الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
نوَّاف ذو التجربتين

بواسطة azzaman

نوَّاف ذو التجربتين

فؤاد مطر

 

في فترة زمنية تقاس بالأسابيع العشرة يجتاز الدكتور نوَّاف سلام الآتي إلى فوضى العمل السياسي في لبنان من العالم الأكثر رقياً من سائر المسؤوليات (رئاسة محكمة العدل الدولية) تجربتيْن بالغتي الأهمية وكلتاهما كما الحدائق التي تتنازع الأشواك جمال أزهارها.

عمل سياسي

تمثلت التجربة الأولى بإختياره دون سائر المتطلعين إلى معاودة الترؤس أو الآملين في أن تكون رئاسة أول حكومة في العهد الجديد من نصيبهم. ولكن طهاة طبق ترؤس الحكومة دولياً وعربياً وتيارات حزبية لبنانية، توافقت على أن يكون رئيس الحكومة ذلك الذي نأى عن العمل السياسي اللبناني ولم ينتسب إلى مجاميع حزبية أو متحزبة، وبقي مغرداً في عالم القوانين حيث إنتهى به المقام والمكان بعيداً عن لبنان وأطيافه الحزبية مستقراً في مدينة لاهاي الهولندية مستقر محكمة العدل الدولية، ويفوز برئاسة هذه المحكمة التي أحكامها عادلة وكثيرة لكن السطوة الأميركية على هذه الأحكام إسترضاءاً للعدوان البنياميني تجعل هذه الأحكام العادلة والمنقذة للعالم من نزوات الشريرين ومغامراتهم مجرد أحكام عالقة في الهوى الأميركي – الإسرائيلي. وهي باقية على هذه الحال إلى أن تبلغ الصحوة المستجدة حديثاً منتهاها وبالذات من جانب عدة دول أوروبية تدين بمفردات واضحة الممارسات الإسرائيلية وتضع الحليف الأميركي أمام وجوب التنسيق مع هذه الدول بأمل أن توقف حكومة نتنياهو مواصلة شرورها على مدار الساعة وتأخذ في الإعتبار أن ما نعيشه الآن داخلياً وأوروبياً وأميركياً ودولياً عبارة عن هزات شبيهة بالهزات الأرضية المتقطعة التي تنتهي أحياناً بزلزال صاعق ومدمر والتي تفيد أحدث معلومات المهتمين بالطبيعة والهزات الأرضية، أن تركيا قد تشهد الزلزال الأكبر. متى هذا في عِلْم الغيب.

كانت التجربة الأولى ﻟ نوَّاف سلام رئيساً للحكومة كمن يقود طائرة ركاب من مختلف الأعمار في جو عاصف مفاجئ، ومع أنه حديث العهد في  عالم الطيران وأن قيادته تلك كانت المرة الأولى، فإنه إستحضر شجاعة المغامر وأوصل الطائرة إلى المدرَّج المخصص لها. لم يعتمد في ما يقوله مفردات التحدي وإنما الترويض، ذلك أنه أمام بعض الذين تتقدم لغة العناد والتحدي على سائر المستحسَن من الأخذ والرد. وبذلك أمكنه تثبيت مكانته كرجل سياسة يناور عند الضرورة ويسترضي الخواطر بأسلوب هادىء عندما يرى أن لغة التحدي تجاوزت الحد.

وعندما حدث التكريم من جانب المملكة العربية السعودية بدءاً بزيارة الرياض في طائرة خاصة ونصحاً له ولمصلحة لبنان الوطن والشعب من ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان، فإن هذا التكريم والنصح كانا بمثابة شحن معنوي لكي يمضي نوَّاف سلام قُدماً في ما قاله عند تكليفه الترؤس أو ما لقيه من إهتمام إستثنائي غير مسبوق لسائر الذين ترأسوا الحكومة اللبنانية من المملكة، حيث إسم نوَّاف مستحب فيها.

إنعقاد قمة

جاءت التجربة الثانية ﻟ نوَّاف سلام على النحو غير المتوقع حدوثه، ذلك أن رئيس الجمهزرية جوزف عون مرتبط بالسفر، ومصادفة يوم إنعقاد قمة بغداد (السبت 17 مايو/ أيار 2025) إلى الفاتيكان مشاركاً مع قادة آخرين في إحتفالية تنصيب رئيس الكنيسة الكاثوليكية الجديد البابا (الأميركي) ليون الرابع عشر. ومع أن القمة خير مناسبة لكي يشارك الرئيس عون فيها كون المشاركة هذه تكون الإطلالة الأولى على مؤسسة القمة العربية، إلا أن الإرتباط الروحي تقدَّم على واجب المشاركة في القمة، وإسناد الواجب إلى رئيس الحكومة ﻟ نوَّاف سلام الذي كان من محاسن مشاركته أنها التجربة الأولى له في مؤسسة القمة والتحادث مع قادة لم يسبق له أن زارهم. ومع أن التمثيل على مستوى القادة كان دون سائر القمم وهذا أمر كان صادماً لأهل الحُكم العراقي، إلاّ أن تجربة مشاركة نوَّاف سلام للمرة الأُولى في مؤسسة القمة صقلت تجربته السياسية من خلال اللقاءات الثنائية التي أجراها مع مشاركين في القمة أكثر إحاطة بطبيعة العمل العربي المشترك كما أن ما ورد في كلمة لبنان التي ألقاها في القمة كانت متناغمة مع الموقف العربي عموماً من القضايا السياسية والإقتصادية والفلسطينية المطروحة أمام القمة، هذا مع تركيزه على ما يتعلق بموضوع السلاح غير الرسمي الذي بات عقدة يتطلب حلها في أجواء بعيدة عن كثرة التصريحات السياسية التي تزيد الموضوع تعقيداً. وهنا يؤخذ في الإعتبار أن نوَّاف سلام كرجل قانون ينظر إلى موضوع السلاح غير الرسمي غير النظرة السياسية أي بما معناه إنه كقانوني ضليع يعتبر السلاح غير الرسمي في لبنان بل وفي أي دولة غير قانوني، ثم تتطور الظروف التي يعيشها لبنان ويشكِّل السلاح الممتلك من «حزب الله» أزمة تحتاج إلى معادلة سياسية – قانونية، وهو أمر متروك إلى مصدِّر السلاح في الدرجة الأولى أي إيران، التي في حال إقتناعها من جرَّاء متاعب دورها المتنوع، حسْم هذه العقدة المستعصية الحل والتي تشغل بال الدولة اللبنانية وتجربة الرئيسيْن، رئيس الجمهورية جوزف عون ورئيس الحكومة نوَّاف سلام. والحسم إفتراضاً مبادرة من إيران تقضي بتقديم هذا الكم الهائل من السلاح إلى جيش لبنان مؤازرة له في تمتين قدراته في مواجهة العدوان الإسرائيلي المتكرر عليه. وعندما نرى طابخو المعادلات الإقليمية والدولية ومن هؤلاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يطلب من الإدارة السورية الراهنة دمج مسلحي حركة «قسد» التركية الإنشاء والرعاية في الجيش السوري فإن دمْج المقاتلين من «حزب الله» وبعضهم بات متمكناً من إستعمال السلاح الذي كان في حوزة «حزب الله» في الجيش اللبناني الرسمي يشكل حلاً للممسألتي.

ن مسألة السلاح يملكه الجيش ومسألة المقاتلين يتم دمجهم في الجيش. وعندما يتناهى ذات يوم إلى السمع أن الحُكم في إيران في ضوء نظرة خالية من التحفظ على ما يصدر من تصريحات وبالذات من رئيس الحكومة وجَّه دعوة إلى كل من الرئيسيْن (الجمهورية والحكومة) لزيارة إيران والترحيب بهما كما سائر الترحيب من جانب دولة عربية، فإن الموضوع الكثير التعقيد (السلاح والمقاتلون) توضع له النهاية المتوازنة التي تؤكد صوابية المطالب والرؤى من جانب الدولة اللبنانية. وهنا تكتسب تجربة نوَّاف سلام في الترؤس وفي الزيارات وفي الحضور العربي مع سائر الرؤساء القادة في قمة بغداد الخاتمة الباعثة على الإطمئنان بأن «لبنان يسعى إلى العودة لموقعه الطبيعي في الحضيْن العربي والإيراني مساهماً فاعلاً في مسارات التنمية التي تعزز إستعادة دوره في المنطقة». لعل وعسى يكون مردود هذه التمنيات خيراً على وطن قاسى من الويلات أشدها.

 


مشاهدات 153
الكاتب فؤاد مطر
أضيف 2025/06/04 - 3:51 PM
آخر تحديث 2025/06/06 - 10:45 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 253 الشهر 5137 الكلي 11139791
الوقت الآن
الجمعة 2025/6/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير