سلسلة أبنية تراثية بغدادية
مرقد الشيخ عبد القادر الكيلاني منارة المتصوفة
صلاح عبد الرزاق
كانت بغداد حاضرة الدنيا في عصرها الذهبي ، إذ كانت تجتذب التجار والفقهاء والعلماء والأطباء والشعراء والفلكيين والموسيقيين والمغنين . وكانت مدارسها ومساجدها وتكاياها وزواياها تضج بالزهاد وحلقات المتصوفة ينهلون من علوم شيوخهم وطرقهم الصوفية . وكان الشيخ عبد القادر الكيلاني الذي ترك بلده وجاء إلى بغداد ، واستقر فيها ، ولمع فيها نجمه في سماء الصوفية ، ودفن فيها.
عبد القادر الكيلاني
هو أبو محمد عبد القادر بن موسى بن عبدالله الحسني الهاشمي. ولد عام ( 470 هـ / 1077 م ) وتوفي عام 561 هـ / 1165 م ) . وهو إمام صوفي وفقيه حنبلي شافعي لقبه أتباعه بسلطان الأولياء ، تاج العارفين ، محي الدين ، قطب بغداد. وإليه تنتسب الطريقة القادرية الصوفية.
وهناك خلاف في محل ولادتهِ، حيث توجد روايات متعددة أهمها القول بولادتهِ في كيلان من توابع (رشت) في شمال بلاد فارس أو طبرستان على ضفاف بحر قزوين . (1)
ويؤد الشيخ يونس إبراهيم السامرائي في كتابه (مراقد بغداد ، ص 24) أن الشيخ الكيلاني ولد في بنيق قصبة من بلاد جيلان ، وهي بلاد متفرقة وراء طبرستان).
يقول العلامة مصطفى جواد أنه (أثناء الحصار المغولي لبغداد كان هناك برج كبير بالقرب من السور يسمى (برج العجمي) نسبة إلى صوفي كان يختلف إليه ويأوي إليه لفقره وهو الشيخ الزاهد المشهور عبد القادر الجيلي المعروف بالكيلاني. فقد كان أهل بغداد يسمونه (العجمي) قبل نبوغه واشتهاره). (2)
أما القول الآخر أنه ولد في جيلان العراق وهي قرية تاريخية قرب المدائن التي تبعد حوالي 40 كيلو متر جنوب بغداد، وهو القول الذي تعتمده الأسرة الكيلانية ببغداد.
وأما المؤرخ مرتضى نظمي زادة البغدادي في كتابه (تذكرة الأولياء في تراجم الأئمة والمتصوفة والزهاد في بغداد) الذي ترجم للشيخ بكل محبة وتقديس وإعجاب بكراماته فلم يذكر محل ولادته لكنه يكتفي بالقول أنه (قدم بغداد في عام 488 هـ ( 1095م) وطابت بغداد بقدومه ) (3)
أنجب عبد القادر عدداً كبيراً من الأولاد فقد بلغ 49 ولداً (27 ذكراً و22 أنثى) إلا أنه فقد في حياته ( 14 ذكراً و21 فتاةً،) فصبر على ذلك صبر الكرام، وقد أعقب من ( 13 ذكراً ) عنى بتربيتهم وتهذيبهم على يديه. فصار منهم الفقيه والواعظ والمدرس والكاتب وإمام الجماعة وراوية للحديث. رحل بعضهم إلى مصر واستقر فيها ، وآخر هاجر إلى دمشق وتوفي فيها. وذهب آخر وشارك في قتال الصليبيين في عسقلان ، وزار القدس وتوفي فيها.
كان عبد القادر الجيلاني قد نال قسطاً من علوم الشريعة في حداثة سنه على أيدي أفراد من أسرته، ولمتابعة طلبه للعلم رحل إلى بغداد ودخلها سنة 488 هـ الموافق 1095م وعمره ثمانية عشر عاماً في عهد الخليفة العباسي المستظهر بالله. وبعد أن استقر في بغداد انتسب إلى مدرسة الشيخ أبو سعيد المخرمي التي كانت تقع في حارة باب الأزج، في أقصى الشرق من جانب الرصافة، وتسمى الآن محلة باب الشيخ.
عقد الشيخ أبو سعيد المُخَرِمي لتلميذه عبد القادر مجالس الوعظ في مدرسته بباب الأزج في بداية عام 501 هـ الموافق 1107 م فصار يعظ فيها ثلاثة أيام من كل أسبوع، صباح الأحد وصباح الجمعة وعشية الثلاثاء، ولقد كان أول كلامه: (غوّاص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف، فيستخرجها إلى ساحل الصدر، فينادي عليها سمسار ترجمان اللسان، فتشترى بنفائس أثمان حسن الطاعة، في بيوت أذن الله أن ترفع). واستطاع الشيخ عبد القادر بالموعظة الحسنة أن يرد كثيراً من الحكام الظالمين عن ظلمهم وأن يرد كثيراً من الضالين عن ضلالتهم، حيث كان الوزراء والأمراء والأعيان يحضرون مجالسه، وكانت عامة الناس أشد تأثراً بوعظه، فقد تاب على يديه كثير من قطاع الطرق وأهل الشقاوة، وأسلم على يديه عدد من اليهود والمسيحيين. والجيلاني ألتقى بأبي حامد الغزالي وتأثر به حتى أنه ألف كتابه (الغُنية لطالبي طريق الحق) على نمط كتاب (إحياء علوم الدين). وكان الشيخ عبد القادر يسيطر على قلوب المستمعين إلى وعظه حتى أنه استغرق مرة في كلامه وهو على كرسي الوعظ فانحلت طية من عمامته وهو لا يدري فألقى الحاضرون عمائهم وطواقيهم تقليداً له وهم لا يشعرون.
وبعد أن توفي أبو سعيد المبارك المخزومي فوضت مدرسته إلى الشيخ عبد القادر الجيلاني فجلس فيها للتدريس والفتوى، وجعل طلاب العلم يقبلون على مدرسته إقبالا عظيما حتى ضاقت بهم فأضيف إليها من ما جاورها من المنازل والأمكنة ما يزيد على مثلها وبذل الأغنياء أموالهم في عمارتهم وعمل الفقراء فيها بأنفسهم حتى تم بناؤها سنة 528 هـ الموافق 1133م. وصارت منسوبة إليه.
ينتشر أتباع المدرسة التربوية القادرية في كثير من البلاد أشهرها سوريا وتركيا والعراق والمغرب والجزائر وموريتانيا والسنغال وفلسطين ولبنان وموزمبيق والكاميرون ونيجيريا والصين وفرنسا وبلجيكا والاتحاد السوفيتي وغانا وإيران والجزائر والسودان والنيجر ومالي وغينيا وتشاد وأفغانستان وباكستان والصومل وإندونيسيا ويوغسلافيا ومصر وتونس وماليزيا وارتيريا.
وكان من أبرز تلاميذ الكيلاني هم ابن قدامة الحنبلي شيخ ابن تيمية ، الشيخ عمر بن مسعود البزاز (ت 608 هـ) ، أحمد بن المبارك المقري (ت 570 هـ/ 1174م) وشبر بن محفوظ الأزجي (ت 595 هـ / 1199م) .
مؤلفاته
صنف عبد القادر الجيلاني مصنفات كثيرة في الأصول والفروع وفي أهل الأحوال والحقائق والتصوف، منها ما هو مطبوع ومنها مخطوط ومنها مصوّر، وفيها المنسوب، وترجمت أغلب مؤلفاته إلى اللغات العالمية ولا سيما اللغة الإنجليزية بواسطة (مختار هولاند (1935 -2010) منها:
•إغاثة العارفين وغاية منى الواصلين.
•أوراد الجيلاني.
•آداب السلوك والتوصل إلى منازل السلوك.
•تحفة المتقين وسبيل العارفين.
•جلاء الخاطر.
•حزب الرجاء والانتهاء.
•الحزب الكبير.
•دعاء البسملة.
•الرسالة الغوثية: موجود منها نسخة في مكتبة الأوقاف ببغداد.
•رسالة في الأسماء العظيمة للطريق إلى الله.
•الغُنية لطالبي طريق الحق: وهو من أشهر كتبه في الأخلاق والآداب الإسلامية وهو جزءان.
•الفتح الرباني والفيض الرحماني: وهو من كتبه المشهورة وهو عبارة عن مجالس للشيوخ في الوعظ والإرشاد.
•فتوح الغيب: وهو عبارة عن مقالات للشيخ في العقائد والإرشاد ويتألف من 78 مقالة.
•الفيوضات الربانية: وهكذا الكتاب ليس له ولكنه يحتوي الكثير من أوراده وأدعيته وأحزابه.
•معراج لطيف المعاني.
•يواقيت الحكم.
•سر الأسرار في التصوف: وهو كتاب معروف وتوجد نسخة منه في المكتبة القادرية ببغداد وفي مكتبة جامعة إسطنبول.
•الطريق إلى الله: كتاب عن الخلوة والبيعة والأسماء السبعة.
•رسائل الشيخ عبد القادر: 15 رسالة مترجمة للفارسية يوجد نسخة في مكتبة جامعة إسطنبول.
•المواهب الرحمانية: ذكره صاحب روضات الجنات.
•حزب عبد القادر الجيلاني: مخطوط توجد نسخة منه في مكتبة الأوقاف ببغداد.
•تنبيه الغبي إلى رؤية النبي: نسخة مخطوطة بمكتبة الفاتيكان بروما.
•الرد على الرافضة: منسوب له وهو لمحمد بن وهب نسخة مخطوطة في المكتبة القادرية ببغداد.
•وصايا الشيخ عبد القادر: موجود في مكتبة فيض الله مراد تحت رقم 251.
•بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب: مواعظ للشيخ جمعها نور الدين أبو الحسن علي بن يوسف اللخمي الشطنوفي.
•تفسير الجيلاني: مخطوط في مكتبة رشيد كرامي في طرابلس الشام.
•الدلائل القادرية.
•الحديقة المصطفوية: مطبوعة بالفارسية والأردية.
•الحجة البيضاء.
•عمدة الصالحين في ترجمة غنية الصالحين.
•بشائر الخيرات.
•ورد الشيخ عبد القادر الجيلاني.
•كيمياء السعادة لمن أراد الحسنى وزيادة.
•المختصر في علم الدين.
•مجموعة خطب.
وفاته
توفي الكيلاني ليلة السبت 10 ربيع الثاني سنة 561 هـ، / 1166م جهزه وصلى عليه ولده عبد الوهّاب في جماعة من حضر من أولاده وأصحابه، ثم دفن في رواق مدرسته، ولم يفتح باب المدرسة حتى علا النهار وهرع الناس للصلاة على قبره وزيارته، وبلغ تسعين سنة من عمره.
المدرسة القادرية
هي التسمية التي تطلق على ضريح الشيخ عبد القادر الجيلاني الحسني في بغداد. يقع ضريح ومسجد الشيخ عبد القادر الجيلاني في منطقة باب الشيخ من جهة الرصافة من بغداد حيث إن أصل هذا الجامع كان مدرسة أسمها مدرسة باب الأزج أنشأها أبو سعيد المخرمي سنة 541هـ، ولما توفي الشيخ أبو سعيد جلس للتدريس مكانه الشيخ عبد القادر ولما توفي دفن فيها، وكانت تسمى مدرسة باب الأزج في محلة باب الأزج، من محلات بغداد القديمة، ولكن اسمها تغير إلى محلة باب الشيخ نسبةً إلى الشيخ عبد القادر. أعيد بناءها بعد أن دمرها المغول وبقت أطلالاً من قبل المهندس معمار سنان بأمر من سليمان القانوني خلال فتح بغداد (1534م) وتعد الحضرة صرحاً معمارياً مهماً في بغداد، وقد سميت الساحة القريبة منه باسمه ساحة الكيلاني. وتعتبر الحضرة القادرية أحد المراكز الرئيسية للتصوف في بغداد والعراق، ويقصدها الزوار من أرجاء العالم. وتضم الحضرة القادرية مسجداً وضريحاً ومكتبة تسمى المكتبة القادرية، وتضم هذه المكتبة عدة آلاف من نفائس المخطوطات في مختلف العلوم الإسلامية، فضلاً عن المطبوعات النادرة.
وتعتبر الحضرة من أهم معالم بغداد التاريخية والحضارية وللحضرة تاريخ طويل في تاريخ بغداد السياسي والثقافي والاجتماعي بل والعسكري، حيث كانت الحضرة في العهد العثماني مقراً للعديد من الانتفاضات ضد الولاة الظالمين حيث يتجمع الناس في الحضرة ويخرجون منها وهذا مشهور، وأكد ذلك عدد من المؤرخين ومنهم علي الوردي وعماد عبد السلام رؤوف وجمال الدين فالح الكيلاني، وتولى الخطابة بالحضرة العديد من الأعلام الكبار، وكان من أشهرهم مفتي العراق الشيخ عبد الكريم محمد المدرس وتلميذه عفيف الكيلاني والشيخ هاشم الأعظمي والشيخ محمود العيساوي.
ي يوم 28مايس 2007 تعرض االجامع لتفجير بسيارة مفخخة أدى إلى مقتل حوالي 24 شخصاً وجرح 68 آخرين وتعرض مبنى المرقد والمسجد الأثري لأضرار بليغة حيث أنه قد دمر الجدران الخارجية وقبة ومنارة المسجد.
عمارة الجامع بعيون رحالة
في عام 1838 زار الرحالة الإنكليزي جيمس بيلي فريزر الذي زار جامع الكيلاني ومرقده فوصف جدرانه وأثاثه وفرشه. أما ضريح الشيخ فيقول عنه (يوجد القبر داخل قبة ، ومزين باجر القاشاني الذي كتبت عليه آيات من القرآن الكريم ، ومفروش فرشاً لا بأس به بالسجاد ، ويقوم من فوقه سرادق من الحرير الأخضر . كما تحيط به شبابيك عالية من الفضة الصلبة. والغريب في الأمر أن هذه الشبابيك كانت هدية من أحد اليهود لهذا المرقد. وقد كان هذا الشخص (اسحق) صرافاً لأحد الباشوات (داود باشا). وفي أحد الأيام اصطحبه سيده في زيارة تعبدية لهذا المرقد، فأخبر هناك من عادة الغرباء أن يقدموا هدية من الهدايا في أثناء الزيارة. وسُئل عن الشيء الذي كان مستعداً لتقديمه ، فأجاب: دعوني أفكر قليلاً، ثم قال: إن هذه الشبابيك مصنوعة من النحاس ، وإنني مستعد للصرف على استبدالها بالفضة.
قوبل سخاء اليهودي بالترحيب الكثير). ثم يصف فريزر طبيعة الزوار فيقول (الزوار القادمون من مختلف البلاد ، وخاصة من الهنود ومن مختلف مدنها وبالخصوص دلهي ، ومن أفغانستان وبخارى وبلاد التركستان). ويقول عن النقيب ( كان رجلاً جسيماً ، طويل القامة ، أبيض البشرة ، له أنف أقنى وعينان زرقاوان كبيرتان ، وشكل رقيق الشمائل) . (٤)
ويتحدث الرحالة الألماني كارستن نيبور الذي زار بغداد عام ١٧٦٦ م فيروي قصة القبقاب عندما (كان الشيخ يوماً جالساً على منبره والناس متوافرون في مجلس وعظه، فسكت فجأة ، وتناول أحد فردتي قبقابه من رجله ، ثم رماه بيده على الجدار، فاختفى القبقاب. وبعد دقائق رمى بالقبقاب الآخر فاختفي مثل الأول. بقي الناس حائرين عن سبب فعله. وبعد انتظار طويل علموا أنه كان مجموعة من التجار قاصدين بغداد من دولة أخرى للتجارة فيها. فقطع عليهم اللصوص العرب الطريق وسلبوهم ما معهم. وهم في حالتهم المحزنة أخذوا يصلون ويدعون ويستغيثون بقوة الشيخ عبد القادر، فأصاب القبقاب ، الذي رماه ، رأس كبير اللصوص ، فظن اللصوص أن القبقاب يعود لأحد المسافرين ، فآذوه وقسوا عليه ، غير أنهم لم يلبثوا أن رأوا القبقاب الآخر يصيب رأس لص آخر منهم. عندها اعتقدوا أن في الأمر فعل ولي من أولياء الله ، ملتزم بحماية المسافرين. عندما قاموا بإطلاق المسافرين جميعاً مع أموالهم ، وتركوهم يكملون طريقهم بأمن وسلام. وبعد أربعة أسابيع وصل التجار المذكورين إلى بغداد حاملين معهم فردتي القبقاب ثم سلموها إلى الشيخ عبد القادر، وشكروا له غوثه إياهم ، وأذاعوا بين الناس تلك الكرامة التي حدثت من أجلهم). (٥)
جامع الكيلاني
بنى الجامع الحالي على جزء من أرض مدرسته العلمية التي كان يدرّس فيها. كما بني مرقده والأروقة المحيطة به. يقع الجامع على ثلاثة شوارع هي: شارع الكفاح في جنوب الجامع، وشارع المعتصم زقاق بجانبه. والمحلة التي يقع فيها الجامع كان اسمها القديم (باب الأزج) ، ثم تحولت إلى (باب الشيخ). وما زال أحد أبواب الجامع يسمى بباب الأزج.
تبلغ مساحة الجامع ثمانية آلاف متر مربع . يحتوي الجامع على صحن واسع تحيط به أروقة تضم غرفاً وأبنية من طابقين من جهاته الثلاث . ويوجد مصلى صيفي في صحن الجامع. البناء مشيد بالطابوق والجص . للجامع ثلاثة قباب ، أكبرها القبة البيضاء يعود تاريخها إلى عام ٩٤١ هـ / ١٥٣٤ م ، والقبة الثاني أصغر حجماً مغلفة بالكاشاني الملون والمزخرف برسوم نباتية وتقع فوق قبر الشيخ الكيلاني. وللجامع مأذنة من جهة الغرب وبرج الساعة. وللجامع بابان كبيرتان واحدة من جهة الغرب قبالة الديوخانة ، والأخرى من جهة الشرق للجامع.
قبة الجامع
أما حرم الجامع فهو مربع الشكل بطول ضلع ٢٠ متر ، وبمساحة تبلغ (٤٠٠) متر مربع. في الوسط ترتفع قبة عريضة كتوب عليها في الوسط (قل كلٌ يعمل على شاكلته) كتبها الخطاط عبد الجبار سنة ١٣٢١ هـ / ١٩٠٣ م . وتحيط بالقبة من الداخل إزارة مكتوب عليها آيات قرآنية من سورة الحشر تبدأ بقوله تعالى ( هو الله الذي لا إله هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم (٢٢ ) ... وتعلو الإزارة إزارة أخرى تحيط بمركز القبة ، حيث تتجه حروف الألف واللام بشكل شعاعي نحو مركز القبة. وقد كتبت آية الكرسي بقوله تعالى (لا إله هو الحي القيوم ، لا تأخذه سنة ولا نوم ، له ما في السماوات وما في الأرض ، من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) . وتتمة الآية تم كتابتها في دائرة ثانية أكبر حجماً من الأولى.
للقبة أربعة شبابيك تستخدم للإنارة والتهوية. وفي جدران القبة توجد شبابيك بطابقين ، عقدت فوقها أطواق من الطابوق والجص. وزينت الأقواس بمقرنصات جصية على شكل مثلثات متدلية. تحيط بالقبة إزارة خضراء مكتوب عليها آيات قرآنية من سورة . وتوجد تحتها رسمة متكررة بلون أزرق ، تتخللها بعض الشبابيك. توجد في الحرم شرفتان ، على يمين وشمال المحراب ، يحميها محجر خشبي.
. وبقربها منارة قصيرة الارتفاع .
من الداخل تم إكساء الجدار الرخامي إلى السقف الكروي بالزجاج الأبيض اللماع على شكل نجوم متلئلئة ودوائر متلاصقة براقة وفي قلبها كتب على القاشاني الأزرق قوله تعالى (كأنها كوكب دري يوقد من شجرة مباركة) ( الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها مصباح ، المصباح في زجاجة ، الزجاجة كأنها كوكب دري ). وعلى أسفل جدار القبة يوجد إفريز من القاشاني الأزرق خطت عليه آية الكرسي بخط نسخي بديع وكتب في آخره (رسمها عبد الجبار سنة ١٣١٨ هـ (١٩٠٠ م).
المنبر
بجانب المحراب يوجد منبر مصنوع من الرخام ومزخرف بشكل فخم ، في نهايته قبة مخروطية تحملها أعمدة مرمرية. للمنبر سلم يعتليه الخطيب ، بجانبه عمودان رخاميان ، عليهما أغضان عنب وعناقيده محفورة فيه. والعمودان يحملان رافد رخامي مكتوب عليه (لا إله إلا الله محمد رسول الله) حفراً من الجانبين. كما حفرت على جهة المنبر المتصلة بالمحراب العبارة الآتية (أشرف العبادة الإخلاص). وهي من أقوال الشيخ عبد القادر الكيلاني. واجهة المنبر مرصعة بنجوم بشكل صفوف، ونجوم أكبر حجماً على محجر المنبر. وتحت المنبر يوجد غرفة صغيرة يمكن الدخول إليها من خلال باب خشبي مزخرف بشكل هندسي.
المحراب
وهو محراب يتسم بالفخامة والأناقة ، مجوف داخل جدار القبلة. يحيط المحراب من الجانبين والأعلى إفريز من القاشاني المزخرف بشكل نجوم متكررة بنفس نقشة المنبر. وفوق المحراب طاقية مرتفعة تشكل ثلث دائرة في الجدار زخرفت بزخارف جصية فنية على شكل مثلثات متدلية. وقد صبغت بألوان زاهية. وتم تزيين المحراب بلمسة ذهبية جميلة أعطته أبهة وجمالاً. وعلى جانبي المحراب يوجد شمعدانان كبيران أثريان مصنوعان من النحاس. ويوجد شباك واسع يعلو المحراب يتيح دخول النور بشكل مريح.
تتدلى من السقف ثريا معدنية عادية بشكل دائرتين تحتوى على مصابيح ، وهي ثريات مستخدمة في مساجد إسطنبول والقاهرة. وتوجد رسمات دائرية في أركان القبة كتب عليها أسماء الله ، محمد والخلفاء الأربعة والعشرة المبشرة بالجنة ومنهم الإمام علي (ع) والإمام الحسن (ْع) والإمام الحسين (ْع).
أبواب الحرم
للحرم ثمانية أبواب ، ثلاثة من جهة الشمال . وقد قام السلطان العثماني مراد الرابع بإعمار جامع الكيلاني. وداخل الرواق الشمالي تم تثبيت ذلك على لوحة رخامية بخط الخطاط المولوي ما نصه:
((إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة.
قد عمّر الجامع الشريف والعبد اللطيف سلطان الغزاة المجاهدين قاتل الزنادقة والملحدين الخاقان الأعظم خادم الحرمين الشريفين الذي هدم قواعد الكفر والبدعة والضلال أبو الفتوح الغازي السلطان مراد خان بن السلطان أحمد خان بن السلطان الغازي محمد خان أدام الله أيام دولته الباهرة وأعوام سلطنته الطاهرة.
ما دارت أفلاك بالشمس والقمر بحرمة محمد أشرف الخلائق وسيد البشر صلى الله وسلم وعلى آله وأصحابه ذوي الهمم والكرم. حرر ذلك في سنة ١٠٤٨ هج / ١٦٣٨ م )).
وهناك بابان من جهة الشرق ، واحد على البهو لغرفة المرقد الشريف ، وباب متصلة بغرفة المرقد في جدار مصلى مستطيل وضع له حاجز خشبي مشبك بينه وبين الحرم تحمل سقفه اسطوانتان من المرمر. وقد أعد المصلى للضيوف والنقباء والخطيب. إذ يدخل الخطيب أولاً غرفة المرقد مسلّماً على الشيخ الكيلاني ، ثم يدخل الحرم في رواق الشافعية ثم يدخل هذا المصلى ومنه يخرج.
وتوجد ثلاثة أبواب من جهة الغرب توصل الحرم برواق الشافعية. يقع الباب الأوسط داخل مستطيل يقابل المستطيل الذي أعد للضيوف المجاور لغرفة المرقد إلا أنه غير مشبك بالخشب. وفي الحرم عدة شبابيك ذات طابقين بعضها فوق بعض وتحتها طاقيات رصينة البناء. (٦)
غرفة مرقد الكيلاني
وهي غرفة مربعة الشكل بطول ٦ x ٦ أمتار، ويوجد في وسطها القبر المغطى بصندوق مسدل عليه ستار ثمين مزركش ، وطرزت عليه آيات قرآنية . كما توجد عليه عمامة خضراء وصندوق فضي أثري وضع فيه قرآن كريم. ويعلو الصندوق قفص فضي كبير مزين بنقوش نباتية بارزة ومتوج بأسماء الله الحسنى مكتوبة بالمينا على ألواح فضية شكلها شكل أوراق الورود. كما كتب تحتها نسب الكيلاني وبعض أبيات الشعر منها:
قف على بابنا عند ضيق المناهج
تفز بعلى القدر ذي المعارج . (٧)
وأثناء زيارتنا للحضرة الكيلانية بتاريخ ٢ شباط ٢٠٢٣ ، كانت هناك أعمال تأهيل وتجديد تقوم بها شركة تركية. وشاهدنا استبدال الأجزاء المشبكة من الشباك ، إضافة إلى وضع إزارة رخامية في قاعدة القفص. وكان صندوق القبر قد غطي بستارة زرقاء عليها زينة بخيوط ذهبية.
وكان الدخول ممنوعاً ، وزيارة القبر تتم من باب المرقد وليس بقربه، لكن مرافقنا السيد محمد الراوي سمح لنا بالدخول.
جدران وسقف المرقد مشغول بالأعمال الدقيقة من المرايا والمسمى (آينه كاري) بشكل بديع مشابه لأعمال التكسية لجدران وسقوف العتبات المقدسة.
وعلى جدار غرفة المرقد توجد كتابة بخط الثلث تذكر أن تعمير المرقد قد تم في عهد السلطان عبد الحميد خان الثاني ابن السلطان عبد المجيد .
وفوق الكتابة توجد سلسلة نسب الشيخ عبد القادر الكيلاني . كما توجد لوحة على جانب باب المرقد تذكر نسب الشيخ الكيلاني من جهة الأب الذي ينتهي بالإمام الحسن السبط (ع)، ومن جهة الأم الذي ينتهي بالإمام الحسين السبط (ع) ، وكلاهما ينتهي بالإمام علي عليه السلام. وعلى الجهة الأخرى من باب المرقد توجد لوحة تمثل سلسلة الطريقة القادرية التي تتصل بالإمام الرضا (ع) ثم إلى معروف الكرخي لتنتهي بالشيخ عبد القادر الكيلاني.
أبواب المرقد
لغرفة المرقد ثلاثة أبواب ، الكبير منها على البهو وقر توّج بإفريز من المرمر كتب عليه حفراً نسب الشيخ الكيلاني ما نصه:
(( هذا قبر محمد محي الدين السيد عبد القادر الكيلاني قدس الله سره العزيز ابن أبي صالح بن عبد الجبلي بن يحيى الزاهد بن محمد داود بن موسى بن عبدالله بن موسى الجون بن عبد الله المحض بن الحسن بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهم))، ثم تأتي العبارة التالية (نقل هذا النسب من الرخامة المكتوب عليها كتب سنة ١٢٨١ هـ (١٨٦٤ م) ، وهي منقولة من الرخامة القديمة فيها كملت هذه العبارة سنة ٩٤١ هـ (١٥٣٤ م).
وكتب على الإفريز ما نصه:
(( وفي ظل أمير المؤمنين وخليفة سيد المرسلين سلطان الدين وخاقان البحرين خادم الحرمين الشريفين السلطان عبد الحميد خان الثاني بن عبد المجيد خان اجتهد بتعميرها على الطراز البهي حضرة السيد عبد الرحمن المحض القادري بوست نشين جده الغوث الأعظم السيد عبد القادر الجيلي قدس الله سره العزيز وذلك سنة ١٣١٨ هـ ( ١٩٠٠ م) ).
والباب الثاني ينفتح على حرم الجامع من جهة الغرب ، والباب الثالث ينفتح على رواق الحنابلة من جهة الشرق. وباب من جهة القبلة تصل إلى غرفة متصلة بغرفة المرقد ، ولها باب على رواق الحنابلة بجانب المحراب الجديد، وتاريخ بنائها يرجع إلى عهد السلطان سليمان القانوني عام ٩٤١ هـ (١٥٣٤ م).
قبة المرقد
وهي قبة بصلية الشكل غطي جدارها الخارجي بالقاشاني المزخرف بالتوريدات النباتية يغلب عليها اللون الفيروزي الأزرق. قاعدتها مربعة بنيت بالطابوق والجص بارتفاع خمسة أمتار تقريباً. وأما البناء المدور فيبلغ ارتفاعه أربعة أمتار تقريباً. وعليها إزارة مكتوب عليها آيات قرآنية. ويعلو القبة ميل تحته طاسة فضية مطعمة بالذهب كتب عليها (تم بناؤه زمن والي بغداد والبصرة سليمان باشا سنة ١١٧١ هـ (١٧٥٨ م).
الستارة المباركة
يغطى الصندوق في المرقد بستارة مطرزة جميلة تتوارثها أسرة الكيلاني جيلاً بعد جيلا. ويجري الاحتفاظ بالستر القديمة عند استبدالها بأخرى جديدة. وأول من أهدى ستارة هو الخليفة العباسي المستنجد بالله (١١٢٤ – ١١٧٠ م) لذي وضعه بيده على الصندوق. وقام الخليفة المستضئ بالله (١١٤٢- ١١٨٠م) بوضع ستارة من الحرير المطرز بخيوط الذهب والفضة عام ٥٦٦ هـ (١١٧١ م). وفي عام ٥٧٣ هـ (١١٧٧ م) وضع التاجر البغدادي عمار بن سلامة الحنبلي ستارة من الحرير على القبر. وفي عام ٦٠٣ هـ ( ١٢٠٧ م) وضع قاضي بغداد الشيخ عماد الدين بن القاسم عبد الله بن الدامغاني ستارة من الحرير الأخضر على القبر. وتوالت مراسم وضع الستار الحريري على صندوق القبر طوال العهود اللاحقة سواء من الخلفاء والسلاطين أو التجار والوجهاء من العراق أو من بلدان أخرى.
في عام ١٢٣٣ هـ ( ١٨١٨ م) وضعت السيدة عاتكة بنت السيد علي النقيب ستارة من اللؤلؤ كانت قد أوصت عليها من الهند ، وذلك في زمن نقابة السيد سلمان نقيب الأشراف. وتوالت تقديم الستارة من الهند خاصة نظراً لكثرة أتباع الشيخ الكيلاني هناك. وما زال الزوار الهنود يقومون بزيارة المرقد بشكل مستمر.
في عام ١٩٥٣ حضر سفير الهند (خوب جانب) وزوجته إلى ديوان الحضرة الكيلانية وقدما إلى نقيب الأشراف السيد أحمد عاصم الكيلاني ستارة من الحرير لضريح الشيخ الكيلاني منذوراً من زوجة السفير.
أروقة الجامع
تحيط الجامع ثلاثة أروقة مقببة من الشرق والغرب والشمال. الرواق الشمالي هو أكبرها ، عقدت قبابه وعددها (١٤) قبة بالطابوق والجص ، وتحتها أقوس آجرية تحملها ، وتحمل الأقواس أعمدة ذات تيجان رخامية . والتيجان مزينة بزخارف فنية محفورة عليها. الرواق بشكل مستطيل ، طوله (٣٠) متراً وعرضه (١٠) أمتار. وله شبابيك حديدية كبيرة مزخرفة بشكل مربعات وعليها ألواح من الزجاج الأبيض وظيفتها تمرير الضوء والهواء. جدرانه كسيت بالمرمر الإيطالي الأبيض بارتفاع مترين. وفي جدار القبلة محراب كسي تجوفه وجوانبه بالمرمر الأبيض ، ووضعت فوقه ألواح من القاشاني الأثري مزخرفة بورود ونقوش . والمحراب متوج بالآيات القرآنية خطت بخط جميل على ألواح من المرمر أحيطت بالمحراب من جهاته الثلاثة هي قوله تعالى (أتل ما أوحي إليك من كتاب ربك) وقوله تعالى (إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر)، وقوله تعالى (أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر ، إن قرآن الفجر كان مشهودا).
إن أرض الأروقة والحرم والبهو منخفضة عن أرض الساعة ، إلا أن أرض غرفة المرقد أفل انخفاضاً.
بادر لتعمير هذا الرواق نقيب أشراف بغداد علي القادري ابن السيد سلمان القادري. وذلك في عام ١٢٨١ هـ (١٨٦٤ م). وقد أكمل الخطاط عبد الحميد بن عبد المالك (المتوفى عام ١٣٢٠ هـ (١٩٠٢) الكتابة بالخط الكوفي إلى أعلى الباب الشرقية للجامع. (٨)
المنارة الشرقية
وقد شيدت عام ٩٠٤ هـ (١٤٩٩ م) في ركن المصلى الصيفي من جهة الشرق مقابل باب الرواق الشمالي. وهي ذات قاعدة مثمنة مشيدة من الطابوق والجص، يبلغ ارتفاعها (٢٥) متراً، ولها حوضان: الحوض الفوقاني تحته مقرنصات بالطابوق توّج باسم الجلالة (الله) وباسم (محمد) (ص). أما الحوض التحتاني فيتصل بسطح الغرف بممر. وللمنارة باب يؤدي إلى سلم يوصل الصاعد إلى الحوض. وقد تم تثبيت تاريخ إنشائها على رخامة وضعت على جدارها كتب فيها (بسم الله الرحمن الرحيم ، لله اشكر غفر ذنوبه ، سعى بها في غرة محرم الحرام سنة ٩٠٤ هـ (١٤٩٩ م).
المنارة الغربية
وقد شيدت على ركن باب الغرب من جهة الداخل. وهي مكسوة بالقاشاني الأزرق المطرز بالورود والنقوش ذات المثلثات ، وفيها فتحات للنور والتهوية . وهي مبنية بالطابوق والجص. على رأسها مسلة قاشانية مضلعة زرقاء، يعلوها ميل فوقه هلال.
شيدت هذه المنارة من قبل نقيب الأشراف في بغداد السيد سلمان القادري سنة ١٢٩٥ هـ (١٨٧٨ م). وأعاد بناءها المتوليان على الأوقاف القادرية السيد برهان الدين بن السيد عبد الرحمن الكيلاني والسيد يوسف بن عبدالله الكيلاني في شهر ذي القعدة سنة ١٣٨٢ هـ (١٩٦٣ م)
برج ساعة الكيلاني
أُهدت من مسلمي الهند إلى الحضرة القادرية، وشيد لها برجاً اكتمل تشيده عام 1334 هجريًا/ 1915 ميلاديًا، وذلك في عهد السلطان عبد الحميد الثاني، ولكن مع عوامل الزمن تعطلت الساعة بالبرج وتم تغييرها بأخرى وهي القائمة حتى الآن. (٩)
ويصف المؤرخ عماد عبد السلام البرج والساعة فيقول ( في أعلاه ساعة دقاقة، لها أربعة أوجه. شيد برج الساعة سنة 1317هـ/1899م، أما الساعة نفسها فقد جيء بها من الهند، وهي تعمل بالأثقال، حيث تسحب الأثقال إلى الأعلى، لغرض نصبها، ثم تترك لتهبط رويداً، وهي إنكليزية الصنع، ولا تزال تعمل دون توقف، إن أوجه الساعة الأربعة مثبتة في كيان خشبي مكعب فوق البناء، وهو يضم آلتها، أما أجراسها فقد ثبتت فوق ذلك الكيان، تحت قبة خشبية مرفوعة على ثمانية أعمدة، بينها أقواس ثمانية مفصصة تقف على قاعدة مثمنة محاطة بسياج مشبك من الحديد). (١٠)
ينتصب برج الساعة على ركن المصلى الصيفى بجوار الجامع ، وهو بناء مربع الشكل قاعدته بعرض (٢ * ٢) متر، وكلما ارتفع تقلص طول ضلعه حتى إذا بلغ القمة أصب