الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد

بواسطة azzaman

عقود نفط أربيل تثير حفيظة بغداد

كوفند شيرواني

 

‏تفتخر شعوب الأرض قاطبة عندما تمتلك موارد طبيعية توفر لها حياة كريمة ومترفة, و أكثر ما تفخر به هي الثروات المعدنية كالفحم والنفط والغاز الطبيعي وغيرها من الثروات التي تعد حاليا المصادر الرئيسية للطاقة في العالم.

‏وتدعم الشعوب كذلك كل جهود حكوماتها الساعية إلى استثمارهذه الثروات وتطويرها وتنميتها وتسخير عوائدها لخدمة ورفاه المواطنين الذين هم أصحاب هذه الثروات في البلاد.

 ‏غير أن هذه الصورة تبدو مختلفه في العراق الجديد, فالثروات الجديدة ومحاولة استغلالها تصبح أحيانا مصدرا لمعضلات وخلافات جديدة تضاف الى العديد من سابقاتها.

مثال على ذلك حصل قبل نحو 10 أيام وتحديدا في 19-5-2025, حين وقعت وزارة الثروات الطبيعية في حكومة إقليم كوردستان - العراق عقدين مع شركتين أمريكــــــــــــية و كندية لتطوير إنتاج الغاز الطبيعي في منطقة السليمانية في اقلــــــــــيم كوردستان. وقد جرت مراسم توقيع العقدين في العاصمة الأمريكية واشنطن وبرعاية الاستاذ مسرور بارزاني رئيس حكومة الإقليم.

مراسم توقيع العقدين حظيت بتغطية اعلامــــــــــــية واسعة منحت بعدا سياسيا و دبلوماسيا واسعا تعزز بعد أن أيدتها الحكومة الأمريكية ممـــــــــثلة بوزارة الخارجية و أعداد كبيرة من اعضاء الكونـــــــجرس الأمريكي, حيث وصفت هذه المقود بأنها نموذج ملهم للشراكة في مجال الطاقة.

 اهمية هذه العقود

 ‏استأثرت هذه العقود بأهمية متميزة بين عقود الطاقة السابقة مع العديد من شركات استثمار النفط والغاز في المنطقة لجملة من الاسباب. السبب الأول يكمن قي ان هذه العقود تختص بالغاز الطبيعي الذي أصبح محل اهتمام العالم بأسره, خاصة بعد تراجع إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا وتضاعف أسعاره في أسواق الطاقة إلى أربعة أضعاف ما كانت عليه قبل اندلاع الحرب الروسية الاوكرانية في شباط 2022.

‏الأمر الآخر هو ضخامة هذه العقود وكلفتها المالية المرتفعة التي تجاوزت 100 مليار دولار, وبذلك تعد عقودا استراتيجية فهي تشير إلى حجم التجمعات الغازية والنفطية التي يمكن إنتاجها واستثمارها في هذين الحقلين اللذان تتجاوز الاحتياطات التخمينية للغاز الطبيعي فيهما 10 تريليون قدم مكعب قياسي.

‏والامر الثالث الذي أعطاها أهمية, أن هاتين الشركتين المتعاقدتين (أمريكية و كندية) وأن توقيع العقود معها يمثل نقطة فارقة في صناعة النفط العراقية, إذ لم تحصل الشركات الأمريكية ولا الاوربية على مشاركة أوحصة جديرة بالاعتبار طوال جولات التراخيص التي أعلنتها وزارة النفط العراقية منذ أكثر من 10 سنوات. ويحتل قطاع الطاقة مكانة متميزة في برنامج إدارة ترامب التي استلمت مقاليد الحكم في العشرين من كانون الثاني (يناير) من العام الحالي, وبالتالي ستحظى هذه التعاقدات بدعم لافت من الادارة الاميركية ومؤسساتها.

 حكومة اتحادية

‏لم يتأخر رد الحكومة العراقية في رفض هاتين الآتفاقيتين, فبعد يوم واحد فقط من توقيع الاتفاقيتين (أي يوم 20-5-2025), صدر بيان من وزارة النفط ,فاحت منه بوضوح رائحة السياسة, تضمن أن هذه الاتفاقيات غير دستورية وغير قانونية ‏لأنها حصلت بدون موافقة وعلم وزارة النفط الاتحادية! ‏غير ان البيان الذي أصدرته الوزارة في اليوم التالي إشارإلى أن الوزارة لا تمانع في التعاقد مع الشركات الأمريكية شريطة أن يتم ذلك بعلمها. ‏وتصاعدت ردود الأفعال المسيسة (للآسف) لتصبح أكثر حدة, فبعد بأيام إقامت وزارة النفط دعوى قضائية على حكومة الإقليم في محاولة لإجبارها على أبطال هذه العقود والتراجع عنها. ووصل التصعيد السياسي الى أعلى مدياته يوم الخميس 28-5-2025, حين قطعت وزارة المالية الاتحادية رواتب موظفي اقليم كوردستان لشهر أيار وللاشهر المتبقية من العام الحالي تحت ذرائع لاتقنع أحدا.

مسوغات قانونية

‏كان واضحا أن حكومة الإقليم كانت تتوقع صدور ردود فعل متسرعة وشديدة من الحكومة الاتحادية. ففي يوم التوقيع على العقود, صرح السيد رئيس حكومة اقليم كوردستان بأنه لا داع للانزعاج من هذه العقود فهي تصب في صالح العراق وكذلك اقليم كوردستان وأضاف السيد وزير الثروات الطبيعية الذي وقع على العقود بان هذه العقود لا تستهدف إحدا وانما تهدف إلى تحسين البنية التحتية لقطاع الكهرباء في الاقليم لأنها تركز على توفير كميات إضافية من الغاز الطبيعي المستخدم كوقود لمحطات الطاقة الكهربائية بهدف الوصول إلى الإكتفاء الذاتي من الكهرباء عند وصول الإنتاج إلى 8000 ميغاوات في الساعة.

‏أشار مسؤولين وخبراء أن هذه عقود وقعت استنادا إلى الصلاحيات القانونية التي منحها دستور العراق لعام 2005 للإقليم بموجب المادة (121) من الدستور, كما أن أن المشاركة بين الحكومة الاتحادية والاقاليم والمحافظات المنتجة للنفط في إدارة الحقول النفطية كرستها بوضوح المادة (112) من الدستور العراقي. ‏وحول وصف هذه العقود بأنها غير قانونية, فهذا الأمر يمكن رده بسهولة حيث لا يوجــــــــــــد قانون نافذ للنفط والغاز في العراق الاتحادي وبذلك لا يمكن وصف أي عقد يبرمه الإقليم أو المحافظات المنتجة بأنه غير قانوني لعدم وجود قانون ‏ينظم صلاحيات ومسؤوليات توقيع عقود النفط والغاز وحيثياتها.

‏وعلى العكس من ذلك, فإن حكومة الإقليم قد أصدرت في العام 2007 قانونين: قانون رقم (21) وهو قانون وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم الذي يوضح واجبات الوزارة في إدارة القطاع النفطي وعمليات استكشاف والإنتاج والمعاملة وغيرها, والقانون رقم (22) وهو قانون النفط والغاز في الإقليم والذي يتضمن المراحل والعمليات المختلفة في إدارة هذا الصناعة النفطية في الإقليم.

‏أسباب ردود الفعل المتشددة من بغداد

 

‏تعمل وزارة النفط الاتحادية بشكل جاد وحثيث, خاصة بعد تسلم السيد السوداني الكابينة الوزارية منذ العام 2021, إلى زيادة استثمار الغاز الطبيعي المصاحب للنفط والذي تحرق منه ملايين الاقدام المكعبة يوميا في معظم حقول العراق. وذكرت وزارة النفط ‏ في عدة بيانات, بأنها تعمل بجد في استثمار الغاز المصاحب وتقليل كمية الحرق تدريجيا وتخطط أن تصل إلى نسبة استثمار الغاز الى 70% في نهاية العام الحالي و إلى 100% بنهاية العام 2028.

‏وعليه فإنه عقود الإقليم الجديدة التي تركز على انتاج الغاز الطبيعي واستثماره تعد مكملة ومنسجمة مع جهود الحكومة الاتحادية و أن كل ما يكتشف من احتياطات جديدة في الإقليم, سيمثل اضافة الى الرصيد (الاحتياطي) العراقي من الغاز الطبيعي. وفي تصرح رسمي من الوزارة, يمتلك العراق احتياطيات ضخمة من الغاز الطبيعي تتجاوز 127 تريليون قدم مكعب قياسي (مقمق) تضعه في المرتبة الحادية عشرة أو الثانية عشرة على مستوى العالم من حيث الاحتياطي الغازي.

 

‏طورت وزارة الثروات الطبيعية في الاقليم حقولا متميزة للغاز الطبيعي (كورمور وجمجمال) وحققت بالتعاون مع شركات اماراتية معدلات انتاج عالية تجاوزت (500) مليون قدم مكعب قياسي يوميا , وتهدف الى تحقيق اضافات كبيرة في انتاج الغاز الطبيعي عبر العقود الجديدة الموقعة في واشنطن. يعتقد بعض المحللون ان هذه الانجازات في قطاع استثمار الغاز الطبيعي من قبل حكومة الاقليم الحديثة وذات الموارد والخبرات المحدودة , أثارت حفيظة وزارة النفط الاتحادية التي شعرت بتقصيرها وتلكؤ برامجها في استثمار الغاز رغم مرور عقدين من الزمان على تشريع الدستور العراقي.

 

ثمة عامل آخر، أن تطوير انتاج الغاز الطبيعي في الاقليم واحتمالية تزويد كميات منه الى محافظات عراقية أخرى، سيعجل, وبالتزامن مع جهود وزارة النفط المستمرة في عزل الغاز المصاحب في العديد من حقول الجنوب، في الوصول الى الاكتفاء الذاتي والاستغناء عن استيراد الغاز والكهرباء من ايران. وهذا الامر ترفضه أطراف عراقية موالية (والأصح تابعة) لايران ولها نفوذ في معظم مفاصل الدولة العراقية. هذه الاطراف تعمل منذ سنوات وبشكل ممنهج في الابقاء على العراق مستوردا للغاز والكهرباء من ايران وتسديد فواتير باهظة تصل الى نحو 8 مليار دولار سنويا. وثمة شواهد لذلك حصلت في السنوات السابقة: الأستهداف المتكررلحقل غازي ضخم في الاقليم (حقل كورمور)، عرقلة استثمار حقل غازي عملاق في محافظة الانبار (حقل عكاز)، التلكؤ في استثمار حقول غازية اخرى مثل حقل المنصورية (محافظة ديالى).

 

تتمنى دولا عديدة في العالم أن تمتلك نصف ما يمتلك العراق من خيرات وفيرة على رأسها النفط والغاز، ومن المؤسف ان الادارات الضعيفة وغير المهنية وغير النزيهة (أحيانا) المتعاقبة لقطاع النفط والغاز, لم تحرم الشعب العراقي من كامل ثرواته وحسب، بل واستغلت هذه الثروات وايراداتها كادوات في الألاعيب والمكائد السياسية غير النظيفة, والمستمرة في بلادنا لعقدين من السنين.

 

استاذ جامعي وخبير نفطي

 

 


مشاهدات 154
الكاتب كوفند شيرواني
أضيف 2025/06/04 - 3:50 PM
آخر تحديث 2025/06/06 - 1:00 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 257 الشهر 5141 الكلي 11139795
الوقت الآن
الجمعة 2025/6/6 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير