الطبول ذاكرة الشجن والغضب وصهيل الخيول والأمواج المتكسّرة
عادل سعد
في قرع الطبول، تستطيع ان تسمع الشجن والغضب والترف وصهيل خيول ، وفطنة عصافير، وامواج تتكسر وهدير عواصف ، وفي قرع الطبول رسائل صوتية لإنذار مبكر ، وسماحة تنبئ بالمزيد من الود ، وفي قرعها ايضاً تستطيع ان تسمع زئير اسود ،وعواء ذئاب ، واهات احزان وانفتاحات ابواب ، ونداءات استغاثة ودفء لقاءات ، وازاء شمولية هذه الدالات الايقاعية تصدى الاستاذ محمد خليل ابراهيم للموضوع بالمزيد من الاختصاص والخبرة ايضا ضمن كتاب تضمن معلومات وتحليلات غزيرة عن هذه الالة الموسيقية المظلومة مشيراً الى الجهل الذي مازال يغطي قيمتها الفنية المتنوعه . المؤلف محمد خليل بكالوريوس موسيقى من كلية الفنون الجميلة ، جامعة بغداد ، يعمل الان مدرساً لمادة الضروب والاوزان في معهد الدراسات الموسيقية .
يرى خليل الإيقاع عنصراً اساسياً من عناصر تكوين الفن الموسيقي وهذا العنصر هو ما تستند عليه العناصر الموسيقيةالاخرى .لقد تطور هذا الفن عبر العصور الزمانية والمكانية إذ على صوتيته يرتكز البناء اللحني ضمن علاماته الكاملة والنصفية والربعية ، وبتوصيف مضاف هو العنصر الموسيقي الحيوي المؤثر في نسيج الغناء وبحور الشعر والإيقاعات اللفظية الاخرى .ويرى المؤلف إن الموازين الموسيقية هي الأساس في الموسيقى بصورة عامة، لهذا نجد الأصفهاني في كتابه الأغاني، يقدم الإيقاع على النغم ، ومن أشهر الموسيقيين في الأندلس زرياب تلميذ إسحاق الموصلي قسمَّ التعليم الموسيقي الى ثلاث أقسام ،الأول لتعليم الإيقاع في قراءة الشعر وان ينقر التلميذ الدف ليظهر له زمن الإيقاع ، ثم القسم الثاني الالحان ، والقسم الثالث ترجيع الصوت وتحلية الغناء وإظهار العواطف.ولكي يدعم الاستاذ محمد خليل ابراهيم رؤيته التحليلية يشير الى تعريف الخوارزمي (( الإيقاع هو نقلة على النغم في ازمنة محدودة المقادير والنسب))وهذا التعريف ينسجم مع تعريف الفارابي ((الإيقاع او الوزن هو عبارة عن سلسلة من أزمنة يوضحها النقر على آلة مجوفة كالطبل أو الدف)). اما تعريف الإيقاع عند صفي الدين الارومي (الإيقاع مجموعة من النقرات تتخللها ازمنه محدودة المقادير وبأدوار متساوية)) ويقصد بالأدوار المتساوية اهمية كل ضربة في تكرار النموذج الإيقاعي لأكثر من مرة ومجموعة النقرات تتخللها ازمنه محدودة المقادير
ويعود اشتقاق كلمة الإيقاع RHWTHM في اللغات الأوربية الى RHUTHMOS اليونانية وهو بدوره مشتق من الفعل RHEEIN بمعنى ينساب او يتدفق، وفي اللغة العربية يرجح أن لفظ الإيقاع مشتق من (التوقيع) وهو نوع من المشية السريعة ، وبشكل عام عبارة عن تنظيم معين لقيم زمنية متكررة وفق ترتيب محدد ويعرفه فاخروميف ،بأنه التتابع المنتظم لأنغام ذات قيمة زمنية متساوية أو المختلفة .
وبتحليل مضاف وفق اجتهاد محمد خليل ابراهيم الإيقاع جوهر اسلوب الكون وحركته المستمرة ، وإذا ما اردنا ان نسمي الإيقاع بمسميات اخرى فيمكن ان نقول انه نظام او انتظام ضمن عناصر مقبولة في حواسنا حيث ديمومة اي منظومة يكون في انتظام وتناسق حركة عناصرها كإيقاع تعاقب المواسم (فصول السنة). والطريف ،يعتقد المؤلف ،إن لكل مهنة لحناً ، أو إيقاع يقوم بدور تعبئة الهمم فيغذي المواظبة على العمل في ايقاعات معروفة يمكن الاستدلال عليها لدى الملاحين وعمال نقل الطابوق ومهن اخرى ،وبشإن اللغة العربية فان الايقاع يحكمها بوصفها اغنى لغة اشتقاقية بين لغات العالم تقوم . كما للايقاع ايضاً مسؤولية انتظام
الرقص الجماعي والفردي، إذ لا يمكن لأي راقص تأدية اي حركة دون الاستماع الى نموذج إيقاعي يرافق حركاته التعبيرية، والتي هي عبارة عن بارات تحدد حركات الراقص
ومن هذا الانتظام الذي يمثله الإيقاع الموسيقى إنه المصدر الذوقي والجمالي والوعاء الصوتي لكل الاصوات .
ويخلص الاستاذ محمد خليل ابراهيم الى ان أهمية الإيقاع بالموسيقي تتمثل بسبعة مؤشرات
1 إنه يضيف نمط على الموسيقى مما يجعلها متجانسة.
2. يعمل على ايقاظ الشعور بألازمنه الموسيقية ويعزز التركيز فيها.
3. يساعد الآلات الموسيقية والمغنين على تنسيق العزف والغناء بطريقة متناغمة .
4. يعزز حضورالانتباه و الارتياح والحماسة لدى المستمع .
5. انشاء الذاكرة الإيقاعية وبحفيز الحواس والمشاعر .
6. يخلق تأثير للحنين والاستنفار والتحسب
7. يساعد على التواصل بين الفرق الموسيقية المختلفة والترويج للتعاون والتعاطف .
ختاماً ، هناك قيمة دراسية أكاديمية تدريبية للكتاب ،كونه يضم تمارين لتعلم الايقاع والضرب على الطبول .