مأساة الإبداع في عصر الذكاء الصناعي
أحمد محمود دللي
يبدو أننا نعيش اليوم مأساة ثقافية مكتملة الأركان ، لكنها مغطاة ببريق التكنولوجيا وخداع الحداثة... مأساة عنوانها : «مثقفون لا يكتبون ، وقراء لا يقرؤون ، وكلمات تولد من قلب الآلة ، لا من قلب الإنسان».
كنا في السابق نحذر من سرقة الفكر والاقتباس بلا نسب لكاتبها ، فإذا بنا اليوم أمام سرقة أعظم : سرقة الوجدان نفسه..!! وأصبح البعض يمارس الكتابة كما يمارس الضغط على أزرار ماكينة القهوة : طلب سريع ، ومنتج جاهز ، بلا جهد ، بلا سهر ، بلا قلق ..!!
جيل يتكئ على الذكاء الصناعي كعكاز ثقافي ، ويمضي في نشر ثقافة معلبة، باردة، بلا روح، يزينها بمصطلحات منمقة ، لكنها خاوية من التجربة الحقيقية...!! جيل لا يعرف طعم الورق ولا رائحة الكتب ، ولا سهر الليالي على كلمة تعاند الكاتب أياما قبل أن ترضى بأن تكتب..!!
يا سادة، لسنا ضد الذكاء الصناعي، ولا نجرم تطور الأدوات ، لكنها كارثة حين تتحول الأدوات إلى مؤلفين ، والوسائل إلى مصادر إلهام.
المثقف الحقيقي عاش معاناته ، واختبر ماضيه ، وتصارع مع فكره ، بينما هذا الجيل يستورد المعاناة من برنامج، ويستعير الحزن من خوارزمية لا تبكي..!!
المأساة ليست فقط في ضياع الجهد ، بل في ضياع الصدق..!! كيف سنفرق بين من كتب من قلبه ومن استعار نصه من آلة لا تملك قلبا أصلاً..!؟ كيف سنثق بمن يصنع ثقافته في دقيقة، بينما الأديب الحقيقي يبنيها في عمر كامل..!؟
نحن أمام كارثة ثقافية مقبلة ، ثقافة بلا هوية، بلا أصالة، بلا صراع إنساني. ثقافة تستهلك الذكاء الصناعي كما تستهلك الوجبات السريعة : هي سريعة، مشبعة، لكنها في النهاية... تتركك جائعا للحقيقة..!!
ومع هذا كله ، ما زال هناك بصيص أمل لأولئك الذين يكتبون بدم القلب لا بازرار الالكترونيات ، لأولئك الذين يعرفون أن الثقافة ليست منتجا للبيع ، بل رسالة تعاش، وألم يكتب..!
ويبقى السؤال معلقا في عنق هذا الزمن،، هل سيبقى هناك كاتب يكتب من أجل أن يبوح..!؟ أم أننا جميعا سنغرق غدا في نصوص معلبة ، تكتبها آلات وتصفق لها آلات أخرى ..!؟