أبدية الولاية والمبايعة المشروطة
خالد محسن الروضان
يقول الله تعالى: «إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى»، وهذه الآية الكريمة تمثل قاموسًا اجتماعيًا شاملًا لا يُستثنى منه أحد إلا من رحم الله.
كان المسلمون الأوائل في عهد الرسول محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) يكافحون الظلم والتعالي والترف، لكن ما إن علت شوكتهم وجاءهم المال والنفوذ حتى أصبحوا هم بحاجة إلى من يكافح طغيانهم.
تذكّرت هذا وأنا أراقب المشهد السياسي المؤلم الذي يسبق الانتخابات البرلمانية المقررة في 11 تشرين الثاني 2025، حيث التبست الأمور حتى على السياسيين أنفسهم، فاختلطت عليهم الاتجاهات، ولم يُدرك كثير منهم أهمية هذه الانتخابات وما تمثله من استحقاق قانوني ودستوري لنقل السلطة بصورة سلمية، تحفظ أمن العراق ووحدته الوطنية، خاصة في ظل ما تشهده منطقة الشرق الأوسط من أحداث وتداعيات خطيرة.
إن الانفراد بالسلطة والابتعاد عن إرادة الشعب في حرية اختيار ممثليه، يُفرّغان العملية الديمقراطية من مضمونها الحقيقي، ويضعفان الوعي الوطني ومفهوم المواطنة، بل ويهددان الوحدة الوطنية ذاتها.
ولقد أصبح لدى بعض السياسيين شعور بأن وجودهم في السلطة يمنحهم حقًا أبديًا أشبه بـ"الحق الإلهي"، متجاوزين كل المعايير القانونية والدستورية التي تنظّم التداول السلمي للسلطة. فبعد أن قالوا بالأمس: "ما ننطيها", نراهم اليوم يخشون أن تُنتزع منهم، وكأنهم يعترفون ضمنيًا بـ أبدية الولاية والمبايعة المشروطة، في تصورٍ يرى أن الامتداد السلطوي ليس تكليفًا وطنيًا بل امتيازًا إلهيًا!
إن هذا الفهم المغلوط جعل العملية الانتخابية تراوح مكانها، فيما يدفع الشعب العراقي ثمن هذا التعطيل والتناحر، بدماء أبنائه ومستقبل أجياله. فبينما ينشغل السياسيون بصراعات البقاء في الحكم وحماية مصالحهم، يسير الوطن في نفقٍ مظلم.
لقد أصبح من الواضح أن السياسيين في وادٍ، والشعب في وادٍ آخر، ولا سبيل للإصلاح ما لم تُقدَّم مصلحة الوطن على مصلحة الحزب والطائفة والقبيلة.
فلنرفع جميعًا شعارًا وطنيًا جامعًا:
"فإن أحسنت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني"
عندها فقط يمكن للسياسي أن يدرك أن الأمة حين لا ترضى عن أبنائها، فإنها تقوم بتقويم المسار، وتضع حدًا للفوضى، لتستعيد الدولة روحها، ولينتصر الوطن على عبودية الكرسي.