لا أحد ينام في الإسكندرية رصد الحرب العالمية الثانية
رامي فارس الهركي
لو سألني أحدهم ترى ما هو العمل الأدبي الذي سبق لك قرأته وأعجبت به دون غيره؟، طبعا لا أرغب أن أذكر هذا العمل على حساب ذاك العمل وكذلك لا أحب أن أبخس حق هذا الروائي المبدع على ذاك فهذا ليس من طبائعي ولن أكون كذلك لكن ودون تحيز.
لكن أستطيع القول بأن هناك أعمالا روائية قد تترك آثارها لتبقى كلماتها وعباراتها تتردد على صدى الذاكرة مهما طالت الأيام وانقضى العمر.و»لا أحد ينام في الإسكندرية» هي أحد تلك الأعمال الروائية التي شدتني لدرجة كبيرة ورغم أنها الجزء الأول من ثلاثية مشهورة للكاتب الكبير إبراهيم عبد المجيد إلا أن الجزء الأول تفرد عن باقي الأجزاء ولكنه في الوقت نفسه ليس أقل شئنا منها فالثلاثية هي حكاية مكملة لبعضها البعض.
لدى قرأتي لهذا الجزء كانت لي رحلة جميلة في أروقة مدينة عريقة ضاربة جذورها في القدم، فالرواية هي رصد دقيق عن إسكندرية الحرب العالمية الثانية، رصد للحوادث المحلية والعالمية وحالة الناس ومعاناتهم أحزانهم أفراحهم الحالة الاقتصادية الأسعار عناوين الصحف آنذاك حالة مدينة وأناس تحت رحمة القصف لمجرد أنهم في أتون حروب لأناقة لهم فيها ولا جمل.
عنصر رئيس
إن أجمل ما في الرواية هو ذلك الوصف الذي تفرد به إبراهيم عبد المجيد عن الصحراء وما يجري فوق رمالها الصفراء الحارة إضافة إلى» القطار «الذي اعتبره عنصرا رئيسا في أدب إبراهيم عبد المجيد.
وكنت قد سألت الكاتب في لقاء سابق عن سر شغفه بالقطار فأجابني قائلا» والدي كان يعمل في السكة الحديد وهو تقريبا «مجد الدين» إحدى الشخصيات الرئيسية في «لا أحد ينام في الإسكندرية» وكنت أحب السفر في القطارات وسافرت بصحبة والدي في أرجاء مصر عبر القطار وأنا صغير وعشت طفولتي وصباي بين عمال السكة الحديد «.
إن من يقرأ الجزء الأول من الثلاثية يلاحظ كمية الوصف في أحداث الحرب العالمية الثانية، وصف دقيق للأحداث والعمليات العسكرية واللوجستية وتحركات الجنود فوق الرمال الصفراء الحارة وهذا ليس بالغريب فالكاتب يعزو الفضل الأول في كتابة هذه الرواية إلى والده لأن جميع الحكايات التي يرويها له عندما كان صغير جميعها عن الحرب العالمية الثانية وعن أيام الحرب فقد بقي يحلم بالكتابة عن الحرب العالمية الثانية لغاية العام 1990 وقتها جاء القرار بكتابة الرواية وكان بصحبة أولاده في زيارة لمقابر جنود الحرب العالمية الثانية من بريطانيين وفرنسيين والمان.
إن لكل كاتب تجارب واقعية يلجأ إليها لدى الكتابة ويجب ان يعيشها كما هي لينقل أحاسيسه وانفعالاته على الورق بصدق وأمانة وموضوعية.
أما إبراهيم عبد المجيد فقد كانت له تجارب واقعية ملموسة قبل وأثناء كتابة الجزء الأول من الثلاثية عن الصحراء فقد سألته عن إذا ما كانت لديه جولات قام بها في الصحراء أجابني» أثناء الكتابة زرت كل مواقع الحرب في الصحراء، من السلوم أقصى مدينة مصرية في الصحراء الغربية إلى العلمين. كنت أزورها صيفا وشتاء لأشعر بالمكان، وكثيرا ما خلعت حذائي ومشيت حافيا لأشعر بالأرض وخلعت قميصي لا شعر بالجو.
كنت مجنونا «.إن التوثيق مهم وضروري للرواية وبالأخص أن كانت الرواية تقتحم التاريخ أو جزء منه أو تسلط الضوء على حدث تاريخي، وفي رواية تتناول الحرب العالمية الثانية والحالة بما فيها السياسية والاقتصادية والاجتماعية بحاجة إلى توثيق وهذا ما دفع الكاتب إلى قرأت الصحف الصحف القديمة في دار الكتب المصرية بالإضافة إلى زيارات متكررة للإسكندرية وقرأت كتب عنها وعن شوارعها يعني جهدا كبيرا على صعيد المكان والبشر.
صحفي عراقي