الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب


الشاعرة حسينة بنيان.. تنوع في الاداء والأسلوب

محمد علي محيي الدين

 

   حسينة عباس بنيان، شاعرة ومهندسة عراقية، وُلدت في بغداد عام 1956 وانتقلت مع عائلتها إلى مدينة الحلة في عام 1960 بسبب عمل والدها العسكري. نشأت في بيئة أدبية، حيث كان أفراد عائلتها مهتمين بالأدب والشعر، مما أسهم في تنمية موهبتها الأدبية منذ الصغر. بدأت بكتابة الخواطر في سن مبكرة، ونُشرت بعض كتاباتها في مجلة "المتفرّج" البغدادية. وفي المرحلة المتوسطة، بدأت بكتابة الشعر وشاركت في المهرجانات الأدبية المدرسية، حيث لفتت الأنظار بموهبتها الواعدة. أكملت دراستها الجامعية في كلية الهندسة بجامعة بغداد وتخرجت عام 1979، لتعمل بعدها في وزارة الإسكان والتعمير.

  تأثرت بنيان بالظروف السياسية والاجتماعية في العراق، وانعكس ذلك في توجهاتها الشعرية. تناولت في قصائدها قضايا الوطن والإنسان، معبرة عن هموم المجتمع وتطلعاته. تميز شعرها بالجمع بين الذاتي والموضوعي، حيث استخدمت تجاربها الشخصية للتعبير عن قضايا أعمق تتعلق بالإنسانية والعدالة. بعد استشهاد ابنها عام 2002، طغى الحزن على قصائدها، وبرزت موضوعات الرثاء والفقدان في أعمالها.     

أصدرت بنيان(8) مجاميع شعرية، ومجموعة قصص، وكتبت عدد من القصائد الشعبية.

   تُظهر هذه الأعمال تنوعًا في الأسلوب والمضمون، حيث كتبت القصيدة العمودية وقصيدة التفعيلة وقصيدة النثر، مما يعكس مرونتها الإبداعية.

  فيما يتعلق بمكانة شعرها ضمن الشعر النسوي، تُعد حسينة بنيان من الشاعرات اللواتي قدمن إسهامات بارزة في الأدب النسوي العراقي. تناولت في قصائدها قضايا المرأة ومشكلاتها، معبرة عن تجاربها الشخصية وتجارب النساء في مجتمعها. رغم ذلك، يرى بعض النقاد أن شعرها يتجاوز التصنيفات الجندرية، حيث يعبر عن قضايا إنسانية عامة، مما يجعلها صوتًا أدبيًا يعبر عن هموم الإنسان بغض النظر عن جنسه.

   بالإضافة إلى نشاطها الأدبي، شاركت بنيان في تأسيس تجمع "نازكات الأدب" في بابل، وهو تجمع يهدف إلى دعم الأديبات وتسليط الضوء على نتاجاتهن الأدبية. يأتي هذا التجمع تماشيًا مع الاحتفال بمئوية الشاعرة نازك الملائكة، ويهدف إلى تعزيز دور المرأة في المشهد الأدبي العراقي.

  تُعد حسينة بنيان مثالًا للشاعرة التي استطاعت أن تعبر عن قضايا مجتمعها من خلال تجربة شخصية غنية، مما جعل شعرها يجمع بين الذاتي والموضوعي، ويعكس هموم الإنسان وتطلعاته نحو مستقبل أفضل. وتتميز تجربة الشعرية بعدة خصائص فنية تجعلها متميزة ضمن المشهد الشعري العراقي والعربي. يمكن تلخيص أهم هذه الخصائص فيما يلي:

1-التنوع في الشكل الشعري: كتبت القصيدة العمودية، مما يعكس تأثرها بالتراث الشعري العربي الكلاسيكي. و برعت في قصيدة التفعيلة، حيث استفادت من إمكانيات الإيقاع الموسيقي الداخلي وتحررت جزئيًا من قيود القافية التقليدية، ولقد استخدمت قصيدة النثر في بعض أعمالها، حيث منحتها هذه الصيغة حرية أكبر في التعبير، معتمدة على الصورة الشعرية المكثفة والتدفق الشعوري العفوي.

2- الموضوعية والذاتية في آنٍ واحد: فقد تمتزج في شعرها التجربة الشخصية بالهموم العامة، حيث تناولت قضايا الوطن والمجتمع من خلال تجاربها الحياتية الخاصة. وبعد استشهاد ابنها، ظهرت في شعرها نبرة وجدانية عميقة تمزج بين الحزن الشخصي والأسى الجمعي.

3-التوظيف الرمزي والأسطوري: واعتمدت الرموز والأساطير في كثير من قصائدها، وخاصة الرموز البابلية والسومرية التي تعكس عمق ارتباطها بالهوية العراقية، كما استخدمت رموزًا مثل (إنانا) و(تموز) للدلالة على الصراع بين الحياة والموت، الفرح والفقدان.

4-التصوير الفني واللغة المكثفة: وتمتاز لغتها بالقوة والاقتصاد في التعبير، إذ تعتمد على التكثيف اللغوي بعيدًا عن الحشو الزائد، ووظفت الصور الشعرية المدهشة التي تمزج بين الواقع والحلم، فتخلق عوالم شعرية ذات طابع خاص.

5-الإيقاع الموسيقي الداخلي:  ونجدها في قصائدها النثرية، تحافظ على إيقاع داخلي نابع من التكرار، التوازي، والتركيب الصوتي للكلمات، واستعملت الجناس والسجع أحيانًا لتقوية الأثر الموسيقي للنص.

6-القضايا النسوية والبعد الإنساني: ورغم عدم تصنيف نفسها كشاعرة نسوية بحتة، إلا أن شعرها تناول قضايا المرأة ومشكلاتها في المجتمع العراقي، فلم يكن شعرها محصورًا في الإطار النسوي، بل تناول قضايا الوطن، الحرية، والإنسانية بعمق وجداني مؤثر.

7-الحس الدرامي في القصيدة: واتسمت بعض قصائدها ببناء درامي واضح، حيث تتحرك الأفكار والصور تدريجيًا لتصل إلى ذروة انفعالية قوية، وتمكنت من توظيف الحوار الداخلي والمونولوج لإبراز مشاعرها وأفكارها في والقصائد.

  أخيراً يمكننا القول أن شعر حسينة بنيان يجمع بين الحداثة والأصالة، حيث تحافظ على روح الشعر العربي التقليدي مع توظيف تقنيات معاصرة مثل الرمز، التكثيف، والإيقاع الداخلي. وهو شعر يعكس هموم الإنسان بصدق، سواء كان في سياق التجربة الذاتية أو القضايا المجتمعية والإنسانية الكبرى.

                                                         

صورة الكاتب                                الشاعرة حسينة بنيان

المصادر

-محمد علي محيي الدين- اتحاد أدباء بابل، نشأته أعضاؤه- منشورات مؤسسة العطار-  قم-النجف-2024.

  - حسينة بنيان.. الشعر حين يكتوي بحرارة الحزن- أحمد الناجي_ الطريق الثقافي24-2-2021.

  - بعد شظايا العمر- لحسينة بنيان أنموذجاً.. لقاء الذاتي بالموضوعي.. رؤيا ورؤية -جبار الكواز -الطريق الثقافي-5-4-2023.


مشاهدات 64
الكاتب محمد علي محيي الدين
أضيف 2025/02/11 - 5:55 PM
آخر تحديث 2025/02/12 - 2:56 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 65 الشهر 6169 الكلي 10401540
الوقت الآن
الأربعاء 2025/2/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير