كلام أبيض
إبن الشيخ أبو حميد
جليل وادي
كلاعبي كرة القدم ، صرنا نراوغ صور المرشحين التي تحاصرنا من الجهات الأربع ، حتى لا تكاد ترى شيئا غيرها ، فما أن تنتهي من التطلع الى صورة هذا المرشح حتى تصطدم بصورة مرشحة على مقربة منه بمسافة لا تتجاوز أمتارا معدودة ، ازدحمت الشوارع والأزقة والقرى والأرياف بلافتات أخذت ألوانا مختلفة بعضها ينطوي على دلالات ، بينما جاءت الأخرى عشوائية بلا قصد سوى الاعجاب ببريق اللون ، جميع شخوصها ينظرون لك بعين الود والمحبة في محاولة لاستمالتك بالتصويت لهم ، ولا تدري أيهم تختار ؟ ، فلم نعد نميز بينهم ، ليس أمامنا سوى صور ملونة وشعارات عامة وانتماءات محددة وأشكال جميلة وعيون واسعة وبدلات فاخرة ، لا توجد عبارة ولو واحدة تدل على برنامجهم الانتخابي ، او اشارة الى قضية من التي تشغل الناس ، او تأكيد على عقدة يسعون الى حلها في عملية سياسية ملأى بالعقد مضى عليها ما يقرب العقدين .
في كل انتخابات برلمانية او للمجالس المحلية أرصد بحكم الاختصاص الترويج الدعائي عبر اللافتات المكتوبة ، وهي أكثر الأنشطة الدعائية الى جانب اللقاءات الجماعية التي تبدأ بالإغراءات المادية وتنتهي بالولائم الدسمة ذات السعرات الحرارية العالية ، حاولت في رصدي هذه المرة البحث عن اسم لمرشح دون أن يقترن اسمه بالعشيرة فلم أجد في جميع المناطق التي أتحرك فيها ، بينما وجدت من سبق اسمه ( الشيخ ) او ( الشيخ الاستاذ ) او ( الشيخ المهندس ) ، ما يعني ان الجميع يتعكز على العشيرة ويحاول استمالة الناس عبر الدم الواحد النقي ، طبعا ليس بالضرورة الجميع مؤمن بالانتماء العشائري ، لكنهم اتخذوه سبيلا للفوز ، وأكيد عُقدت في مضيف العشيرة لقاءات ، وأطلقت تعهدات ، وأعلن المرشحون لشيوخها عن ولاء مطلق ، والتقطت صور خلفيتها راية العشيرة .
ان المشكلة في التعكز على اللقب العشائري تكمن في ترسيخها للانتماء القبلي بدلا من تفتيته ، ذلك ان المجتمعات المتخلفة تنمو فيها الانتماءات القبلية على حساب الانتماء الوطني ، في حين يقتضي نهوض الأمم تجاوز انتماءاتها الضيقة ، وتعالي الانتماء القبلي يعني تراجعنا الى مرحلة ما قبل الدولة ، بينما تعمل مشاريع الأمم المتقدمة على القفز الى ما بعد الدولة في اطار ما أسميته ( بالمواطنة العالمية ) التي يحاولون صبغ طابعها بثقافتهم وتعميمها على مجتمعات المعمورة .
فكيف يسعى ابن الشيخ أبو حميد لبناء دولة مدنية يُراد لها اللحاق بالأمم الأخرى بينما يؤمن بالقبيلة او يوظفها لخدمة مصلحة شخصية تتمثل بفوزه في انتخابات بلدية ، مع ان القبيلة في حقيقتها وهم له كيان اجتماعي ، ولا تؤمن به سوى الأمم التي مازالت تراوح في مكانها ، فلا دم نقي على الاطلاق ، فقد اختلط الدماء ليس داخل المجتمع المحلي فحسب ، بل وامتدت الى البلدان القريبة والبعيدة . ومع ان محاولات جادة وحثيثة جرت في العراق لتذويب الانتماء القبلي في اطار الانتماء الوطني ، لكن ضعف الدولة واحتياجها لهذا الانتماء بوصفه وسيلة لمواجهة المؤامرات والصمود في الحروب وحلحلة الأزمات أفشل تلك المحاولات ، وعاد بنا الى الخلف قرونا .
في الانتخابات الماضية قبع التجار والمقاولون وأصحاب رؤوس الأموال في مناطق الظل مع انهم دعموا هذا المرشح او ذاك الحزب ، لكنهم في هذه المرة لم يعد الظهور العلني يخيفهم ، او يجلب لهم ما يخشونه ، فاصطفت صورهم الى جانب المرشحين المدعومين منهم ، كما لم يزعج هذا الاصطفاف زعماء الأحزاب الذين اشترك معهم الأثرياء في دعم المرشحين ، فمن أجل المليارات يهون كل شيء ، قيل لي ان أحد الأثرياء خصص ثمانية مليارات دينار لدعم مرشحيه المستقلين والحزبيين ، والسؤال ماذا يبغي أصحاب رؤوس الأموال من وصول مرشحيهم الى مجالس المحافظات ؟ ، والجواب حاضر في أذهانكم كما أظن . أرى ان على رعاة العملية السياسية وحماتها أن يفكروا بعمق في مسألة استثمار الأثرياء بالعملية السياسية ، فلا أظن من كان المال شاغله يحلم بوطن نتباهى به بين الأوطان.
jwhj1963@yahoo.com