التدريسيين لم يتلقوا أي إعداد متخصص حول نظام بولونيا.
مقارنة دولية
الجدول أدناه يوضح بعض المؤشرات الأساسية بين العراق وعدد من الدول التي تطبق نظام بولونيا بنجاح:
المؤشر // العراق// ألمانيا // فرنسا // المغرب// تركيا // المتوسط الأوروبي..
عدد أيام العطل الرسمية ( 150-160) // 40 45// 50// 55// (45-50)
موعد بدء دوام المرحلة الأولى:
كانون الأول// أيلول // أيلول// تشرين الأول // أيلول // أيلول
الاعتماد على الرقمنة في التعليم (%) < 20% // 95%// 92%// 70% //80%// ( 85-90%)
نسبة التدريسيين المدرّبين على بولونيا ~60% 98% // 95% // 75% // 80% // 90%+
استقلالية الجامعات: ضعيفة // عالية // عالية // متوسطة // متوسطة// عالية..
مدة السنة الدراسية الفعلية (أيام): ~120 // ~200 // ~190 //~170 // ~180 // (180-200)
مقترحات لضمان الاستمرارية
1. إصلاح بيئة الإدارة الجامعية عبر منح الجامعات استقلالاً مالياً وأكاديمياً.
2. إعادة ضبط التقويم الجامعي عبر تقليل العطل وضبط موعد بداية الدوام.
3. رقمنة التعليم من خلال إطلاق منصة وطنية وإلغاء المعاملات الورقية بحلول 2027.
4. تطوير الكادر التدريسي عبر برامج تدريب إلزامية وتخصيص 5% من ميزانية التعليم العالي للتأهيل المستمر.
5. إشراك الطلبة والأساتذة في تقييم النظام عبر استبيانات شفافة.
6. اعتماد خطة زمنية (2025 – 2030) تشمل مراحل قصيرة، متوسطة وبعيدة المدى وصولاً إلى تطبيق كامل للنظام.
الخاتمة
إن نجاح "مسار بولونيا" في العراق ليس مستحيلاً، لكنه يتطلب وزير تعليم مهني قوي، و إرادة سياسية حقيقية مستقلة، وإصلاحاً عميقاً في الإدارة الجامعية، ورؤية واضحة تضمن تكامل البنية التحتية والكادر الأكاديمي. فالتجربة الحالية أثبتت أن استنساخ النظم العالمية دون تهيئة البيئة المحلية لا يقود إلا إلى مزيد من الفوضى والتراجع.
رئيس مجلس الخبراء العراقي
مرشح مستقل