الانتفاضة الشعبانية وذاكرة الالم
حسين الزيادي
كثيرةً هي الاحداث والشخصيات التي اهملها التاريخ بقصد او بدون قصد فلم تأخذ حقها في التوثيق والدراسة والتقصي، والانتفاضة الشعبانية احدى هذه الاحداث التي كانت لها نتائج سياسية واجتماعية واقتصادية واسعة داخل العراق وخارجه استمرت حتى سقوط النظام عام 2003، فهي صفحة من صفحات البطولة العراقية أُريد لها ان تُطمس او تًشوه او تًلغى من الذاكرة العراقية ، ويخطئ من يتصور ان الانتفاضة كانت لأسباب تتعلق بالانسحاب من الكويت، او نتيجة الاحباط الذي منيّ به الجندي العراق، فالانتفاضة جاءت نتيجة لتراكمات عميقة وسنوات من القمع والظلم والاضطهاد، وكبت لسنوات من القهر والاستعباد والتسلط.
سميت هذه الانتفاضة بالشعبانية لتزامنها مع شهر شعبان الاغر، وامتدت من اقصى جنوب العراق الى شماله، وكانت عفوية في كل تفاصيلها وفصولها لم يتلقى المنتفضين أي دعم من أي جهة ماعدا التعاطف الاعلامي من بعض الدول، ولم يتمكن النظام من قمع الانتفاضة إلا بعد ان استعان بالطيران الحربي، وخلال ايام الانتفاضة وبعد انتهائها كان هناك تعتيم اعلامي واضح لكل فصولها واحداثها ولم تأخذ الانتفاضة الشعبانية حقها في الاعلام، بعد أن قمعها النظام عام 1991، إذ منع الحديث عنها حتى سقوطه في عام 2003، وحاول بكل امكانياته الاعلامية طمس حقيقتها وتشويه فصولها فوصفها بصفحة الغدر والخيانة، وهي في حقيقتها صفحة الوفاء والوطنية.
الاسباب التي أدت الى اندلاع الانتفاضة الشعبانية
يمكن تلخيص اسباب الانتفاضة الشعبانية بالاتي :-
1- السياسة القمعية التي تعرض لها الشعب العراقي وخصوصا المحافظات الجنوبية.
2- توريط البلد في حروب كان فيها الطرف الخاسر الاكبر، ومنها الغزو العراقي للكويت وما لحقها من حرب الخليج الثانية.
3- الوضع الاقتصادي السيء وتفشي الفقر بين صفوف الشعب بسبب سوء الادارة.
4- حالة الانكسار والاذلال التي لحقت بالجيش العراقي.
ان تلك الاوضاع وغيرها كثير ادت الى سخط وانتقادات واضحة للحكومة العراقية بين صفوف الشعب فضلا عن الانكسار الكبير في الجيش العراقي ، والذي ادى الى فقدان الضبط العسكري في بع اصنافه القوات ، كذلك الخسائر الكبيرة التي تعرض لها العراق المادية والبشرية جميعها ادت الى انتفاضة الشعب العراقي في 0 اذار 1991 عن رفضه لتلك تعبيرا الحكومة
الشرارة الاولى
اما الشرارة الاولى لانطلاق الانتفاضة الشعبانية التي اصبحت نقطة تحول في السياسة العراقية فقد كانت في الوقت الذي اصبح وقف اطلاق النار ساري المفعول في 28شباط 1991 حيث صادف ان رتلاً من الدبابات منسحباً من الكويت كان ماراً بساحة سعد في البصرة وهي فضاء واسع مفتوح ومستطيل الشكل، أدار قائد الرتل دبابته لمواجهة جدارية عملاقة لهرم السلطة منتصبة بجوار مركز لقيادة الحزب وسط الساحة، وعلى اثر ذلك احتشد الناس واصبح الجو مشحوناً الى حد بعيد ، ثم قفز امر الرتل ثانية من على دبابته وادار مدفعها صوب الصورة فنسف وجه الجدارية بعدة قذائف وهكذا تلاشت السلطة في العراق خلال ساعات .
لم تدم سيطرة المتظاهرين على المحافظات طويلا سرعان ما قامت الحكومة العراقية باستعادة زمام الامور ، وامرت قوات الحرس الجمهوري في التاسع من اذار بالتوجه نحو المدن العراقية للسيطرة عليها ، مع منحها كافة الصلاحيات ، وفي المقابل افتقرت الانتفاضة الى التنظيم والتخطيط كذلك افتقارها الى قيادة وطنية قوية لإدارتها والتخطيط لعملياتها ، في ظل انعدام الامكانات المادية ، في المقابل كان الحرس الجمهوري يتمتع بكافة الامكانيات العسكرية والمادية، ولم تسطيع المقاومة الشعبية الصمود وتكبدت خسائر كبيرة ، فضلا عن التهديد المستمر في استخدام الاسلحة الكيميائية .
الصلاحيات كاملة
كانت الاوامر التي اعطيت للجيش العراقي وقوات الحرس الجمهوري تتضمن :
1- فتح النار على أي تجمع او تظاهرة معادية
2- تدمير اي دار تطلق منها رصاصة واحدة ثم تهدم الدار بعد ان تعالج بقذائف الدبابات والهاونات.
-3 تدمير القرى التي ينطلق منها ناي شاط معادي.
-4 تنفيذ الاوامر من الجميع دون الرجوع للمستويات او المرجعيات العليا، بمعنى اخر ان الجميع يمتلك كافة الصلاحيات.
نهاية الانتفاضة
انتهت الانتفاضة في جانبها العسكري بعد ان استبيحت المدن العراقية لأكثر من اسبوعين، فتم قصف وتدمير المدن السكنية ، لكنها اظهرت جملة من النتائج والمعطيات ابرزها انها كسرت حاجز الخوف واظهرت حالة التذمر والرفض الشعبي للواقع السياسي بكل اتجاهاته، فخرجت الجماهير لأول مرة منذ عام 1968 تنادي بسقوط الاستبداد ، ومن جهة اخرى كشفت الانتفاضة أكاذيب النظام وطمسه للحقائق وتظليل الشعب بشعارات فارغة جوفاء ، فقد حول النظام هزيمته النكراء الى انتصار وحول الانتفاضة الشعبانية ذات الصبغة الشعبية العفوية الى صفحة غدر وخيانة وحول المنتفضين الى غوغاء، وسط اعتقال واعدام الالاف من المواطنين المدنيين وتهجير الاف من العراقيين .