موفق البياتي شارح المتون ومنقّيها: القانون العراقي يلزم القاضي بالتقاعد في سن 63 ومشوار التأليف خارج الأعمار
الخبرة القضائية ليست مجرد قوانين ونصوص
أحمد الأمين
يصعب الحوار مع القضاة، إلا بعد تقاعدهم ليبدأوا رحلة عطاء اخرى تتمثل بالتأليف الذي يتلخص بنقل خبرات متراكمة الى الاجيال اللاحقة. وبرغم ان القاضي موفق البياتي الذي يوصف بانه شارح المتون ومنقيها، مازال في روح الشباب إلا القانون ألزمه بالتقاعد في سن 63 عاماً. وهي خدمة اسداها له، ليشرع بالتأليف وينتج سبعة من أهم مصادر القانون في طوره النظري.
وأنا احاور البياتي متقد الذكاء وراجح العقل، استوقفني تساؤل، ربما تشترك في فحواه، فئات وشرائح أخرى، كالاطباء والصحفيين والاكاديميين: هل يتقاعد النضج العقلي والكفاءة المهنية؟
الحوار التالي معه قد يجيب عن هذا السؤال:
من أين يبدأ القاضي مسيرته من الشهادة الدراسية ام الرؤية ام الرحمة ام العدل المطلق؟
- فلنبدأ من الشطر الاخير في السؤال ونقول، لا يوجد عدل مطلق على الارض، ربما يكون ممكن في السماء، فالعدل المطلق فكرة مثالية وهونسبي ومتغير، لان الــــــعدالة ليست مجرد قانون يطبق، بل مــــــوازنة بين القانون والـــظروف والقيم الاخلاقية في زمان ومكان معينين.
والعدل لا يكون مطــــــــــــلقاً لان العدالة مرتبطة بالمــــــــــعرفة البشرية، ولا يمكن لاي قاضي او قانون ان يحيط بكل الحقائق المحيطة به او بالقضية المعروضة عليه بشكل مطلق، والعدالة ليست مطلقة ايضاً، لانها تتأثر بالزمن والثقافة فما كان عادلاً في حقبة من حقب الزمن، قد يكون ظالماً اليوم، والعكس صحيح، وتفسير ذلك ان القانون انما هو صنيعة البشر، وهو يوضع وفقاً لرؤى بشرية، وهذه الرؤى قد لا تعكس العدل الحقيقي.
شهادة علمية
وبالعودة الى سؤالك نقول، ان مسيرة القاضي لا تبدأ من الشهادة الدراسية ولا تنتهي بعدها، فالشهادة العلمية تمنحه المعرفة الاولية، وهي ليست سوى مفتاح لمسيرته، اما العدل فهو الطريق الذي يجب ان يسير فيه.
والقاضي لا يصبح قاضياً بشهادته وحدها، اذ لايكفي ان يمتلك القاضي العلم، بل يحتاج الى الرؤية التي تمكنه من استيعاب جوهر القضايا، هذا فضلاً عن امتلاكه، الرحمة التي تجعله قادراً على فهم ضعف الانسان وظروفه، ويحتاج اخيرا الى العدل الذي هو ميزان كل حكم يصدره.
فالقاضي الحقيقي وان كان ملزماً بتطبيق القانون وليس قواعد العدالة، ذلك انه جزء من النظام القانوني الذي يلزمه بتطبيق القانون كما هو مكتوب، وهذه القاعدة لا تعفيه من ان يفسر القانون بطريقة تتوافق مع قواعد العدالة والمساواة، وهو لا يعرف الا بعدد المرات التي وقف فيها امام نزاع معقد، وتأمل كل ابعاده، ووازن بين القانون والانصاف، وحكم بما يمليه عليه ضميره قبل قانونه، اذ ان القانون قد يخطأ، اما الضمير فلا.
وننتهي مما تقدم، ان القاضي لا يبدأ من العدل، لانه لا يستطيع الوصول اليه الا بعد نيله الشهادة، وهو لا يبصر الا بالرؤية ويضفي على حكمه الرحمة، فالعدل وحده قد يكون قاسياً، والشهادة الدراسية وحدها لا تصنع قاضياً، اما الرؤية وحدها، فهي الاخرى قد تكون خادعة، وكذا الامر بالرحمة التي من الممكن ان تكون غير منصفة، لكن اجتماع هذه العناصر في عقل القاضي وضميره، فانه يقترب من تحقيق العدل، العدل الحقيقي، العدل الذي لا يرهبه سلطان، ولا تؤثر فيه اهواء.
هل يحق للقاضي ان يتراجع عن حكم اصدره في قضية حاسمة يعنى بها الرأي العام؟
- ابتداءً فان القانون لا يميز بين القضايا بناءً على اهتمام الرأي العام، او عدم اهتمامه، بل يعامل جميع القضايا وفقاً للاصول القانونية، وان كانت مثل هذه القضايا تخضع احياناً لضغط سياسي او مجتمعي.
والقاعدة التي تحكم هذا الموضوع، هي عدم جواز رجوع القاضي عن حكم اصداره في اية قضية، لان يده ترتفع في الدعوة بمجرد صدور الحكم والنطق به، وحكمه هذا يكون خاضعاً للطعن به امام جهات الطعن القانونية.
والاستثناءات التي ترد على هذه القاعدة كثيرة، فقد اجاز قانون المرافعات العراقي رقم 83 لسنة 1969 وبموجب المادة (177) فيه الاعتراض على الاحكام الغيابية التي تصدرها المحكمة، حيث يسوغ القانون المــــــــــذكور وبموجب المادة (179) منه للمحكمة التي اصدرت الحكم ان تؤيده او تبطله او تعدله.
كما اجاز قانون المرافعات المذكور وفي حالات محددة نصت عليها المادة (196) منه على طلب اعادة المحاكمة، حيث يسوغ هذا القانون للمحكمة التي اصدرت الحكم ان تقرر بنتيجة المرافعة. اما رد طلب الاعادة او تعديل الحكم الذي اصدرته، واصدار حكم جديد، اي هو ثابت في المادتين (201،200) في القانون المذكور.
يضاف الى ما تقدم، فان قانون المرافعات المذكور، كان قد اجاز للمحكمة التي اصدرت الحكم ان تقرر ابطال الحكم الذي اصدرته، اذ كان هذا الحكم لا يتناول الا حقوق المعترض اعتراض الغير، وان تصدر حكماً جديداً في الدعوة، كما هو مقرر في المادة (229) من القانون المذكور.
كما والزم القانون المحكمة بان تتبع قرار النقض اذا ما طعن بالحكم امام محكمة اعلى، بان تعدل عن الحكم الذي اصدرته، واصدار حكم طبقاً لما رسمه القرار الصادر في المحكمة الاعلى.
هذا في دائرة الاحكام المدنية، اما في دائرة الاحكام الجزائية، فان الاحكام الجزائية الصادرة بالادانة والبراءة وقرارات الافراج التي هي في حكم البراءة تكون هي الاخرى حجة لا يجوز قبول دليل ينقضها، ولم تجز المادة (225) من قانون اصول المحاكمات الجزائية صراحة ان ترجع المحكمة على الحكم او القرار الذي اصدرته او تغير او تبدل فيه الا لتصحيح خطأ مادي، كما هو الحال في الخطأ في كتابة الاسم او اللقب او تاريخ التوقيف وهذه هي القاعدة.
اما الاستثناء فهو ما قرره قانون اصول المحاكمات الجزائية في جواز في اصدارحكم جديد بنتيجة الاعتراض على الحكم الغيابي، حيث اجازت المادة (245) من القانون المذكور ان تقتضي بتأييد الحكم الغيابي الذي اصدرته او ان تقرر تعديله او الغائه واصدار حكم جديد.
ويجوز للمحكمة اذا هي اصدرت حكمها ان تقرر فيما بعد الغاء حكمها الذي اصدرته، واصدار حكم جديد، اذ ما توفر سبب من اسباب اعادته المحاكمة المنصوص عليها في المادة (270) من القانون المذكور.
جهة الطعن
كما اجاز القانون لمحكمة التمييز، او اي جهة طعن اخرى، ان تعدل عن اتجاه لها وتتبنى اتجاهاً اخر.
متى اصدرت حكماً قضائياً وندمت؟
- لم اندم على اي حكم اصدرته، وعدم الندم على الاحكام التي يصدرها القاضي يعتبر مؤشرا على التزامه بالمــبادئ الاساسية للعدالة، مثل التأني والصبر والدقة. فالندم غالباً ما يكون نتيجة للعجالة في اتخاذ القرار او انه يأتي نتيجة لعدم الحياد والاستقلال في اتخاذه او التأثر بأحد اطراف الدعوى وهكذا.
متى يتقاعد القاضي؟ ومتى يبدأ مشوار التأليف؟
- في العراق يحال القاضي الى التقاعد عند بلوغه سن 63 عاماً. ومع ذلك يمكن تحديد خدمته بناء على طلبه وموافقة مجلس القضاء الاعلى حتى سن 66 عاماً، وبالنسبة لقضاة محكمة التمييز الاتحادية، يمكن تمديد خدمتهم حتى سن 68 عاماً.
اما بالنسبة لبدء مشوار التأليف، فانه لا يوجد عمر محدد لذلك حيث يعتمد الامر على رغبة القاضي وتوافر الوقت والخبرة اللازمة للكتابة، البعض يبدأ التأليف خلال مدة خدمته، بينما يفضل آخرون البدء بالكتابة بعد احالتهم على التقاعد. عندما يكون هناك وقت اكبر للتفرغ للكتابة ومشاركة خبراتهم ومعرفتهم القانونية مع المجتمع.
هل ترجمت خبرتك القضائية في كتاب؟
- الخبرة القضائية ليست مجرد قوانين ونصوص، بل هي رحلة ممتدة من القضايا والتجارب التي تصقل الفهم العميق للعدالة والانسانية. حتى الان لم اترجم هذه التجربة في كتاب، وان كنت قد ترجمت هذه الخبرة من خلال المحاضرات التي القيتها في المعهد القضائي او معهد التطوير القضائي او نقابة المحامين ولسنين طويلة، كما اني ترجمت هذه الخبرة من خلال مؤلفاتي القانونية في القانون المدني والجزائي، وهذا يعني ان نقل المعرفة القاونية، امر ضروري، سواء كان ذلك من خلال المحاضرات او الندوات او المؤتمرات القانونية او غير ذلك.
لعلك اصدرت عدداً من المؤلفات المهمة، ماذا تنوي اصداره قريباً؟
- القضاء ليس مجرد ممارسة يومية للقانون، بل هي تجربة فكرية تستحق التوثيق، لذلك سعيت جاهداً، الى نقل هذه التجربة من خلال عدد من المؤلفات القانونية التي اهمها:
1-شرح المتون – الموجز المبسط في شرح القانون المدني، القسم الاول، مصادر الالتزام.
2-شرح المتون – الموجز المبسط في شرح القانون المدني، القسم الثاني، آثار الالتزام.
3-الموجز المبسط في شرح قانون اصول المحاكمات الجزائية.
4-التنازع الموضوعي لقواعد ايجار العقار.
5-ضوابط التميز بين العمل التجاري والعمل المدني.
6-الحقوق العينية الاصلية (تحت الطبع)
7-المنقى من المتون (القانون المدني رقم 40 لسنة 1951)
هل تحن الى وظيفتك بعد أن الاحالة على التقاعد؟
- الحنين الى الوظيفة بعد الاحالة على التقاعد شعور شائع بين الكثير من المتقاعدين، فبعد سنوات من العمل والتفاعل اليومي مع الزملاء قد يشعر البعض بفراغ، هذا فضلاً عن الوظيـفة بالنسبة لي كانت تمثل امتحاناً للشجاعة والعدالة والاجتهاد والصبر.
- تخرج من كلية القانون والسياسة/ قسم القانون/ الجامعة المستنصرية عام 1975-1976
- تخرج من المعهد القضائي بدرجة دبلوم عال في العلوم القضائية العام 1987-1988.
- تخرج من الدراسات العليا القانونية المتخصصة/ القسم المدني/ العام 1998-1999.
- رئيس احتياط وعضو اللجنة العلمية المختصة بمناقشة وتقييم بحوث القضاة وأعضاء - الادعاء العام للأعوام 2004-2006.
- محاضر لمادة القانون المدني/ التطبيقي في المعهد القضائي للأعوام 2010-2014.
- محاضر لمادتي التحقيق الجنائي وأصول المحاكمات الجزائية في المعهد القضائي للأعوام 2009-2010.
- عضو لجنة مناقشة بحوث التخرج لطلبة المعهد القضائي.
- محاضر لمادتي قانون المرافعات وأصول المحاكمات الجزائية في نقابة المحامين العراقيين/ - دورات توسيع الصلاحية للأعوام 2009-2010.
- شهادة تقديرية من مجلس القضاء الاعلى/ معهد التدريب القضائي.
- شهادة تقديرية من المؤسسة العالمية للتدريب القضائي والقانون/ جامعة القاهرة.
- شهادة تقديرية من هيئة الرقابة الإدارية في جمهورية مصر العربية.
- أهم الكتب والبحوث
- شرح المتون/ الموجز البسيط في شرح القانون المدني العراقي/ القسم الأول/ مصادر الالتزام.
- ضوابط التمييز بين العمل التجاري والعمل المدني.
- التنازع الموضوعي لقواعد إيجار العقار.
- الاثار القانونية المترتبة على إخلال المستأجر بالتزاماته.