الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
يتهاوى الزمن كأوراق الخريف

بواسطة azzaman

يتهاوى الزمن كأوراق الخريف

ثامر مراد

 

الزمن، ذلك الكائن الغامض الذي لا نراه لكننا نحس بمروره، يمر كأنه ريح خفيفة تلامس وجوهنا دون أن نستطيع الإمساك بها. إنه كأوراق الخريف التي تتساقط ببطء، تحمل معها ذكريات الماضي وأحلام المستقبل، تاركةً وراءها فراغًا يشبه ذلك الذي يتركه غياب شخص عزيز. الزمن لا ينتظر أحدًا، ولا يرحم أحدًا، إنه يسير بلا توقف، كأنه نهر جارف لا يعرف الاستقرار.يتهاوى الزمن كأوراق الخريف، كل ورقة تسقط تحمل معها قصة، لحظة، ذكرى. بعضها يلمع بألوان الذهب والأحمر، كأنها تودعنا بجمال أخير قبل أن تختفي إلى الأبد. وبعضها يتساقط بصمت، كأنها تعرف أن دورها قد انتهى، وأن عليها أن تترك المكان لأوراق جديدة ستأتي مع الربيع القادم. هكذا هو الزمن، يتركنا نتأمل في ما فات، وفي ما سيأتي، دون أن نستطيع أن نغير شيئًا من مساره.في خريف العمر، نبدأ بملاحظة كيف أن الأيام تمر بسرعة أكبر، وكأن الزمن يتسارع كلما تقدمنا في السن. الأوراق التي كنا نراها خضراء يانعة في ربيع حياتنا، أصبحت الآن صفراء وبنية، تتساقط واحدة تلو الأخرى، تاركةً أغصان الحياة عاريةً أمام رياح الشتاء القاسية. لكن في هذا التساقط، هناك جمالٌ آخر، جمال الحكمة، جمال التجارب التي صنعتنا، جمال الذكريات التي نحملها في قلوبنا. يتهاوى الزمن، لكنه لا يختفي تمامًا. الأوراق التي تسقط تتحول إلى سماد يغذي الأرض، لتعطي الحياة لأجيال جديدة من الأشجار. هكذا هي ذكرياتنا، تتحول إلى دروس نعطيها لمن يأتي بعدنا، كي يستفيدوا من أخطائنا، ويبنوا على نجاحاتنا. الزمن لا يضيع، إنه يتحول من شكل إلى آخر، من لحظة إلى ذكرى، من حلم إلى واقع.

في خضم هذا التساقط، نجد أنفسنا نتساءل: هل نحن مجرد أوراق في شجرة الحياة، أم أننا جزء من شيء أكبر؟ هل نحن ضحايا مرور الزمن، أم أننا صناع لحظاتنا؟ الحقيقة هي أننا مزيج من الاثنين. نحن نتأثر بالزمن، لكننا أيضًا نؤثر فيه. كل لحظة نعيشها، كل قرار نتخذه، كل كلمة نقولها، هي ورقة نضيفها إلى شجرة حياتنا. بعض هذه الأوراق تبقى خضراء لفترة أطول، وبعضها يتساقط بسرعة، لكن كل واحدة منها تساهم في تشكيل هويتنا .يتهاوى الزمن كأوراق الخريف، لكنه يترك وراءه إرثًا. إرث من الحب، من الألم، من الفرح، من الخسارة. إرث من اللحظات التي جعلتنا من نحن. وفي النهاية، عندما تسقط آخر ورقة، ندرك أن الزمن لم يكن عدونا، بل كان معلمنا. علمنا أن الحياة ليست دائمة، لكنها جميلة. علمنا أن كل شيء له نهاية، لكن في كل نهاية، هناك بداية جديدة .لذا، بينما نراقب أوراق الخريف تتساقط، دعونا لا نحزن على ما فات، بل نحتفل بما كان، ونستعد لما سيأتي. لأن الزمن، مثل أوراق الخريف، قد يتهاوى، لكنه يترك وراءه جذورًا قوية، وجذوعًا صلبة، وأغصانًا تمتد نحو السماء، حاملةً معها أملًا جديدًا في كل فصل من فصول الحياة

 


مشاهدات 541
الكاتب ثامر مراد
أضيف 2025/02/11 - 6:01 PM
آخر تحديث 2025/03/15 - 4:27 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 167 الشهر 7531 الكلي 10568480
الوقت الآن
السبت 2025/3/15 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير