نكران الجميل للأصوات والأقلام
ناجي ألغزي
إن الحديث عن نكران الجميل في السياسة العراقية أصبح واقعاً ملموساً يعيشه الكثير من الأصوات والإعلاميين الذين وقفوا في الخطوط الأمامية دفاعاً عن النظام الديمقراطي، وتحملوا أعباء الدفاع عن التجربة السياسية رغم كل تحدياتها.
هذه الأصوات لم تكن يوماً جزءا ً من صراعاتهم الحزبية، بل كانت تمثل ضمير المجتمع، تنقل آلام الناس ومعاناتهم، وتسعى إلى تصحيح المسار بما يخدم مصلحة الوطن والمواطن.الأمثلة كثيرة، ولعل أبرزها ما تعرض له الإعلامي كريم بدر، الذي بذل جهوده إعلامياً للدفاع عن النظام السياسي، مسلطاً الضوء على معاناة الفقراء والمحرومين، ومحذرا من المؤامرات التي يتعرض لها العراق.
لقد كان كريم صوتاً صادقاً ينتقد السياسات الخاطئة بجرأة، وينقل صوت الشارع العراقي من دون مواربة. ومع ذلك، عندما اشتدت به الظروف الصحية، لم يجد من ينصفه أو يقف إلى جانبه من المسؤولين الذين طالما دافع عن نظامهم الديمقراطي.
هذا الموقف يمثل نموذجاً صارخاً لنكران الجميل من قبل الأحزاب الحاكمة. فبدلاً من الاعتراف بفضل هذه الأصوات التي حافظت على المسار الديمقراطي، نجدهم يتجاهلونهم في أحلك ظروفهم، وكأنما الانتماء السياسي هو الشرط الوحيد للحصول على الدعم أو حتى الاعتراف بالجهود المبذولة.
إن الأحزاب الحاكمة اليوم تتحمل مسؤولية أخلاقية في احتواء النخب والمثقفين الذين لم يتوانوا عن تقديم النصح والمشورة البناءة.
هؤلاء ليسوا مجرد أفراد، بل يمثلون صمام أمان للمجتمع، إذ يسعون إلى تقويم العملية السياسية عبر النقد الهادف والكلمة الصادقة. تجاهل هذه الأقلام هو خسارة للوطن بأسره، وهو إشارة خطيرة على أن النظام السياسي قد يبتعد عن قيم الشفافية والشراكة التي بُني عليها.
على الحكومة العراقية، والأحزاب السياسية تحديدًا، أن تعيد النظر في تعاملها مع الإعلاميين والنخب الفكرية التي أسهمت في حماية التجربة الديمقراطية. فهؤلاء ليسوا مجرد منتقدين، بل هم شركاء في الإصلاح، وعاملون من أجل بناء دولة تحترم الإنسان وتعترف بجميل من يدافع عنها، بعيدًا عن الانتماءات السياسية الضيقة.