الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
النزاهة هي أغنية الفساد

بواسطة azzaman

النزاهة هي أغنية الفساد

شيرزاد نايف

 

«المجرم يحوم حول جريمته»، تلك المقولة التي تحمل في طياتها حكمة عميقة حول طبيعة الفساد واستمراريته. فكما يلتف الجرم حول صاحبه ليظل في حالة من الغموض والمراوغة، كذلك هو الحال مع الفساد، الذي يجد نفسه محاطاً بالتصريحات الجوفاء والأفعال المخادعة التي تهدف إلى ستره وتبريره، ليظل قائماً في الظلال رغم محاولات التستر عليه. وفي قلب هذا التناقض المستمر، يظهر السؤال الأشد إرباكًا: كيف يمكن لنظامِ أن يتغنى بالنزاهة بينما يتربع على قمة الفساد في كل مقياس دولي؟ كيف يمكن له أن يتباهى بالعدالة ويشيد بمبادئه في الوقت الذي يتعرض فيه أبناؤه لأبشع مظاهر الفقر والظلم نتيجة لسياسات لا تجرؤ على إيقاف فسادها العميق؟

في العراق يُنظَر إلى النزاهة كأغنية يُرددها القادة وتُسمع على لسان مسؤولي الحكومة، بينما يتم تطبيقها بشكل صارم على المواطن البسيط. فكل شهر، يظهر مبرر جديد لقطع الرواتب؛ مبررات تتمحور حول عجز الميزانية، أو الأزمات الاقتصادية التي لم يكن للفرد البسيط أي يد في صنعها. لكن ما يُثير التساؤل هو تلك التصريحات التي تصدر من الحكومة الاتحادية في بغداد باتهامه بالفساد بشكل مستمر، ولا تتوانى عن تصويره كجزء من مشهد فسادي أوسع هو يغوص فيها ومن العجب حقاً أن يغفل البعض عن التقدم الذي حققه الإقليم في العديد من المجالات؛ من تطور عمراني، إلى تحسن في الوضع السياسي، وحتى في المجالات الإنسانية.

فهل يُعقل أن تُتهم المنطقة بالفساد دون أخذ أي اعتبار لهذه الإنجازات؟ كيف يمكن أن يكون الأقليم هو محور التهم الفاسدة بينما الشهادات الحية من المواطنين العراقيين أنفسهم تؤكد أن إقليم كردستان اصبح واجهة و وجه مشرق للعراق وهو جزء لا يتجزأ من العراق وعمل على رفع اسم الوطن عالياً؟

لكن الحقيقة، التي يعلمها الجميع، هي أن العراق لم يعد يتحكم في مصيره. ففي ظل تزايد الضغوط الخارجية، أصبح النظام السياسي العراقي أشبه بمكتب تنفيذي لأجندات قوى إقليمية، وعلى رأسها دولة مجاورة، التي تمتد يدها لتتحكم في مفاصل القرار السياسي، الاقتصادي، والأمني.

 وهكذا نجد أن النزاهة التي يُتغنى بها في مختلف الأروقة السياسية ما هي إلا أغنية تُردد لتغطية الحقيقة المرة التي يعايشها المواطن العراقي. إنها أغنية تُعزف بينما الفساد يظل ينمو في الظلال، ويتغذى من الخلافات السياسية والتوجهات الخارجية التي لا تضع مصلحة المواطن في أولوياتها. وكأننا في مسرحية يشارك فيها الجميع، لكن لا أحد يجرؤ على رفع الستار ليرى الجمهور ما وراء الكواليس.

في النهاية، لا يسعنا إلا أن نتساءل: كيف يمكن لفساد أن يظل مستمرًا طالما أن أغنيته تزداد صخباً؟ ومتى سينكشف الستار عن تلك الحقيقة التي قد تكون مؤلمة في بعض جوانبها، لكنها ضرورة لنهوض هذا البلد العريق من سباته العميق!.


مشاهدات 112
الكاتب شيرزاد نايف
أضيف 2025/02/19 - 1:09 AM
آخر تحديث 2025/02/20 - 8:18 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 494 الشهر 11207 الكلي 10406578
الوقت الآن
الخميس 2025/2/20 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير