العراق بين التكفير والتفكير
شيرزاد نايف
لم تُحلّ الخلافات التي بدأت قبل أكثر من 1400 عام، فكيف لها أن تُحل اليوم في عراقٍ تائه بين شعارات دينية وهويات متناحرة؟ الواقع السياسي في البلاد يعاني من اختطافٍ كامل من قبل نخب دينية لا تفكر، بل تكفّر، تسوّق شعاراتها باسم الإيمان، وتُقصي كل من يخالفها وكأنه زنديق في بلاط طائفي مغلق.
في هذا المشهد، إقليم كردستان يبرز؛ كاستثناء نادر في العراق، حيث لا تُحكم المدن بفتوى، بل تُدار بعقل دولة. النجاح في الإعمار، التنمية، الاستثمار، وبناء المؤسسات جعل من الإقليم الشجرة المثمرة التي لا تُقابل إلا بالحجارة.
ومن أبرز ذرائع الهجوم على الإقليم، تهمة «التواطؤ مع الموساد» التي روّجتها بعض الجهات السياسية، وزرعتها في وعي الأجيال الجديدة رغم غياب أي دليل. متناسين بأنهم أحفاذ صلاح الدين اول من حرر فلسطين. في هذا السياق ردّ الإقليم مرارًا بالنفي التام، مؤكّدًا على موقفه العلني من هذا الملف.
الرئيس مسعود البارزاني قالها بوضوح:
«لو كانت لدينا علاقات مع إسرائيل، فنحن لا نخجل ولا نخاف من أحد، نحن صريحون في تصرفاتنا». والرئيس نيجيرفان البارزاني صرّح، في بداية الحرب بين إيران وإسرائيل، بأن الإقليم لا يمكن أن يكون منطلقًا ضد طهران، ويحافظ على علاقات مميزة معها.
هذا هو الفارق: في أربيل يُصاغ الفكر، وفي بغداد يُشهر الكفر كأداة ضد الآخر. هناك من يبني وطنًا، وهناك من يكتفي بلعن خصومه من على منابر السياسة.
ما لم تتحرر النخب السياسية العراقية من عقلية التخوين والطائفية، فلن يكون هناك وطن، بل نزاع دائم بين من يُفكّر، ومن يُكفّر.