الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
العباس بن علي .. سفر الوفاء والكرامة

بواسطة azzaman

العباس بن علي .. سفر الوفاء والكرامة

حسين الزيادي

 

كان ابا الفضل العباس بن علي رائداً من رواد ملحمة الطف الخالدة ورمزاً للفضائل والمكارم ونبراساً للأخوة، وأنموذج انساني يحتذى به في استلهام معاني الوفاء العقائدي والأخلاقي، لذا برز العباس بن علي ( عليهما السلام ) على مسرح التاريخ الاِسلامي بثقة واقتدار بوصفه قائداً فذاً لم تعرف له الاِنسانية نظيراً في بطولاته النادرة، وأبدى يوم الطف من الصمود الهائل، والارادة الصلبة ما يفوق الوصف وتعجز عنه الكلمات، فاحتلّ  بذلك قلوب العظماء ومشاعرهم، وبنى للمسلمين عزّاً شامخاً، ومجداً ضارباً، وصار أنشودة الاَحرار على امتداد الزمان، لما قدمه من عظيم التضحية أتجاه اخيه سيّد الشهداء الإمام الحسين عليه السلام، رافضاً زخرف الدنيا وعروضها السخية التي قدمت له على طبق من ذهب قبيل المعركة واثنائها ، فقد واسى أخاه أبا الأحرار في أيام محنته الكبرى، وفداه بنفسه ووقاه بمهجته، ولاشك أن تلك المواساة لا يقدر عليها إلاّ من امتحن الله قلبه للإيمان.

كان العباس رجلاً وسيماً جسيماً عالماً عارفاً، امتاز بميزات تفوق بها عن غيره، فقال عنه الامام جعفر الصادق عليه السلام: (كان عمُّنا العباس بن علي نافذ البصيرة، صلب الإيمان، جاهد مع أبي عبد الله، وأبلى بلاءً حسناً، ومضى شهيداً) فكان برباطة جأشه وقوّة عزيمته جيشاً لا يقهر وانتصر في ثورته الخالدة ، وانتصرت أهدافه ومبادئه العظيمة ، وظلّ مثالاً خالداً للكفاح المقدّس يطارد الظالمين والطغاة في كل عصر وزمان.

 ويمدّ الثوّار بروح التضحية والاباء، ومثَّل أبو الفضل العباس ( عليه السلام ) في سلوكه مع أخيه الاِمام الحسين ( عليه السلام ) حقيقة الاَخوّة الاِسلامية النقية الصادقة، بكل قيمها ومثلها العليا.ومن ألقابه المشهورة عليه السلام ( حامل اللواء ) وهو أشرف لقب خصه به اخيه ابا الاحرار دون أهل بيته وأصحابه ، وذلك لما تتوفر فيه من القابليات العسكرية فهو الرجل الثاني بعد اخيه الحسين عليه السلام، ويعدّ منح اللواء في ذلك العصر من أهمّ المناصب الحسّاسة في الجيش وكان هذا اللواء يرفرف على رأس الإمام الحسين عليه السلام حتى اللحظات الاخيرة من استشهاد ابا الفضل العباس، ولايخفى ان حمل اللواء مكرمة عظيمة للفارس الشجاع وهو لا يعقد إلاّ لمَنْ عُرف بالشجاعة والشهامة  والنبل والشرف ، واعطاء الراية للعباس عليه السلام يشير الى مكانة ابي الفضل اولاً ، ولان الجيش ينظر الى حامل الراية فيستمد منه العزم والثبات وبقاء الراية شامخة يعني بقاء القائد وقد قال الامام علي عليه السلام في وصيته الى قادة جيشه (ورايتكم فلا تميلوها ولا تخلوها ولا تجعلوها إلا بأيدي شجعانكم والمانعين الذمار فيكم فإن الصابرين على نزول الحقائق هم الذين يحفون براياتهم ويكتنفونها وحفافها ووراءها وأمامها لا يتأخرون عنها فيسلموها ويتقدمون عليها فيفردوها ) وهذهِ الوصايا والتّعليماتُ تركّزُ على أمرٍ في غايةِ الأهمّيّةِ، وهوَ: أنَّ اللواءَ هو قطبُ المعركةِ وموضعُ كاشفيّةِ المُقاتلينَ وطبيعة روحِهم المعنوية، وهوَ ممّا يُحقّقُ آثاراً عديدة في سيرِ المعركة،  وتأسيسا على ما تقدم فالعباس كانَ يتميّزُ بالخصوصيّاتِ التي حدّدَها الإمامُ أميرُ المؤمنينَ عليٌّ بنُ أبي طالبَ عليهما السّلام في وصيّتِه لقادةِ الجيشِ، فضلاً عمّا تميّزَ بهِ مِن خصائصَ عديدةٍ كشفَها حاله في المعركةِ حينَما برزَ إلى القومِ في تلكَ المعركةِ.ولم يكن حمل اللواء غريباً على ابي الفضل فهو من اهل بيت كرموا بهذه المكرمة فأبيه الامام علي كان حاملاً للواء الرسول محمد صلى الله عليه واله وسلم، وكان عمه جعفر بن أبي طالب شهيد مؤتة حاملاً للواء الإسلام في قتال الروم فقطعت يداه فحمل اللواء بما بقي من عضديه ثم طعن فسماه رسول الله بذي الجناحين يطير بهما في الجنان .

إن ما كان يتمتع به أبو الفضل العباس عليه السلام من سمات القيادة والفروسية والبأس والشدة والقوة التي جربها الأعداء من قبل حينما كشف ميمنة الجيش المقابل وقد تكاملوا خمسمائة فارس كان ذلك بحد ذاته يشكل نصراً استراتيجيا.

لقد اقام ابا الفضل العباس صروح الحق في دنيا العرب والاِسلام وشيد للمسلمين مجداً شامخاً بنصرة اخية الحسين عليه السلام ، لذا فان شجاعة أبي الفضل وسائر مواهبه ومزاياه مما تدعو إلى الاعتزاز والفخر ليس له وللمسلمين فحسب ، وإنما لكل إنسان يدين لإنسانيته ، ويخضع لقيمها الكريمة ، فقد انطلق أبا الفضل إلى ميادين الجهاد مسرعاً ملبياً نداء الاسلام من أجل أن ترتفع كلمة الله تعالى عالية خفاقة في الاَرض، ويترسخ منهج الحياة الحرة الكريمة ، فسلام الله عليك أبا الفضل ، وحسبك أنّك كنت انموذجاً رائعاً لشهداء الطفّ الذين احتلّوا قمّة الشرف والمجد في دنيا العرب والاِسلام.

 


مشاهدات 404
أضيف 2023/07/24 - 4:36 PM
آخر تحديث 2024/07/18 - 10:50 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 247 الشهر 8236 الكلي 9370308
الوقت الآن
الجمعة 2024/7/19 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير