الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نظرية المشاركة.. محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ

بواسطة azzaman

نظرية المشاركة.. محاولة حسن العلوي للتصالح مع التاريخ

محمد ساجت السليطي

 

في سياق عراقي مشحون بالاقتتال الطائفي، أصدر الكاتب العراقي حسن العلوي عام 2007 كتابه «عمر والتشيع: ثنائية القطيعة والمشاركة»، ساعيًا إلى إعادة قراءة العلاقة التاريخية بين الرمزين المؤسسين للمذهبين: عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب. تناول العلوي طيفًا واسعًا من القضايا، يصعب الإحاطة بها جميعًا في هذا المقال. من أبرز ما طرحه: نقده للفئة التي تُعرف بـ»المستبصرين» – أي من انتقلوا من المذهب السني إلى الشيعي – في فصلٍ حمل عنوان «مثالب المستبصرين».

فبعد أن أقرّ بحقهم في اختيار المذهب، وجّه إليهم نقدًا حادًا مفاده أنهم – رغم تحولهم – لم يقدّموا جديدًا على مستوى الفكر أو التأليف، بل انشغلوا بموضوعات استُهلكت بحثًا وجدلاً، كمسألة سبّ عمر بن الخطاب وذكر مثالبه، وهي قضايا كُتب عنها مئات الكتب، دون أن يقدموا معالجات فكرية جديدة أو رؤى نقدية مغايرة. ويرى العلوي أن هؤلاء المستبصرين يمارسون قراءة انتقائية للتاريخ: يسلّطون الضوء على وقائع محددة ويغضّون الطرف عن أخرى، ما يجعل قراءتهم منحازة ولا تلامس الحقيقة أو الموضوعية.

في المقابل، أشاد العلوي بما أسماه المدارس العلمية التنويرية، وعلى رأسها: المدرسة المصرية ممثلة بكتابات عباس محمود العقاد، وطه حسين، وعبد الرحمن الشرقاوي؛ المدرسة العراقية ممثلة بـعلي الوردي؛ المدرسة الشيعية الخطابية التنويرية ممثلة بـالشيخ أحمد الوائلي؛ كما أثنى على فكر علي شريعتي ورؤاه. ويرى أن هذه المدارس مجتمعة قدّمت أنضج قراءة للتاريخ، لأنها استندت إلى مناهج علمية حديثة، واعتمدت التحليل الموضوعي بدل السرد المتحيز. وبناءً على هذه الرؤية، فإن العلاقة بين الإمام علي وعمر بن الخطاب لم تكن صدامية، بل قامت على مبدأ المشاركة السياسية، وهو ما يسعى العلوي إلى ترسيخه في كتابه هذا. بذلك، بدا العلوي كمن يبحث عن جسر معرفي يتجاوز الانقسامات العقائدية نحو قراءة علمية وواقعية للتاريخ الإسلامي.

حرب طائفية

جاء صدور الكتاب في ذروة الحرب الطائفية في العراق، كمحاولة للحدّ من لهيب الفتنة الذي أحرق أرواح آلاف العراقيين، ومدّ يد التصالح مع الذات والتاريخ. وقد صاغ العلوي هذا الإهداء بنص مؤثر يعكس رمزية عثمان العميقة، حيث أهدى كتابه إلى رمز وطني وحدوي خالص، هو الشهيد عثمان العبيدي، الشاب البغدادي الذي أنقذ سبعة من زوّار الكاظمية من الغرق في نهر دجلة، قبل أن يبتلعه النهر مع الضحية الثامنة. وكان الإهداء بنصّ عميق:

«إلى ابن أعظمية النعمان بن ثابت إمام الساحل الشرقي، عثمان بن علي العبيدي...

إليه، رجلاً أنقذ سبع أرواح من الموت غرقًا بين الحشود التي سقطت في النهر على طريقها إلى إمام الساحل الغربي.

وعند الثامنة تعانقت الروحان، وهبط الجسدان معًا تحت مياه الجسر المشترك. وحسبك أنك حبر هذه السطور

صرّح العلوي بأن كتابه هذا محاولة للترويج لنظرية «المشاركة»، ويمثّل – برأيه – لبنة أولى على طريق السلم الأهلي، الذي لا يتحقق إلا بالمصالحة مع التاريخ. غير أن هذه النظرية لم تمرّ دون نقاش أو نقد. فقد قرأتُ في معرض الرد عليه كتابًا مميزًا بعنوان «التشيع بين السياسة والتاريخ والواقع» للأستاذ مختار الأسدي، الذي ناقش فيه بإسهاب الجوانب التي أهملها أو تغافل عنها العلوي.

أشار الأسدي إلى أن العلوي نفسه مارس قراءة انتقائية، تعمّد فيها إخفاء صفحات من الصراع الحقيقي الذي دار بين علي وعمر. كما تساءل: هل حقًا كانت «المشاركة» التي يتحدث عنها اختيارًا حرًا؟ أم أنها تسوية فرضتها معادلة القوة والضرورة السياسية؟ وهل يبدأ السلم الأهلي من تجاهل المسؤوليات التاريخية، أم من مواجهتها بجرأة وصدق؟

مثل هذا النقد لا يُضعف أطروحة العلوي، بل يثريها بطرح الأسئلة الصعبة التي لا يمكن لمشروع المصالحة أن يتجاهلها.

لا شك أن حسن العلوي – الصحفي والمفكر المعروف، وأخ المفكر الراحل الكبير هادي العلوي – يتمتع ببراعة لغوية وذهنية تحليلية عالية، وهو أحد أبرز الأقلام العراقية في تناول موضوعات التاريخ والسياسة، بلغةٍ أدبيةٍ مشبعةٍ بالفكر والرؤية النقدية. لكن التحدي الحقيقي في مشروع العلوي يتمثل في كونه مشدودًا بين شخصيتين: شخصية الكاتب البليغ، وشخصية المصلح الطامح للمصالحة.

حياد تاريخي

أحيانًا تبدو الحماسة الأدبية طاغية على التوثيق، وأحيانًا يطغى النداء الإنساني على الحياد التاريخي، وهو ما يجعل قراءته محفوفة بالتوتر بين المثالية والواقع

يبقى هذا الكتاب محاولة فكرية جريئة ونبيلة، وُلدت في لحظة عراقية بالغة الحساسية، محاولةً لتهدئة العقول المشتعلة والقلوب الممزقة. وعلى الرغم من الجدل الذي أثارته نظرية «المشاركة» وتباين الآراء حولها، فإن مجرّد طرح هذه الفكرة في سياق التوتر الطائفي، هو بحد ذاته موقف شجاع يستحق التقدير والنقاش.

إن قراءة «عمر والتشيع» ليست مجرد استذكار لتاريخ مضى، بل تمرين على العبور فوق الجراح الطائفية نحو أفق إنساني أرحب.

    كاتب وباحث عراقي

 

 

 


مشاهدات 103
الكاتب محمد ساجت السليطي
أضيف 2025/07/28 - 3:01 AM
آخر تحديث 2025/07/28 - 7:32 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 283 الشهر 18644 الكلي 11172256
الوقت الآن
الإثنين 2025/7/28 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير