القضاء العادي صاحب الولاية في نظر منازعات الوظيفة العامة بعد انتهائها
احمد طلال عبد الحميد البدري
من المعروف بأن الموظف العام تربطه علاقة تنظيمية مع الادارة خلال فترة خدمتة الوظيفية، ويخضع للقوانين التي تنظم شؤون هذه الخدمة ، وان اي خلاف في تطبيق هذه القوانين سواء ما يتعلق بحقوق الموظف اوواجباته يكون القضاء الاداري هو القضاء المختص وصاحب الولاية في نظر هذه المنازعات ، وهي ما تعرف بمنازعات شؤون الخدمة المدنية استناداً للمادة (59/1) من قانون الخدمة المدنية رقم (24) لسنة 1960 المعدل ، ونقصد بمنازعات شؤون الخدمة المدنية، هي تلك المنازعات الناجمه عن تطبيق قانون الخدمة المدنية والقوانين ذات العلاقة كقانون انضباط موظفي الدولة والقطاع العام رقم (14) لسنة 1991 المعدل ، وقانون رواتب موظفي الدولة والقطاع العام رقم (22) لسنة 2008 المعدل وغيرها من القوانين والقرارات التشريعية او التنظيمية ذات العلاقة بخدمة الموظف كاجازاته وتنقلاته واحتساب الخدمات والشهادات الدراسية ، واستقالته واحالته على التقاعد ، واحساب الرواتب والمخصصات والفروقات المالية وغير ذلك ، وبالرجوع الى المادة (7/ تاسعاً/أ) من قانون مجلس الدولة رقم (65) لسنة 1979 المعدل نجد انها نصت على ولاية محكمة قضاء الموظفين في النظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على الادارة فيما يتعلق بشؤون الخدمة ، حيث نصت على ان ( تختص محاكم قضاء الموظفين بالفصل في المسائل الاتية :1. النظر في الدعاوى التي يقيمها الموظف على دوائر الدولة والقطاع العام في الحقوق الناشئة عن قانون الخدمة المدنية او القوانين او الانظمة التي تحكم العلاقة بين الموظف وبين الجهة التي يعمل فيها ) ، ووفق المفهوم المخالف لهذا النص فأن ولاية محكمة قضاء الموظفين تكون منتجه لمفاعيلها خلال فترة سريان الخدمة الوظيفية ، وانها تنتهي بانتهاء علاقة الموظف بالخدمة سواء بالاستقالة او التقاعد او الفصل او العزل اوالاقصاء او الوفاة ، مع ملاحظة ان هذه الولاية لاتنتهي حتما عند صدور القرارات الخاصة بانهاء خدمة الموظف وانما تبقى سارية طيلة مدة الطعن التي سمح بها القانون ، فاذا انقضت مدة الطعن تحصنت هذه القرارات وانقطعت علاقه الموظف بالوظيفة العامة ، كما لو صدر قرار باحاة موظف على التقاعد قبل السن القانونية للتقاعد فبأمكانه الطعن بقرار الاحالة على التقاعد امام القضاء الاداري ضمن مدة الطعن فاذا انقضت مدة الطعن دون رفع دعوى تحصن القرار وانتهت علاقة الموظف بالوظيفة العامة ، ويخضع لقانون اخر كقانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل بسبب تغير مركزه القانوني من موظف يخضع لقوانين الخدمة المدنية وولاية قضاء الموظفين الى متقاعد يخضع لقوانين التقاعد النافذه ، وقد افرز التطبيق بعض الاشكالات القانونية لموظفين انقطعت علاقتهم بالوظيفة العامة كوجود خلل في احتساب الخدمة او خلل بالعناوين الوظيفية او الرواتب والمخصصات وغير ذلك ، حيث تمتنع دائرة المتقاعد عن مباشرة مثل هذا الاجراءات كونها لاتملك الصلاحية وفق قانونها لتعديل المركز القانوني للمتقاعد ، كما ان المتقاعد لايملك الرجوع على دائرته لانقطاع علاقته الوظيفية وفقده مركزه القانوني كموظف ، فضلا عن ذلك ان (مجلس تدقيق قضايا المتقاعدين) المنصوص عليه في المادة (29) من قانون التقاعد الموحد رقم (9) لسنة 2014 المعدل يختص بنظر الاعتراضات المقدمة في شأن القرارات التي تصدرها الهيأة في قضايا التقاعد حصراً ، وهنا يثور التساؤل الى اين يلجأ المتقاعد او الموظف الذي انقطعت علاقته بالوظيفة العامة لاي سبب اذا ما طفت منازعات تتعلق بخدمته السابقة الى حيز الوجود بعد ان فقد مركزه القانوني كموظف ؟ ، وقد اجابت محكمة التمييز الاتحادية الموقرة على هذا التساؤل عندما قررت بان محكمة البداءة المختصة هي صاحبة الولاية في نظر المنازعات التي تنشأ عن الحقوق الوظيفية بعد انتهاء علاقة الموظف بالخدمة الوظيفية استناداً لولايه القضاء العامة بموجب المادة (29) من قانون المرافعات المدنية رقم (83) لسنة 1969 المعدل ، حيث جاء في حيثيات قرارها التمييزي بالعدد ( 3852/ الهيئة الاستئنافية منقول /2024) في 31/10/2024 ما نصه ( ...لدى التدقيق والمداولة وجد ان الطعن التمييزي واقع ضمن المدة القانونية ولاشتماله على اسبابه قرر قبوله شكلاً ولدى عطف النظر على الحكم المميز وجد انه غير صحيح ومخالف للقانون حيث كان على المحكمة التحقق فيما اذا كان المدعي /المميز ما زال على ملاك دائرة المدعى عليه / المميز عليه ، ام انه انتهت علاقته الوظيفية حسب ادعائه باحالته الى التقاعد ، حيق انه في حالة ثبوت ذلك اي باحالته على التقاعد فأن الولاية بنظر دعواه المتعلقة بالمطالبة بمستحقاته المالية المترتبة بذمه المدعى عليه يكون لمحكمة البداءة لان ولاية محكمة قضاء الموظفين تسري على من هم في الوظيفية ، اما عند انتهاء العلاقة الوظيفية فأن الولاية تكون للمحاكم المدنية بحكم ولايتها العامة بنظر كافة المنازعات الا ما استثني بنص خاص (المادة 29 مرافعات مدنية) ، ولمخالفة الحكم المميز لوجهة النظر القانونية المتقدمة قرر نقضه واعادة اضبارة الدعوى الى محكمتها لاتباع ماتقدم .....) ، ولنا على القرار المذكور التعليق الاتي :
1. ان هذا القرار سليم من الناحية القانونية كما انه اكثر تحقيقاً للعدالة ، حيث افرز التطبيق قيام الادارات وبعد احالة الموظف على التقاعد بمطالبته بمالغ مالية صرف له قبل عشرات السنين ، او اصرارها بعدم صرف بعض المستحقات المالية اوعدم تعديل مركزه القانوني اثناء الوظيفة ، بانتظار احالته على التقاعد وفقدانه مركزه القانوني ويتعذر بعد ذلك استيفاء حقوقه وخصوصا لبعض الموظفين الذي يجهل اليات اللجوء الى القضاء الاداري اثناء خدمته .
2. ان هذا القرار كشف القصور التشريعي في قانون مجلس الدولة الذ ي لم يتضمن حكماً قانونياً يعالج المنازعات الوظيفية بعد انقطاع علاقه الموظف بالوظيفة العامة ، كما ان القضاء الاداري رغم كونه يمارس دوراً انشائياً للمبادىء القانونية العامة ، لم يقرر مبدأ يتعلق بمعالجة هذا القصور بل على النقيض اكد على فقدان الموظف لمركزه القانوني وضمانات الوظيفة العامة بمجرد انقطاع علاقته بالوظيفة ، فالاختصاصات تنتزع انتزاعاً بالمبادىء العامة والاجتهاد القضائي في حال غياب النص ، وان عدم تقرير مثل هذا المبدأ افقد مجلس الدولة مكنة تقرير اختصاص النظر بمثل هذه المنازعات ورجعت المنازعات للولاية العامة للقضاء العادي .
3. نقترح على مجلس الدولة تعديل اختصاص محكمة قضاء الموظفين من خلال التوسع فيه ليشمل المنازعات الوظيفية الناشئة اثناء تمتع الموظف بمركزه القانوني كموظف والتي تثار او تتراخى اثارها القانونية الى ما بعد انقطاع علاقه الموظف بالوظيفة طالما ان هذه المنازعات نشأت عند وجود العلاقة الوظيفية بين الادارة والموظف اثناء خدمته ، او ممكن تعديل مدة الطعن بالقرارات الادارية التي تنهي علاقة الموظف بالوظيفة لتكون مثلاً ستة اشهر بالنسبة للمتقاعدين على سبيل المثال لضمان تكامل ولاية قضاء الموظفين وعدم تجزئته بين القضاء العادي والاداري.
والله الموفق...