أضواء على الخطة الزراعية
جمعـة الدراجي
ان القراءة الاولية لتفاصيل الخطة الزراعية المعلن عنها للموسم الزراعي (2023-2024) يتضح ان الجفاف اصبح امرا واقعيا يلقي بظلاله على قرارات الحكومة العراقية ،بعد ان عجزت الدولة من حسم حصة العراق المائية من الدول المتشاطئة مع العراق ، فالتوصيات التي رفعتها اللجنة المشتركة الدائمة بين وزارتي الموارد المائية والزراعة الى مجلس الوزراء للمصادقة عليها بوقت يسمح للإستعداد بالتهيؤ للموسم القادم ،وان التعليمات لهذا الموسم فيها من التحذير مايجعل المزارع يفكر بالهجرة الى حيث ارض الله الواسعه إن كان يملك سلطانا يمكنه ، فالبعض منهم تبقى آلة المسحاة مركونة وغير ذات قيمة كون بعض الأراضي غير مشمولة بالاستزراع ، إذ تعاملت الحكومة مع الملف بواقعية لكن فيها من المجازفة بالاعتماد على توقعات الارصاد الجوية وهي حلول غير مضمونة ، فالنماذج العالمية المتعددة لتلك الارصاد تسجل تباينا واضحا بين الحين والاخر وتحديثاتها مستمرة التغير .
جملة حقائق
وبينت مصادر ان الانحسار المناخي قد يسجل طفرات غير متوقعة وهذه المجازفة قد تكلف العراق الكثير وهي تضع جملة حقائق امامها من بينها قلة الواردات من دول التشارك المائي ، وفشل المفاوضات مع الجانب التركي الذي يربط ملف المياه مع عدد من القضايا الساخنة منها الملف الامني على الشريط الحدودي بين البلدين ،وقضية الغرامة التي فرضتها محكمة باريس نتيجة الاتفاق التركي مع حكومة الاقلم بتصدير النفط الخام خارج موافقات الحكومة الاتحادية، وفرض ارادات تركية للحصول على مغانم غير مشروعة من نفط العراقي المار عبر اراضيها من خلال انبوب جيهان المتوقف واعتبار الملف المائي مع العراق ملف انساني وهذا مخالف للاعراف والقوانين الدولية للمياه واستخدام المجاري المائية الدولية، باعتبار المياه مورد طبيعي ،والحصول عليه يندرج ضمن حق الانسان في حصول على المياه ، وقد سجلت المنظمات الدولية وهيئات الامم المتحدة التي زارت العراق كوارث انسانية وهلاكات في الثروة الحيوانية والسمكية ونفاذ الوسط البيئي الاحيائي الذي تنطبق عليه الصكوك القانونية الدولية لحماية البيئة ومنها :إتفاقية التنوع البايلوجي لسنه 1993 في حفظ التنوع البيولوجي والاستخدام المستدام لمكوناتة وعناصره والمشاركة العادلة والمنصفة للمزايا الناجمة عن استغلال الموارد الجينية والكثير من القوانين الدولية التي تنصف العراق لضمان حقوقه المائية لدى دول المنبع ،لكن العراق اكتفى بسياسة التكيف مع تلك الدول ولجأ الى تقليل الخطط الزراعية التي تؤدي الى ضعف المنتج المحلي و إفقار السكان . وادراكا من الحكومة بالحاجة لتامين الأمن الغذائي للبلد اصدرت تلك التعليمات امام تصاعد الاسعار نتيجة الازمة الداخلية لصعود صرف الدولار للاسباب السياسية المعروفة وعدم السيطرة على المنافذ الحدودية من قبل الدولة الاتحادية . وعدم ضبط مبيعات البنك المركزي للفئات التي تتعامل مع العملة الأجنبية بدون تهريب او غسيل الاموال والتي تسيطر عليها جماعات متنفذة من داخل الدولة التي كشفتها الجهود المرضية لهيئة النزاهة والقضاء العراقي .
جاءت الخطة وكأنها معدة فقط للمحاصيل الاستراتيجة ، فعلينا معالجة اضطراب الروزنامة الزراعية لتحديد المنتجات الواجب دخولها او منعها ، للحفاظ على السياسة السعرية للمنتج اولا والسماح بأستيراد بعض المنتجات الموسمية التي لا تتوفر او إنتهاء موسمها في البلد ثانيا . ان غياب الدعم في المدخلات للمزارعين امام تحديات غلاء المستزمات الزراعية من بذور وتقاوي وأسمدة ومبيدات ووقود وطاقة كهربائية ومكننة وغيرها ، الا في حالة استخدام التقنيات الحديثة يحتاج مراجعة ،في ظل حراك حكومي بطئ لإستيراد هذه التقنيات ولعدم توفير غطاء مالي لشراء اعداد تكفي لمثل هذه الخطة او حتى نسبة تذكر منها ، بينما القروض التي اعلن عنها هي لم تطلق حتى الان .
وعلى الرغم من مضي سنه كاملة على اعلان الحكومة بالتفكير باستخدامها فهي ما تزال فكرة ورقية لم تباشر وزارة الزراعة مباشرة فعلية للعمل بموجبها والمزارع مطلع على المبالغ المخصصه في الميزانية لهذه السنة والسنوات المقبلة، ولم يجد المبالغ المخصصة التي تؤمن مستقبله القريب للعيش الكريم ، ان رفع المستوى المعيشي للمزارع احد المرتكزات الاساسية لضمان الأمن الغذائي للبلد ، والمواطن العراقي ما زال يتطلع ويأمل من الحكومة صدق نواياها بإستيراد هذا التقنيات والمعالجات الاخرى .وكذلك نتطلع ونترقب حراكا من قبل وزارة الموارد المائية حول تهيئة المشاريع الاروائية وهيكلتها اوتصميمها وفقا للاستخدامات التقنية الحديثة، إلا ان الاعلام الحكومي يطلعنا يوميا عن فعاليات الوزارة على العمل بتكملة او استحداث مشاريع على الطرق القديمة ولم نسمع بان هناك مشاروعا واحدا يتبني طريقة حديثة للارواء على غرار ما اعلن في البلدان العربية المجاورة ، اللهم الا مشاريع للقطاع الخاص مثل مشروعات محدودة المساحات كاستزراع العتبة او لاشخاص ميسورين .
ان مايميز الخطه لهذا الموسم وكما اسلفنا هو إلزام وزارة الموارد المائية باعتماد الخطة الزراعية استنادا الى توقعات الارصاد الجوية وهذا مؤشر على انحسار الخزين المائي المتاح لدى العراق وجعل هذه الخطه واعدة ويتم تحديثها بعد منتصف تشرين الثاني تبعا للحالة الجوية،وفي حالة توفر ايرادات مائية سواء من الهطول المطري او اوردات مائية من دول التشارك المائي . واذا حدث العكس لاسامح الله فان زراعة المليون ونصف مليون المعتمدة على الانهار الرئيسية تكون على حساب الخزين المؤمن للاستخدامات البشرية للموسم القادم وهذا قد يجعل الرية الاولى لزراعة الموسم مؤمنة ، لكنها غير مؤمنة لبقية الريات التالية اذا انحسر الهطول المطري ،ان الرهان الذي تبنته وزارتي الموارد المائيه والزراعة قد لا يأتي في محله ، فالامر لم يكن سهلا اذا لم يستند الى حقائق وبيانات علمية دقيقة فتنفيذ الخطة تشترك فيها قطاعات كثيرة ، وفشلها لا يعني خسارة محصول متوقع فالمبالغ والجهود وغيرها لا تخرج من ميزانية الدولة فقط بل هناك مساهمة كبيرة من جيب المزارع واغلب تلك الاموال مقترضة، ومضامين محرجة اخرى وردت في الخطة منها ان الحكومة غير ملزمة بقبول طلبات التعويض في حال فشل لهذا خطة ،وهو ماينافي القوانين العراقيه التي تجعل من الجفاف او الفيضان من الكوارث الطبيعية،والتي يحتم على ألدولة رعاية المتضررين جراء مثل هذا كوارث .
واخيراً لابد من الاشاره الى ان الخطة قدحت الضوء الاخضر الى سكنة الاهوار بالهجرة البيئية من موطنهم الاصلي (الهور)،وذلك بالتحذير من الزراعة في مناطق الاهوار او المهارب الفيضانية ،فلو جاء هذا التحذير بطريقة مرنة وهي ان تؤمن حصه الاهوار من مياه لغرض انعاشها بدل الزراعة بالمحاصيل وبالامكان الاستفادة بتربية الحيوانيات والصيد بأنواعه فيسكون ذلك هو الاجدي لنجعل لهؤلاء السكان فسحة من الأمل في العيش الكريم.