غزة من الحاخام إلى العم سام
خليل ابراهيم العبيدي
لم يمض قرن إلا وعادت الصهيونية لتؤدي دورا جديدا في تهويد الأراضي العربية ، فمنذ اتفاقية (سايكس ــ بيكو ) لم تهدأ هذه الحركة في نواياها وافعالها المتجهة نحو تجريد الأراضي الفلسطينية من شعبها ، والمراجع لثوابت الحركة الصهيونية يجدها مدونة في إجراءات تيودور هرتزل ( زعيم ومنشئ الحركة الصهيونية ومن بين تلك الإجراءات ) انتقاء الأرض كما ورد في الإجراء الخامس ، واليوم يكمل ترامب ما ذهب إليه هرتزل بالتركيز على قطاع غزة ، كون القطاع مشرف تماما على البحر ، وأنه يمكن أن يكون مكمنا عسكريا ، اضافة الى كونه مركزا سياحيا مكتمل الأركان .
حاخامات اليهود واطماعهم في غزة . أن اليمين التلمودي اليهودي ، يرى أن كل الأراضي الفلسطينية ، هي أرض داود ، وأنهم يطالبون اليوم بإعادة المشروع الاستيطاني في غزة وتهجير أهلها كما فعلت عصابات الهاكانة في ثلاثينات القرن الماضي ، واليوم يجد ترامب ضالته في تلك الدعوى المبطنة بالأعمار ويعمل يدا بيد مع الصهيونية العالمية على التهجير ، وسوف لن تسمح الحركة بعودة المهجرين ، وسيصبح القطاع أرضا إسرائيلية بموجب القانون الدولي من حيث فقدان الإقليم لهويته وفقا لما يلي .
.اولا ....الترك أو التخلي عن الاقليم بقصد الانسحاب منه والتنازل عن السيادة الفلسطينية عليه .
ثانيا....التقادم المسقط ، إذا وضعت دولة يدها على إقليم دولة أخرى واستمر ذلك لفترة طويلة يسقط من الدولة التي كان لها الإقليم الحــق فيه .
اليهود والأرض الفلسطينية
أن ادعاء اليهود بأن صلتهم هي الأولى بالنبي ابراهيم الخليل ، هو ادعاء باطل لا يستند إلى الحقيقة والواقع والتاريخ ، وهذا ما يؤكده الكثير من الباحثين ، يقول الدكتور أحمد سوسة بهذا الصدد ، يبدو لاول وهلة عندما نستقرئ في مدونات التطورات أن الهدف الأول الذي كان يهدف إليه الحاخاميون هو تمجيد الزمر اليهودية وجعلها صفوة الأقوام البشرية والجماعة المختارة التي اصطفاها الرب من دون بقية الشعوب ، ولتحقيق هذا الهدف لابد من ارجاع هذه الجماعة اليهودية ( لا الإسرائيلية .) إلى أقدس شخصية في التاريخ القديم ابراهيم الخليل الذي كان صيته قد عم جميع أرجاء تلك الأزمان . أما الهدف الثاني يستطرد أحمد سوسة فهو تثبيت عقيدة الأرض الموعودة على لسان ابراهيم ويعقوب وموسى ، وهم بريئون ، وقد حالفهم النجاح في سرد هذا التاريخ حسب أهوائهم ونزعاتهم بلباقة ومهارة ، ( انظر محمد وجدي الدباغ . الأيديولوجية الصهيونية وإسرائيل .ص 86 ، 87) أن الإسرائيليين بعد تدمير مملكتهم من قبل الآشوريين عام 722 ق.م ، ومن قبل البابليين عام 597 ق.م . 586 ق.م .
وسوقهم أسرى إلى العراق بعد تدمير مملكتهم في اورشليم ، انقرضوا كما انقرضت أقوام سبقتهم كالحثيين والفنيقبين وامتزجت هذه الأقوام بالشعوب الأخرى ، ولكن الديانة الموسوية هي التي بقت ، ودخلت في هذه الديانة سلالات من شعوب الرومان في القرن الأول الميلادي ، وسلالات نترية وروسية والمانية في القرن الخامس عشر والثامن عشر . وان قادة الكيان الصهيوني جميعهم من تلك السلالات ، وعلى رأسهم مؤسس الحركة الصهيونية تيودور هرتزل ، وهو نمساوي الأصل ، جرماني النزعة ، فلا صلة لهم بالنبي ابراهيم الخليل . أن الإبراهيمية التي يروج لها ترامب والمجمع الماسوني ، هي واحدة من بدع الصهيونية العالمية التي تريد التأكيد على أن لإسرائيل الحق في التوسع على حساب العرب في أراض لا تعود إلا لأهلها ، وقد قالها ترامب أن ارض إسرائيل باتت ضييقة ، وما فكرة الرئيس الأمريكي اليوم الا فكرة تقوم على إفراغ غزة من اهلها واعادة المستوطنات إليها تمهيدا بإعلانها جزءا من إسرائيل كما أعلن بوقاحة من قبل أن الجولان السورية أرضا إسرائيلية ، وصدر قانون الكنيست بتهويدها أمام سكوت دولي مطبق . وله سابقة بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس اعترافا منه بيهودية القدس الشرقية ، وهو اعتراف غير قانوني لأن الشرعية الدولية وفقا للقرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة لعام 1947 ، الذي جعل القدس الشرقية جزءا من دولة فلسطين الممنوعة إسرائيليا من الظهور ، كما وأنه قرارا غير شرعي لانه صدر من دولة أجنبية .
الأمم المتحدة والموقف من تهويد غزة
قال الأمين العام للأمم المتحدة وبصوت عال ولأكثر من مرة ، أن تهجير اهل غزة من أرضهم ، هو تطهير عرقي ، وقد تتابعت الادانات لهذا التوجه من كل المنظمات الدولية وفي المقدمة الاتحاد الأوربي وروسيا والصين ، ولم يسبق أن واجه ترامب العالم في قضية مثل مواجهته في إجلاء شعب غزة ، وان دور العم سام في خدمة الحاخام لم يكن يحسب أن القضية الفلسطينية باتت أكثر لمعانا من قبل ، بعد دعواه إلا انسانية والتي تنم عن فوز انتخابي صهيوني بلا منازع .
الموقف العربي المطلوب
أن موقف مصر والأردن ، يراد له كل التأييد ، ذلك أنهما الدولتان المعنيتان وفق المخطط الصهيوني ، وان موقف العرب والمسلمين ، يجب أن يكون محددا بعبارات ونوايا وأفعال تكون بمستوى ما يراد لأهل غزة ، كما اريد لاهل فلسطين من قبل ، وان يصار إلى تسليط الضوء يوميا على تحركات الرئيس الأمريكي ، أو تحركات نتنياهو ، بحيث لا يستغل الاخير الفرصة للامعان بقتل الفلسطينيين في الضفة الغربية ، والتي بدأ الاستيطان اليهودي الرسمي فيها منذ عقد ، أن نوايا الأحزاب الدينية الإسرائيلية باتت ناضجة وهي ممعنة في التنفيذ ، وان الحاخام الذي يقود الحكومة في تل ابيب ، يقابله اليوم العم سام في واشنطن ، والهدف اليوم غزة ، وغدا أراض عربية أخرى ، وهذا ما ستثبته الأيام ، والحليم تكفيه إشارة الإبهام ، وليس من موقف أوضح اليوم من موقف العم سام.