الفاسد في عقله لا يدرك معنى حرية الرأي
ثامر مراد
الحرية، في جوهرها، ليست مجرد شعار يُرفع أو كلمات تُردَّد، بل هي وعي وسلوك ومسؤولية. وحرية الرأي، كإحدى أعمدة هذه الحرية، تعني أن يكون الإنسان قادرًا على التعبير عن أفكاره دون خوف، وأن يتقبل في المقابل آراء الآخرين، ولو كانت مخالفة لمعتقداته. غير أن الفاسد في عقله لا يدرك هذا المعنى، لأن تفكيره مغلق، ووعيه محدود، ومصلحته هي ميزان الحق والباطل لديه. الشخص الفاسد ذهنيًا لا يرى في حرية الرأي سوى تهديد لمصالحه. فهو يعتبر أي صوت مخالف عدوًا، وأي فكرة جديدة خطرًا يجب إسكاته. لذلك، يلجأ إلى وسائل القمع والتشويه والتضليل، محاولًا إخماد أي رأي لا يتماشى مع رغباته. إن افتقاده للمنطق السليم يجعله عاجزًا عن النقاش الموضوعي، فيتحول الحوار لديه إلى ساحة للاتهامات والإقصاء. المفارقة الكبرى أن هذا النوع من الأشخاص يدّعي الإيمان بحرية الرأي عندما تكون في صالحه، لكنه سرعان ما ينقلب عليها حين تمس مصالحه. فهو قد يرفع شعارات الديمقراطية، لكنه في الواقع لا يتقبل سوى رأيه، بل يسعى إلى فرضه بالقوة. وهذا السلوك لا ينبع من قناعة حقيقية، بل من عقلية فاسدة لا تؤمن بقيم الحق والعدالة.
إن المجتمعات التي ينتشر فيها هذا النمط من التفكير تجد نفسها في حالة ركود ثقافي وسياسي، حيث تُحاصر العقول، ويُمنع الإبداع، ويصبح الولاء للأشخاص لا للأفكار. في المقابل، فإن المجتمعات المتقدمة هي التي تعطي الكلمة الحرة قيمتها، وتدرك أن الاختلاف في الرأي ليس تهديدًا، بل هو عنصر قوة يدفع نحو التطور والنضج. لمواجهة هذا الخلل، لا بد من نشر الوعي بثقافة الحوار وتقبل الآخر. فحرية الرأي ليست مجرد حق، بل هي مسؤولية تتطلب نضجًا فكريًا وأخلاقيًا. ولا يمكن أن تتحقق هذه الحرية في بيئة يغيب فيها الوعي ويهيمن عليها الفاسدون فكريًا. ختامًا، الفاسد في عقله لن يدرك معنى حرية الرأي، لأنه لا يرى إلا مصلحته، ولا يسمع إلا صوته، ولا يفهم إلا منطق القوة والإقصاء. وحدهم الأحرار في عقولهم يدركون أن الاختلاف رحمة، وأن الكلمة الحرة هي أساس النهضة والتقدم.