الكاتب الّلبناني ومؤسّس إئتلاف الشّباب ألحان فرحات: زيارة المسلمين الموحّدين بني معروف إلى فلسطين المحتلّة حركة عفوية
بيروت – اورنيلا سكر
ليس هناك أي مرحلة جديدة فيما يجري من تحركات الوفد الدرزي إلى إسرائيل؛ بل إنها مجرد محاولة لجسّ النبض لمعرفة ما إذا كان المشروع التقسيمي قد ينجح في سوريا، في خطوة استباقية لتفادي تكرار سيناريو إبادة الدروز، كما حدث مع العلويين، وذلك بهدف الاستنجاد بإسرائيل.
ومع ذلك، فإن المواقف الرّسميّة للطائفة الدرزيّة، سواء في سوريا أو لبنان، لم تُبارك هذه الزيارة، وهو ما يحمِل دلالات ومؤشّرات على أنّنا أمام حرب إعلاميّة شَرسة تهدُف إلى تبريرِ توسّع الكيان الإسرائيلي في المنطقة تحت شعار حماية الأقليات. إنني أعتقد أن الأمور خطيرة.
إن زيارة مشايخ بني معروف (الأجاويد) إلى الجولان المُحتل، ليس جسّ نبض ولا محاولة مقصودة لأي غاية مُسبقة. هي زيارة فردية وغير سياسيّة كما سبق وأعلن مشايخ العقل في سورية بالإضافة إلى سماحة شيخ عقل المسلمين الموحّدين في فلسطين المحتلة سماحة الشيخ موفق طريف.
تلك الزيارة كانت حركة عفويّة فرديّة من أهل منطقة حضر، بحيث قرّروا زيارة اهليهم وذويهم الّذين غابوا عنهم وفرّقت بينهم السياسة لمدة خمسين عام.. لا أكثر ولا أقل. فلا بني معروف كانوا قد “عزموا” إسرائيل لاحتلال الجنوب السوري ولا هم مَن فرّطوا بالأرض الفلسطينية أو السورية المحتلّة!! بل ونتيجة الحروب مع العدو الاسرائيلي تفرّق الأهل والإخوان.. وعندما سنحت الفرصة لهم لزيارة ذويهم هرعوا ولبّوا نداء صِلة الرحم.. بالإضافة إلى زيارة مقام النبيّ شُعيب (عليه السلام) في حطّين، والّذي يعتبر من الأماكن المقدّسة المهمّة عند العشيرة المعروفية.
أمّا المواقف الرسميّة لمشايخ العقل في لُبنان وسورية فموقفها طبيعي ومدروس ومحق.. ولا يمكن القول بأنّهم لم يباركوا الخطوة.. بل حذّروا منها!! والفارق ها هنا كبير بين الموقفين، بحيث لا يمكن لمشايخ العقل ألا يباركوا لقاء الإخوان والأهل، فعشيرة بني معروف تقوم على مبدأ حفظ الإخوان، وأنّه لا حدود تفرّق بين الإخوان، فبني معروف قومٌ يؤمنون بأنّهم يربّون بعضهم البعض عبر الأجيال. وعليه، من الصّعب جدا أن تصيبهم سهام الشرذمة والفتنة داخل العشيرة.
مشايخ العقل
لقد حذّر مشايخ العقل من نتائج هكذا زيارات، خاصةً بالتوازي مع المطامع والخطط المعلنة منها والغير معلنة للعدو الصهيوني.. فقد اكّدوا على مواقفهم القديمة الجديدة بعروبة بني معروف والتزامهم منطق الدولة الواحدة الموحّدة ورفضهم لتقسيم أوطانهم.فموقف الشّيخ أبو وائل حمّود الحنّاوي كان واضحا، وقد أعلن حضرته بشكل واضح أنّ تلك الزيارة فردية ولا تمثل الجماعة أو الموقف العام للطائفة. كذلك كان موقف سماحة الشيخ الهجري وسماحة الشيخ الجربوع... ثلاثة مواقف موحّدة تمثّل طائفة المسلمين الموحّدين وموقفهم تُجاه دولتهم وعدائهم للكيان، بالإضافة إلى نظرتهم للعلاقة بين الإخوان عبر حدود الدول. وهنا ينتهي الكلام.
أمّا شيخ عقل طائفة المسلمين الموحّدين في لبنان، الشيخ الدكتور سامي أبي المنى فقد كان موقفه واضحا موضِّحًا بأنّ الحذر واجب من مخططات العدو ويجب أن لا تكون العشيرة المعروفية حجّة يستمسك بها الاحتلال من أجل الشروع في تحقيق مشروعه التوسعي. وحذّر إخوانه من اللّبنانيين جرّاء حساسيّة الوضع اللّبناني من الذهاب في هكذا خطوات فرديّة لتبعاتها الخطيرة على المجتمع اللبناني ككل، وهو موقف حكيم آنيًا لا لُبس فيه.. فلُبنان لم يدخل في اتفاق سلام مع العدو، ولا زال خارجا من حرب ضروس لمّا تنتهي مفاعيلها الداخليّة بعد.
هل تشكّل هذه الزيارة انقسامًا داخليًا في الطائفة الدرزيّة يدلّل على وجود تيارات داخل الطائفة تؤيد التعامل مع إسرائيل كخيار استراتيجي؟
- بادئ ذي بَدء يجب أن نشير إلى مسألة مهمة، بأنّ كلّ مَن يعوّل ويراهن على الإنقسام في طائفة المسلمين الموحّدين (بني معروف) على إمتداد الجزيرة العربيّة، لا غروَ أنّ رِهانه باطل وخاسر. ذلك لأنّ ما يجمَع العشيرة المعروفيّة ويجتمُع حوله أبناؤها لهو أكبر بكثير من أيّ حزبٍ أو تيارٍ سياسيّ أيّما كانت هُويّته وجغرافيته.
إنّ بني معروف مكوّن عربيّ مسلم ملتزم خطّ العروبة، وهم عربٌ أقحاح من العرب العاربة الباقية، وكانوا أكثر من ضحّى وجاهد واستشهد في سبيل الأمّة العربيّة وقضاياها قاطبةً.
أمّا ما يحدث اليوم في سورية، ففيه من الحقيقة القليل ومن التأويل الكثير. فبني معروف ومن خلال ممثليهم -أكانوا مشايخ العقل الثلاثة، أو قادة الحركات المسلّحة- كانوا قد أجمعوا على وحدة الوطن، ورفضهم للتقسيم معلنين جهارا معارضتهم قيام أي شكل من أشكال الكيانات المستقلة داخل الدولة السورية لا لهم ولا لغيرهم.
بالتالي، لا إنقسام، ولا تقسيم، بل الإلتزام بسورية الوطن الجامع الموحّد. وكلّ ما يُسمع من هنا ومن هناك لا يعدو كونَه أراء خاصة أو لحظات تخلّي لبعض ضعفاء النّفوس نتيجة ظروف اقتصاديّة ربما أو اجتماعية قاسية لا أكثر ولا أقل. فلا تيارات ولا تجمّعات ولا غير ذلك تؤيد التعامل مع إسرائيل، أمّا وفي حال ارتأى العرب طريق السلام.. فطريق بني معروف هو طريق إخوانهم العرب ومصلحة الأامّة العربية فوق أي اعتبار.
فبني معروف الّذي جاهدوا في سبيل سورية وقدّموا الغالي والنّفيس بوجه الإستعمار العثماني، والإنتداب الفرنسي، والإحتلال الصهيوني فيما بعد، كما مواجهتهم السلمية للنظام الأسدي البائد لسنوات ورفضهم الإقتتال الداخلي وتحريم الدم بين الإخوة السوريين، كلّ تلك أدّلة حسيّة على وطنيّة وعروبة العشيرة المعروفيّة.
إلى أي مدى تلعب إسرائيل ورقة الأقليات لتبرير تدخلها الإقليمي؟
- نحن لا يمكننا أن نعرف ما يجول في خاطر العدو، ولا يمكننا حتى أن نضع أنفسنا مكانه لنعرف إلى أي مدى يلعب في ورقة الأقليّات أو كيف سيبرر تدخله الإقليمي وما هي خططه بالتحديد... ولكن يمكننا القول بأنّ العدو حسب ما خبرناه منذ نشأة الكيان، لقد كان جاهزًا دومًا لفعل اي شيء من أجل أن يبثّ شرارات الفتنة بين الشعوب العربية وهذا ما دأب على فعله في فلسطين ولبنان وسورية.
فكلما ضعفُت الأمّة العربية وتشرذمت كلما تقوّى وزاد نفوذه وسيطرته وتوسعه.
فموضوعنا ليس الكيان وخططه، لأن حلمه وطموحه من البحر الى لنهر لا زال قائمًا منذ قيامة دولة الكيان... ولكن ما يعنينا هو قيام دولة سورية تحترم خصوصيّات كافة المكوّنات وتحقق لهم عدالة التمثيل في السلطة بحيث يطمئنوا ولا يقلقوا.. وهو الأامر الّذي افتقَدَ إليه الإعلان الدستوري بمواده ال43، بحيث جاء مخيّبا للآمال إلى حدّ بعيد، وربما يمكن اعتباره أغرب دستور في تاريخ الدساتير الإنسانية، وذلك لا يبّشر خيرا ولا يدفع الأقليات للإطمئنان تُجاه سلطة الأمر الواقع، بل يكرّس الهواجس وينشر القلق بين أغلب المكوّنات السورية.
ورقة الاقليات
الخلاصة، لا يمكننا النّفي بأنّ إسرائيل تلعب ورقة الأقليات كيما تبرّر تدخلها الإقليمي، ولكن من الجهة الأخرى لا يجب أن تعطي سلطة الأمر الواقع في سورية حجّةً للأقليات كيما تتخوف منها وتتوجس نواياها فتكون سبب في فقدان الثقة بين الإخوة السوريين وبثّ شرارات الفتنة، كخطيئة الإعلان الدستوري التي أشرنا إليها منذ قليل والّتي يجب أن تُصحَح في أسرع وقت ممكن.
هل هذا النّهج يعكس استراتيجيّة إسرائيليّة طويلة الأمد لإعادة رسم الخرائط الديموغرافية والسياسية في المنطقة؟
- اذا لم تثق كافة المكونات ببعضها البعض ولم ينجحو في وضع دستور عصري حضاري مدني اتحادي فدرالي في سورية، فممّا لا شكّ فيه أنّ العدو سيتمدد ويحتل ويسير قثدمًا في تحقيق مخططاته التوسعيّة ليس بفضل قوته، بل بسبب ضعف الدّولة السّورية وفشلها في إيجاد نظام اتحادي عادل يوحّد جميع المكوّنات تحت الراية السورية.
نأخُذ على سبيل المثال، أحداث السّاحل السوري الأخيرة.. فبغضّ النظر عن تباين المواقف والآراء، يبقى الواقع واحدا بأنّ هناك مجازر ارتكبت بحق فئة معينة من السّوريين، ووثِّقت بفيديوهات تَقشَعِّر لها الأبدان، وهذا ما دفع باقي المكوّنات إلى إعادة النّظر في موقفها تُجاه سلطة الأمر الواقع الموجودة في دمشق، أي سلطة الحاكم بأمره أحمد الشرع الّذي يتبوأ المنصاب التالية:
رئيس الجمهورية العربية السورية.
رئيس مجلس الوزراءو قائد الجيش العربي السوري والقوات المسلحة كافةوسيعيّن الوزراء وأعضاء مجلس الشعب، وله صلاحية إعلان حالة الطوارئ.«أيّ أنّ الشرع وبحسب الإعلان الدستوري الأخير، قد اختصر الجمهوريّة العربيّة السوريّة بشخصه لمدّة خمس سنوات».
كيف تُساهم الدعاية السياسية في شرعنة التقسيم واعادة تشكيل الولاءات والهويات؟
- قال بول غوبلز يوما: “أعطني إعلاما كاذبا أعطيك شعبا بلا وعي”. لا شكّ بأنّ الإعلام يلعَبُ دورًا كبيرًا لا بَل خطيرًا، خاصةً وسائِل التواصل الإجتماعي، بحيث يُمكن لأيّ شخصٍ أو حتى مجموعة صغيرة أن تبثّ صورًا وفيديهوات مُفبركة حينًا وربما غير موزونة حينًا آخر ما يؤدّي إلى الفتنة الداخليّة.
كذلك باستطاعة العدو انشاء حسابات مفبركة وبثّ الفتن هُنا وهُناك بين المُكوّنات، وعليه من واجب السّوريون لا بل العَرب قاطبةً أن يتنبّهوا لهذه المَسألة وألّا تُؤخذ المَواقف الرسميّة إلّا مِن أهلِ المَوقف والمُمثلين الرّسميين، لا أحدَ سِواهُم.
فالتّقسيم ليسَ مسألة فُقهيّة أو قانون دستوري حتى يُشرعن، بل هو فكرة فتنويّة يجب مواجهتها بالوعي السّياسي، والإلتزام الأخلاقي التاريخي بالأرض والقضايا الوطنيّة. ونعيد ونكرّر بأنّ الطابة اليوم في ملعب سلطة الأمر الواقع كيما تطمئن المكوّ نات السورية كافة وتدفع بهم أكثر للتشبث بدولتهم، وألا تفرض عليهم خيارات صعبة.
* هل نحن أمام مسار تعزيز النّزاعات الاستقلالية لدى الاقليات ؟
- إن لم تعي أنظمة الدول التي تحتضن تعدديّة في الهُويات المجتمعية كسورية ولبنان بأنّ الفدراليّة وحدها تشكّل الخلاص الوحيد للحفاظ على وحدة الدّولة وبسط العدالة في ظلّ موجات جنون التعصّب والتزمّت والأحقاد المبنيّة على دماء مُنتشرة هنا وهناك في منطقتنا الشرق أوسطية، فلا شكّ بأنّ الأقليات ستذهبُ لخيارِ الإنفصال على قاعدة مكره أخاك لا بطل. فكلّ شيء مرهون بالدّساتير والأنظمة الدستورية التي تدير شؤون الجماعات والطوائف.. ومن الصّعب وجود جماعة طائفيّة قد تقبل على نفسها الذلّ والمهانة والذميّة.
نأخذ على سبيل المثال لا الحصر، في المادة الثانية من الإعلان الدستوري المستحدث في سورية يحدَّد دين الرّئيس بالإسلام فقط، دون ذكر قوميته أو عنصر مواطنته، وبالتالي هناك احتمال أن يحكم سورية يوما ما رجل من أفغانستان أو باكستان مثلًا.. وهذا ما سيسبب فتنة وربما ثورات جديدة. كما أنّ هذه المادة تتعارض وتتناقض مع المادة السادسة في الإعلان الدستوري التي تذكر بأنّ جميع المواطنين متساويين بالحقوق والواجبات. فكيف تكون المساواة بين المواطنين إن كانت ديانة الرئيس الإسلام حصرًا؟ وغيرها كثر من المواد القانونية التي تعتبر غريبة ومستهجنة في الإعلان الدستوري الجديد في جمهوريّة سورية الشّرع.
ملاحظة مُهمّة لا أستخدم كلمة الدّروز في مقالاتي ومقابلاتي وهي كلمة غير مستحبّة لديّ كما أغلب الموحدين، وهناك فئة كبيرة من مثقفين وباحثي وشيوخ الطائفة يسعون ويعملون جاهدين إلى إلغائها.. يستعاض عنها بإستخدام كلمات مثل: المُسلمين الموحّيدن – بني معروف – العشيرة المعروفيّة - المعروفيين – المُوحّدين.