تحت مجهر الصحافة العراقية
باحثة صينية تكشف عن أسرار مجتمع تشيانغ
حاورها حيدر علي الفتلاوي
ترجمة د . مهتدي الابيض
تدرس الدكتورة يان يوان في جامعة العلوم الماليزية USM كلية الآداب لتحضر اطروحة الدكتوراه حول أقلية تشيانغ الصينية ذات الجذور القديمة ، والعادات والتقاليد التي تحمل في طياتها شيئاً من الاصالة والغرابة ، ومن خلال القاء نظرة خاطفة على بعض الصور التي ارسلتها د.يوان عن المجتمع قيد الدراسة في الصين ، ظهر لنا ان افراد هذا المجتمع يملكون ذوقاً فنياً رائعاً فأزياؤهم تحمل حكمتهم بالاضافة فنهم الجميل ، وكذلك كتابتهم الصورية التي تعتبر مثالاً للكتابة البدائية الرائعة ، وهذا ما شجعنا على اقامة الحوار لسبر اغوار هذا المجتمع التقليدي وقد اعتمادنا تعريف د.يوان بهذا المجتمع ليكون مهد انطلاقة الحديث معها عن دراستها .
- كيف تعرف د.يوان بمجتمع تشيانغ الصيني ؟
يعتبر مجتمع تشيانغ واحداً من ست وخمسين مجموعة عرقية معترف بها رسمياً في الصين ، وهي من نسل شعب تشيانغ القديم ، وهم يشكلون اقلية في جنوب غرب الصين ، اذ يبلغ عددهم نحو ثلاث مئة الف نسمة ، لكنهم ما يزالون يحتفظون بتقاليدهم الوطنية الفريدة ، ويطلقون على انفسهم اسم ( ايرما ) وهو لقب يأتي من خلال اسلوب حياتهم الرئيسي المعتمد على الرعي ، فمجتمع تشيانغ يقرن اسمه احياناً بالنعجة كما يمكن ملاحظة ذلك من خلال الكتابة الصورية الدالة عليهم في اللغة الصينية ، فالنقوش العظمية من ( اوراكل ) تشير الى ان هذه التسمية التي تعني ( الاغنام - والرعي ) اي انها تسمية تحمل معنى مجتمع الرعاة او المجتمع الرعوي ، وهذا المعنى الاصلي للكلمة ؛ لأن مجتمع تشيانغ القديم هم الغربيون القدامى الذين اشتهروا بنمط الحياة الفريدة المعتمد على رعي الاغنام ، لكن هذا المعنى ليس الوحيد فهناك احتمال آخر لمعنى الكلمة ، وهو استخدامهم قرون الحيوانات كأغطية للرأس وهذا باق الى الان فما يزال التشيانغيون يستخدمون المزيد من تلك العناصر في انماط ملابسهم التقليدية .
ويعتبر مجتمع تشيانغ من المجتمعات المنعزلة ذات اللغة المحكية ، اذ ان لغتهم لا تحتوي على حروف للكتابة ، كما يمكن ملاحظة ذلك بكتاب ( شو لو ري ) وهو النسخة الوحيدة المتبقية في العالم ، والتي تبلور حكمة هذه القبيلة وافكارها ، والكتابة التشيانغية تطورت عن رموز واقعية للأشكال الحقيقية ، فحروفهم إلى الان تحمل الرموز التصويرية ، مما يعكس تاريخ ثقافة مجتمع تشيانغ وكيفية تطور الكتابة لديهم وعن تاريخهم فان المخطط الانسيابي الذي جمعته يشير الى وجود علاقة كانت بين عائلة yin وعائلة تشانغ في بلدة yiqu خلال فترة من عام 2000 ق.م وتظهر الاصول القديمة لقبيلة تشيانغ من الفترة بين 256- 1046 ق.م لذا فهي من الاقوام القديمة .
جمال الاسلوب
- ما الذي حثك على دراسة هذا المجتمع التقليدي بالتحديد ؟
انا مهتمة بدراسة العمارة والتراث الثقافي غير المادي لمجتمع تشيانغ ؛ لفرادة وجمال اسلوبهم المعاشي حيث طوعوا البيئة لخدمتهم بشكل فريد ، وهذا هو السبب الرئيسي الذي جعلني اعقد العزم على دراستهم .
- هل وجدتِ شيئاً من الاثارة في دراستك لعمارتهم ؟
طبعاً ، فعلى سبيل المثال تعد قرية ( تاي دي بينغ ) - قلعة الشرق - انموذجاً للهندسة المعمارية ، حيث تشير الى تطويع التشيانغيون لحجر الجبال ، اذ بنيت تلك القرية عام 111 ق.م وكانوا قبلها من قبائل الرحال ، لكن تعرضهم للعنف ألجأهم لبنائها كوسيلة لمقاومة النزاعات والحروب في مناطقهم ؛ بسبب المنافسة الشديدة على الموارد ، وبالنظر لصعوبة الظروف في المناطق الجبلية والاخاديد العميقة ، تم بناء القرية على مرتفعات جبلية في اخر الاخاديد العميقة ، بالقرب من الانهار لغرض الزراعة والرعي ، بالاضافة الى جعلها وسيلة دفاعية ، حيث بنيت القرية باستخدام الحجر المحلي ثم ربطت المنازل ببعضها لتكون بهيكلها العام اشبه بقلعة حجرية متينة التصميم ، وقد اجتازت هذه المباني العديد من الزلازل دون ان تتأثر ، وتحتوي هذه القرية ثلاث ابراج مراقبة مختلفة الارتفاعات ، ولها ثمان مداخل ، وثلاث عشرة ممراً تتصل بشبكة من الطرق لتكون متاهة بين المباني ، وبالتأكيد فان هذا التصميم يضيف الى التحصينات الدفاعية قوة خلال فترة النزاع ، وقد استفادت القرية من الموارد المائية الغنية في منطقة الانهار ، حيث تم توجيه قناتين من مياه الجبال العالية في الاتجاهين الخلفي والامامي للقرية ثم انشأت شبكة من القنوات المائية تحت القرية ، واستخدمت في تحريك اربع مطاحن مائية ، وهناك عدة نقاط لاستخراج المياه من المنازل ، وهذا النظام سهل الوصول الى المياه فاستخدمت بشكل آمن ، ويلاحظ ان تشييد مباني القرية كان وفقاً للتضاريس المحيطة بها ، حيث ترتفع وتنخفض وتتداخل بشكل جذاب مع ارتفاع الصخور وانخفاضها ، كما تحتوي المنازل ذات الطوابق الثلاث والاربع على منصاتٍ وابراج تغطي اسطحها ، وتحتوي هذه القرية على ممرات سرية خارجية وداخلية ، وبالإضافة الى عملية بناء الحجر المتين ذو الالوان المختلفة فان تلك العناصر كوّنت منظراً رائعة وفريداً لقرية ( تاي دي بينغ ) حيث اظهرت روح التصميم والابداع لتكون عمارتها تجمع بين وظيفة الدفاع من جهة ، واحتياجات الحياة ، والخصائص الثقافية من جهة اخرى ، لذا تعتبر هذه القرية تحفة تصميمية تعكس حكمة العمارة لمجتمع تشيانغ .
ايمان ديني
تعد المعتقدات من الامور الاساسية في دراسة المجتمعات التقليدية فبماذا ، وكيف تصفين ديانتهم ومعتقداتهم ؟
يختلف الايمان الديني لمجتمع تشيانغ كثيرا ًعن الديانة الاسلامية في العالم العربي ، فأغلب العرب يتبعون الديانة الاسلامية التي تقر التوحيد بشكله الحازم ، وهنا تكمن نقطة الاختلاف مع مجتمع تشيانغ فهو اكثر تعدديةً وتعقيداً ؛ لارتباطهم الوثيق بالطبيعة وبأسلافهم ، فإيمانهم ينبع من علاقتهم الطبيعة واحترامهم وتقديرهم لبيئتهم المعيشية ، لذا فمجتمع تشيانغ يعبد السماء والارض والجبال والمياه والاشجار ، وحينما تسأل عن سبب عبادتهم اله الجبل ، ستجد انهم يعتقدون انه الاله الذي يحمي القرية ويجلب لها السلام ، كما يعبدون الانهار لأنها تروي الحقول ، اما عن احترام التشيانغيين لأسلافهم فلاعتقادهم بان ارواحهم ستحمي الاجيال القادمة ، وفي الاعياد والمناسبات الخاصة يقدمون الطعام لأسلافهم ، ثم يصلون لطلب حماية تلك الارواح لهم ، كما يعتبر الحجر الابيض مقدساً عند التشيانغيين ؛ لأنه يرمز الى النقاء والجمال والسعادة وان له دوراً في صد الاشرار وحماية المنازل وسلامة الاشخاص ، وكان مجتمع تشيانغ يعبد الثعبان كنوعٍ من العبادة الطوطمية في قديم الزمان ، الا ان هذه العبادة تلاشت بشكل شبه تام ، وعلى الرغم من تلاشيها فمازلنا نرى اثارها في بعض الثقافات والفنون التقليدية ، كما يضع التشيانغيون دوراً خاصاً للساحر فله حق الاشراف على جميع الطقوس الدينية ، ويعتقد ان لديه القدرة على علاج المرضى وطرد الارواح الشريرة ، فعندما تواجه القرية كارثةً او مرضاً يطلب اليه الناس إجراء طقوسه الخاصة للحصول على حماية الالهة .
- لا يخفى على السيدة يوان بأن المجتمع الهندي من المجتمعات التعددية ايضا ، الا ان الهنود لا يشترطون لمفهوم الاله ان يكون خالقاً ، بل هو المقدس الذي يجب احترامه عندهم فهم حين يقدسون البقرة لا لأنها خلقتهم بل لأنها تستحق التقديس وكذلك والجرذان والقردة والنساء التي يعبدونها ، اما بالنسبة للمجتمع اليهودي والمسيحي والاسلامي فهم ينظرون الى الله كخالق ، فهل تعتبر عبادة مجتمع تشيانغ للطبيعة نتيجة لكونهم يعتقدون ان الطبيعة خلّاقة او لأنها تستحق الاحترام فقط ؟
يأتي تقدير التشيانغيين للطبيعة من اعتقادهم بان الطبيعة مليئة بالأرواح والقوى المقدسة ، وليس لديهم فهم مركزي للإله بوصفه خالقاً ، كما في الديانات الابراهيمية ، ولكن هذا لا يعني انهم لا يرون الطبيعة مصدراً للحياة والقوة ، فهم يقدرون الطبيعة لأنها توفر لهم الحياة وتحميهم وتعكس مفهوم القوى المقدسة التي يؤمنون بها ، واعتقد ان هذا الاختلاف طبيعي لأن الاديان والنظم العقائدية تسلط الضوء على التجارب الانسانية وتفاعل الانسان مع العالم من حوله فلكلِ مجتمعٍ نظرة خاصة في القضايا الروحانية ومسألتي الاله والطبيعة ، وتلك القضايا ستوضح بدورها اختلاف الممارسات ، فإليك مثلاً من الديانتين المسيحية والاسلامية والتي يعبد اتباعهما الله الواحد ويؤمنون به خالقاً وهو مفهوم مركزي في هذه الاديان ، لكن حتى في هذه الديانات هناك مجموعات واسعة من التفسيرات والممارسات التي تعكس التنوع الثقافي والجغرافي .
دور الكهنة
- اذن فمجتمعهم لا يحتاج كثيراً الى الكهنة فقد افرزوا ما يحتاجون اليه من العقائد التي يؤمنون بها ؟
انهم يؤمنون بدور الكهنة ويعتبرون الكاهن زعيماً دينياً في مجتمع تشيانغ ويعرف بــــ» shibi “ وهو مصطلح يشير الى الشخص الذي يجمع بين وظائف الكهانة ، والقرب من الاله بحيث يمكنه طرد الارواح الشريرة ، وتفسير الامور الغامضة ، وتحديد ايام العبادة ، وعلاج الامراض والكوارث ، واداء الاغاني والرقص والعزف وحتى الاداء المسرحي والى جانب ذلك فهو شخص ملم بعلم الفلك والجغرافية كما يعرف الوصفات السرية للأعشاب الطبية وبنية الجسم البشري ويتقن مختلف التقاويم ولديه مهارات معينة في ( التشي غونغ ) – ثقافة طاقة الحياة - وعلى الرغم من انه لا يقرأ الكتب الا انه ينقل المعرفة ، وهو شخص لا يتخلى عن وظيفته حيث يعتبر معلماً شعبياً عندهم .
كيف يكون الزواج في مجتمع تشيانغ ؟
يتضمن الزفاف اساساً مراسم الخطوبة والزواج ، وهم يطلقون في العادة على الوسيط تسمية « السيد الاحمر « فعند اعجاب الرجل بالفتاة يقوم بإرسال السيد الاحمر مع الهدايا لطلب يدها ، ولكن يجب الحصول على موافقة خال الفتاة على الزواج ، وبمجرد حصول الموافقة منه سيقوم السيد الاحمر بإحضار هدايا مثل اللحم والخمر الى منزل الفتاة ثم يقوم بتحديد تاريخ مناسب للزواج ، وبعد ذلك سيقام حفل خطوبة رسمي في منزل الفتاة ، وبعد الخطوبة تبدأ العائلتان بالتحضير لحفل الزفاف والذي يتضمن احتفاليات « ليلة الفتاة « و « ليلة الرجل « والتي تقام في الليلة السابقة ليوم الزفاف وتشمل هذه الاحتفاليات وجبات طعام غنية ، ومسابقة في الغناء ، ثم تقام العديد من الطقوس في ليلة الزفاف مثل تقديم القرابين للآلهة ، والتحية للأجداد والوالدين ، في تلك الليلة جميع الضيوف يحتفلون حول نار مشتعلة ، ثم يقوم الزوجان بزيارة « العودة الى البيت « فتقضي العروس فترة في منزل اهلها قبل ان تبدأ حياتها الجديدة ، وعلى الرغم من ان مجتمع تشيانغ لديه بعض المشتركات مع الثقافة العربية ، فقد تظهر بسبب الفروقات الثقافية والدينية اختلافات كثيرة في التفاصيل والممارسات ، فالرجل الاحمر في ثقافة تشيانغ ، وكبار السن في الاسر العربية ، يلعبون دور الوسطاء في الزواج ، وكذلك فان كلا الجانبين لديهم تقاليد الخطوبة وتقديم الهدايا ، ولكن قد تختلف اشكال الهدايا وطبيعة الاحتفال ، كما يمكن القول ان الدين يحتل مكانة مركزية في حفلات الزواج العربية وبالخصوص في عقد النكاح عند المسلمين ، في حين ان التشيانغيين لديهم طقوسهم الخاصة مثل « تعليق الاحمر» ، ثم ان المجتمعين يوليان اهمية كبرى لوجبة العشاء بعد الزواج وهذا تشابه مهم لكن الفروق الاهم تكمن في اول ليلة للزوجين الجدد بين الثقافتين ، وذلك فيما يتعلق بالتقليد المعروف « بالعودة الى البيت « فهو موجود في الثقافة التشيانغية ولكن هذه الممارسة قد تختلف عند العرب بحسب المنطقة والثقافة .
هل لهم طقوسهم المميزة عند ولادة الاطفال ؟
بالتأكيد ، فعند حمل المرأة يجب على الزوج ان يحمل الهدايا ويذهب الى منزل حماته لإعلامها بالخبر السار ، ثم يأتي الاقارب والاصدقاء لزيارة الام الحامل ، وهم يحملون اليها الهدايا المتواضعة كالملابس والرز والبيض والشعرية ، لكن هناك عادة تتمثل في تعليق حذاء او جزمة امام الباب بعد ولادة الطفل فاذا كان المولود فتاة يكون وجه الحذاء الى الاعلى واذا كان صبياً فيكون وجهه الى الاسفل ، وهذه العادة تظهر في مناطق محدودة لتواجدهم وليس عند الجميع ، لكن بعد ولادة الطفل يقوم التشيانغيون باستدعاء « سيبي « وهو الكاهن الذي يشتهر بمعرفة التنجيم والتنبؤ لإداء الطقوس ، كما يتجنب التشيانغيون في هذه الفترة دخول الغرباء الى المنزل ، اما بالنسبة للقب العائلي والذي هو مشهور في ثقافة الاسرة الصينية ، وعادة ما يتبع الطفل لقب والده ولكن طريقة اختيار الاسم تختلف باختلاف العادات فبعضهم يستشير الــ» سيبي « لاختيار الاسم والبعض الاخر يترك الامر للأجداد ، او يختاره بناءً على رغبته الشخصية ، وعندما يبلغ الطفل» شهره الاول « او «عامه الاول « يجب على العائلة ان تقيم وليمة احتفالية ، للأقارب والاصدقاء وتعرف هذه الولائم بــــــ» عصير شهر « و» عصير عام « ثم يقيد الطفل بعقدة حول رقبته تسمى « قفل العمر «لحمايته من الشرور ، ولدفع الامراض ولضمان سلامته وصحته ، كما انهم يلبسونه بعد ذلك قبعة تدعى « قبعة رأس النمر « وهي مميزة بأشكالها والوانها .
قد يتطير الناس من فعل شيء ما الى حد التحريم ، وهنا في العراق لدينا مصطلح اجتماعي خاص بهذا التحريم فهم يقولون ( ما يصلح ان تفعل كذا ) فهل لاحظت ذلك في مجتمع تشيانغ ؟
هناك بعض المحرمات في الثقافة الشعبية لهم فموقد النار يعتبر مقدساً ولا يجوز عبوره او الجدال بجواره ، او حتى الحديث بكلمات تحمل سوء الحظ ، وهناك فروق في الاماكن التي يجلس فيها الرجال والنساء بجوار موقد النار ، والجلوس في المكان الخطأ سيثيرُ حتماً غضب اله النار . كما ان لهم عادة غريبة تتعلق بالمرض فعندما يمرض شخص في المنزل ، يفضل عدم استقبال الزوار ؛ ولذا يتم وضع كرسي خارج الباب ؛ لمنع الناس من الدخول .
وفي اليوم الاول من الشهر الجديد يجب ان تكون الاصوات هادئة ولا يجوز استخدام الملقط والحبل والسكين ، كما يمتنع الناس من المشاركة في الانشطة الدينية المهمة ، وفي يوم الزفاف لا يجوز للنساء الحوامل المشاركة ويمنع عليهن دخول غرفة العرسان الجديدة ، حتى لا تؤثر بشكل سلبي على العرسان الجدد ، وعندما تغادر العروس منزلها يجب الا تنظر الى الوراء حتى لا تجلب الحظ السيء او تفقد الثروة ، كما يمنع على النساء في فترة الولادة دخول المطبخ وحتى قبل ان يبلغ الطفل شهراً واحداً ، والا ستثير غضب اله المطبخ واله المنزل ، فهذه كلها محرمات نتجت عن العادات والتقاليد التي تمنع سلوكاً محدداً لا لسبب مقنع ، الا انها موجودة في الواقع من ضمن معتقداتهم .
كيف يكون نظامهم العائلي ؟
تعتمد الاسرة التشيانغية بشكل اساسي على نظام الرجل والمرأة الواحدة ، والنظام الابوي البيتي حيث يتألف منها ثلاث اجيال كالأجداد والاباء والاحفاد او جيلين كالآباء والابناء ، وكل منزل يعد وحدة انتاجية لأن الجميع يعملون وذلك بالاضافة الى اعتبار المنزل موطن للحياة والمعاش ، فبعد زواج الابن يتم تأسيس منزل منفصل له والابن الوحيد او الاصغر يعيش مع الوالدين ، فالأب هو الذي يقوم بتنظيم وادارة الحياة الاقتصادية في الاسرة واتخاذ قرارات الزواج ومسائل الارث وتنظيم الانشطة الدينية والاجتماعية الخارجية او المشاركة فيها ، اما الام فتشارك بشكل رئيسي في الانتاج واعمال المنزل .
ولما كان للنظام العائلي دور هام في الزواج وبناء الاسر الجديدة ، فقد منح هذا النظام للخال مكانة متميزة وجعل له دور مهم في بناء الاسرة حيث يجب الحصول على موافقته مسبقاً في مواضيع الزواج ، وفي حالة وفاة الام يجب الحصول على موافقته لدفنها ، كما يمنحه النظام العائلي مهمة تقسيم الارث ، ويتحمل مسؤولية تربية وتأديب الاجيل الصغيرة والعناية بها ، وهنا يكمن الفارق بين مجتمع تشيانغ والمجتمع العربي الذي لا يمنح الخال هذه المكانة على الرغم من مكانته .
من خلال حديث السيدة يوان يبدو أن هناك الكثير من العادات والتقاليد المشتركة بين المجتمع العراقي ومجتمع تشيانغ الصيني ، لذا عليّ ان اسألك ، كيف تنتقل العادات والتقاليد بين المجتمع العراقي ومجتمع منعزل في اعالي جبال الصين ؟
هناك بعض الجوانب البشرية الاساسية كالعائلة والزواج والاولاد والموت ، وهي جزء لا يجتزأ من حياة الانسان بغض النظر عن ثقافته او جنسيته وهذه الجوانب يمكن ان تؤدي الى وجود عادات مشابهة لتلبية هذه الاحتياجات والجوانب البشرية الاساسية ، وقد تنتقل هذه العادات بين الشعوب المختلفة نتيجة للتجارة والهجرة والغزوات والاتصالات الثقافية ، فتكون هذه الامور عوامل مساعدة على انتقال بعض العادات والتقاليد من ثقافة الى اخرى .
على الرغم من علمية هذا الرأي لتحليل تشابه العادات المشار له بين المجتمعين ، لكن الا تعتقدين ان احتلال هولاكو للعراق شكّل قناة لنقل العادات الاجتماعية بين الاقوام التي اصبحت تحت نفوذه ؟
بعض المصادر التاريخية تشير الى الامبراطور « قوبلاي خان « مؤسس سلالة يوان ، والذي اتسعت الصين في عهده لتشمل اسيا الوسطى واجزاء من الشرق الاوسط ، ان هذا الامبراطور الذي يدين بالبوذية كان منفتحاً على الاديان الاخرى وخاصة الديانة الاسلامية ، وهذه استراتيجية سياسية فضفاضة الى حد ما ، حيث سمحت لمختلف الجماعات العرقية والدينية بالحفاظ على تقاليدها وعاداتها ، وربما سهلت هذه الاستراتيجية عملية تبادل العادات بين المجموعات العرقية والديانات المختلفة ، ثم ان حكم الامبراطور « قوبلاي « هو الذي ادى الى احياء طريق الحرير التجاري القديم الذي ربط بدوره الشرق والغرب وساهم في تبادل الثقافات والديانات والعادات ، وكانت سيتشوان نقطة هامة على هذا الطريق ، فلها تواصل عميق مع منطقة الشرق الاوسط ، بينما كان العراق يقع في حوض النهرين في العصور القديمة ، وكان احد مواقع بزوغ الحضارات القديمة التي لها تاريخها وثقافتها الغنية ، وربما اندمجت تلك الثقافات مع بعضها خلال فترة التواصل القديمة .
ولكني اعتقد ان العوامل التاريخية وحدها غير كافية ، ومن الممكن جداً ان تكون هناك عوامل اخرى تؤدي الى هذا التشابه ، فبالمرتبة الاولى يجب ان نلاحظ ان الخلفية الدينية لقومية سيتشوان والمسلمين في العراق مختلفة الى حد كبير ، الا ان لديهم موضوعات مشتركة مثل احترامهم للحياة والموت الاسرة والمجتمع ، وهذه المفاهيم الدينية المشتركة ستؤدي عبر الزمن الى وجود بعض العادات والطقوس المتشابهة كما قلنا ، وثانياً ينبغي علينا ملاحظة ان الاسرة والمجتمع يحتلان مكانة مركزية في الثقافة والعادات ، وقد يؤدي التركيز عليهما الى وجود بعض العادات المتشابهة في مجتمعات مختلفة ، اي ان التشابه يكون من خلال افرازات المجتمع الذاتية بسبب مكانة الاسرة والمجتمع .
هل تتضمن طقوس الدفن في مجتمع تشيانغ شيئاً مميزاً ؟
تتضمن طقوس الدفن لدى مجتمع تشيانغ حرق الجثث ودفنها تحت الارض او في الصخور احياناً ، لكن عادة حرق الجثث اقدم تاريخياً من الدفن ، فلكل عائلة مقبرة خاصة لحرق الجثث في معظم المناطق ، لكن بتشجيع الاسرة الفودائية الحاكمة ، اصبح دفن الجثث تحت الارض هو الطريقة الرئيسية للدفن ، وهذه العادة مستمرة الى الان ، ومن عادة كل قرية المساعدة في ترتيب شؤون الوفاة دون دعوة ، فالعائلة المكلومة يجب عليها ابلاغ الاقارب في الوقت المناسب وابلاغ عائلة الام عن الحالة قبل وبعد وفاة الشخص ، وطلب القربان ، وتحديد تاريخ الدفن ، وبعد ثلاث ايام عادة يدفن الفقيد في مكان مقدس ، ويجب على افراد العائلة ان يشعلوا ناراً امام القبر الجديد ، ثم يحرقون الاغصان ويقدمون البخور والكحول واللحوم وبعد ثلاثة ايام من الدفن يقدمون المزيد من القرابين ، ويقومون بترتيب المقبرة ، ثم تنتهي طقوس الدفن في الصخور ، لكن في بعض مناطق سيتشوان اعتاد الناس انه اذا توفي الطفل قبل بلوغه الثالثة يتم وضع جثته في برميل او صندوق خشبي بسيط ثم يدفن في كهف جبلي .
ان عادة دفن الاموات في الاماكن المقدسة قد تعتبر من الامور المشتركة ايضا ، فلماذا يدفن التشيانغيون فقيدهم في مكان مقدس ؟
التشيانغيون يعبدون الالهة الطبيعية كإله الجبل واله الماء واله الشجرة ويعتقدون ان هذه الالهة يمكنها حمايتهم في حياتهم ، وحماية ارواحهم بعد مماتهم ، كما يعتقدون ان اختيار مكان مقدس للدفن يمكن ان يضمن حماية الروح من قبل هذه الالهة ، وهناك مفهوم شائع في الثقافة الصينية وهو مفهوم ( فنغ شوي ) والذي يؤمن به مجتمع تشيانغ ، ويشمل الاعتقاد بان اختيار مكان جيد للدفن يمكن ان يجلب الحظ الجيد للأجيال القادمة والرفاهية للعائلة .
هل يعتقد التشيانغيون بالسحر ؟
انهم يؤمنون ببعض الظواهر الخارقة للطبيعة مثل الطاقة السلبية والسحر في بعض الحالات ، فاذا تعرض شخص ما للمصائب او المرض فان ذلك ينتج عن تثير هذه الطاقة السلبية او السحر برأيهم ، ولطرد هذه الطاقة السلبية او علاج المرض قد يلجؤون الى المشعوذين او الكهنة للحصول على المساعدة واجراء طقوس دينية معينة ، وعند ذلك يجيئون بالطبيب الساحر الذي له فنونه الخاصة للعلاج ، وان كان المرض شديداً فسيتم وضع المريض مستلقياً على السرير او بجانب الموقد ، ويأخذ الكاهن قطعة ملتهبة من الحديد ويقف عليها بقدميه ، ويبدأ بالرقص ثم يضع قدمه على بطن المريض ويمسح بها بلطف من الاسفل الى الاعلى ثلاث مرات ، ويعتبر الوقوف على قطعة الحديد الملتهبة احد اهم طقوس السحر التي يستخدمها كهنة مجتمع تشيانغ لطرد الارواح الشريرة ؛ لان النار والحديد باعتقادهم يمكن ان تطرد الارواح الشريرة ، فالارواح الشريرة تخاف من الحديدة الملتهبة ، ومن خلال هذه الطقوس يستطيع الكاهن ان يجعل الروح المريضة تغادر الجسد ، وليست هذه الطقوس وحدها التي تعالج المرضى فهناك طقوس دينية تعرف « بذبح الخروف للتكفير عن الذنوب « فعند اجراء هذا الطقس ، تصنع دمية من العشب ويتم ارتداء ملابس المريض وقبعته وحذاءه ، ثم يجلب الخروف والدمية الى مكان الحرق ، وهناك يقوم الكاهن بإداء الطقوس وتلاوة التعويذات وذبح الخروف وحرق الدمية ، مما يشير الى ان الخروف قد دفع الثمن نيابة عن الشخص ، وان الدمية قد حملت الشياطين بعيداً عن الخروف ، وفي هذا الطقس لا يسمح لأقارب المريض بأكل لحم الخروف ، وعند العودة يقوم الكاهن باستدعاء روح المريض الى لحظة وصوله الى باب المنزل ، فيستدعي اله الباب لفتحه ويسأل « هل عادت الروح « فيجيب الاشخاص داخل المنزل عادت ، ويتم تكرار السؤال ثلاث مرات وبعد ذلك تكون الطقوس الدينية قد اكتملت وهذه الطقوس هي الاكثر شيوعاً لطرد الشياطين وعلاج الامراض .