الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شكراً للطائفية

بواسطة azzaman

شكراً للطائفية

منقذ داغر

 

جاءتني صباح اليوم رسالة من هاتفي تخبرني بأن معدل استخدامي للهاتف في تصفح مواقع التواصل المختلفة جميعها كان 18 دقيقة فقط يومياً خلال الأسبوع الماضي!!كان رقماً صادماً لكنه مريح. فقد تعودت لسنين ماضية ألا يكون معدل استهلاكي لمواقع التواصل، أو بالأصح مواقع التقاطع الاجتماعي أقل من ساعة الى ساعتَين. هذا يعني أني وفرت لأسرتي ولقراءة الكتب والرياضة وباقي ما أهتم به في حياتي وقتاً أطول، وبدأت أطهّر عقلي ومشاعري من سموم التقاطع الاجتماعي، فشكراً للطائفية التي أعانتني على ذلك.

بعد احتلال داعش لجزء من أراضي العراق بدأنا نشهد إنخفاضاً في معدل الخطاب الطائفي وهو ما كشفت عنه أرقام كل استطلاعات الرأي العام في جميع أنحاء العراق منذ ذلك الحين. وقد نما هذا الاتجاه الإيجابي في الرأي العام بعد إنتفاضة تشرين المجيدة في 2019 وهو ما أكدته مرة أخرى إستطلاعات الرأي العام العراقي التي أُجريت آنذاك. لكن التوترات الأخيرة في المنطقة، وبخاصة بعد سقوط نظام الأسد في سوريا أعادتنا كما يبدو الى المربع الطائفي الأول. فقد تصاعد خطابان طائفيان متمايزان أحدهما (سني) والآخر (شيعي). فعلى الجانب الأول كان هناك فرح وتبشير بعودة (السنة) لحكم العراق. وعلى الجانب الآخر كان هناك حزن على اللبن المسكوب وخشية من المستقبل المرهوب لدى بعض (الشيعة). لم يكتفِ أصحاب الخطاب الأول بمتابعة أخبار ما يجري في المنطقة وتحليلها منطقياً والفرح للسوريين كبشر، بل عدّوا ذلك نصراً للمذهب قبل كل شيء!! بل باتوا ينسجون قصصاً، معظمها من الخيال عن الإطاحة بالنظام في العراق على غرار ما حصل في سوريا. ولم يدرك طائفيو السنة أن هذه القصص تخدم طائفيي(الشيعة) لأنها تعيد التذكير بمظلوميتهم التاريخية وتآمر دول المنطقة (السنية) عليهم وبالتالي ليس لهم الا أن يتحالفوا مع الضامن الإقليمي للشيعة (إيران) كي تدافع عن وجودهم. فطائفية (السنة) هي التي تقوي طائفية (الشيعة).

نظام سياسي

أما أصحاب الخطاب الطائفي الآخر فقد أصابهم ما حصل لحزب الله في لبنان ولنظام الأسد في سوريا بقلق وخوف غير مبرر. فقد نسوا أن الدول السنية التي يخشونها هي -وقبلهم أمريكا- من أسقطت ما يسمونه بالنظام البعثي السني في العراق. كما نسوا أنهم يتحكمون بمقادير العراق العسكرية والاقتصادية والسياسية وبالتالي بأماكنهم الدفاع عن النظام السياسي فيه تجاه تهديد ما يسمونه هم بالعصابات الطائفية المتشددة. وأن أهم درس مستفاد من سقوط الأسد وكل الطغاة على شاكلته هو أن لظلم الشعب ثمناً يجب دفعه ولو بعد حين، فلماذا لا يزيدنا سقوط الأسد تمسكاً بمواطنتنا العراقية البعيدة عن الطائفية بدلاً عن تأجيج خطاب طائفي أثبت فشله فيما مضى؟ لماذا لا ندرك أن طائفية (الشيعة) هي من تعزز وتقوّي طائفية (السنة)؟

لم يجعلني هذا الخطاب الطائفي (المسعور) فقط أهرب من مجاميع الواتساب (النخبوية) الكثيرة التي أتابعها،بل ذكرني بمشروع كنت قد تبنيته منذ سنين وهو الترويج لمذهب إسلامي جديد قديم  هو المذهب الروحي Spiritual Doctrine  . أنه مذهب لا يؤمن بطائفة، بل هو عابر للطوائف ومتواجد في كل الأديان ومضمونه أن الدين جاء ليعينني ويطهّرني روحياً ووجدانياً لا ليمكنني ويقوّيني اجتماعياً. فوظيفة الدين روحية ذاتية وليست مادية اجتماعية. الدين هو تجربة ذاتية أنطولوجية كما يحلو لصديقي المفكر عبد الجبار الرفاعي تعريفه وليس كما عرفه دوركايم بأنه منظومة من المعتقدات والممارسات المقدسة التي تشكل مجتمعاً موحداً. حينما يعلو الدين على وجوده الاجتماعي ويرقى لوعيه الروحي فأن الطائفية تموت والإنسانية تسود. لا يلجأ أنسان للطائفة الا بسبب خوفه. فحينما يستقر وجدانياً وعاطفياً وروحياً لا يحتاج للآخر كي يحميه ولا للجماعة كي تأويه. بالتالي لن تكون هناك أهمية للطائفة ولا لمن يقول لي أنك لن تدخل الجنة الا بأتّباع هذا المذهب أو ذاك. فدخولي الجنة ليس مرهوناً بانتمائي ولا بولائي ،بل بوجداني وأيماني. دخولي للجنة غير مرتبط بالآخر لان الدين ليس حزباً ولا مذهباً ولا جماعةً. الدين فطرة إنسانية وحب رباني مجرد من الآخر.

 شكراً للطائفيين الذين ذكروني بأني وُلدتُ إنساناً قبل أن يلقنني أبواي أو الآخرين ديني ومذهبي. الإنسانية هي ما نعيشه بوجداننا وهي حقيقتنا الوجودية غير المتعلّمَة. وحين نعيها لن نعود بحاجة لمعاداة المختلِف عنّا لأنه لن يعود مختلفاً، فهو نظيرنا في الإنسانية، وأخينا في الخلق والوجود. وحينها لن نعود خائفين من أن نفقد مكانتنا السياسية والاجتماعية كما يشعر طائفيو (السنة والشيعة). فأنت تخاف على خسارة ما تملكه لكنك لا تخاف من خسارة ما أنت عليه.


مشاهدات 71
الكاتب منقذ داغر
أضيف 2025/01/26 - 3:06 PM
آخر تحديث 2025/01/28 - 10:31 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 37 الشهر 13982 الكلي 10293947
الوقت الآن
الأربعاء 2025/1/29 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير