الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
سعد البزاز الأب الروحي لأسرة صحفية واعلامية 

بواسطة azzaman

سعد البزاز الأب الروحي لأسرة صحفية واعلامية

رياض عبد الكريم

معرفتي بالاخ الاستاذ سعد البزاز تكاد تكون محدودة ، ولكنها عميقة من حيث الشعور المتبادل ، والمواقف المبدئية ، فقد التقيت به مرات قليلة ، كانت بداياتها في المؤسسة العامة للاذاعة والتلفزيون وعلى ما أتذكر عام 1973ــ 74 من القرن الماضي ، كنت حينها المدير الفني لمجلة الاذاعة والتلفزيون ومحررا فيها ، وكان هو يعمل في القسم الثقافي لاذاعة وتلفزيون العراق ، كنت ازوره في مكتبه في بناية مقابل مبنى الاذاعة والتلفزيون اصبحت فيا بعد معهد التدريب الاذاعي والتلفزيوني ، وزياراتي تلك كانت تنحصر مهماتها في اخذ بعض الاخبار والتقارير المتعلقة بالنشاطات الثقافية التي تعرض من تلفزيون العراق ويبث البعض منها في الاذاعة ، وغالبا ما كانت هذه الزيارات تتسم بودية الاحاديث وروح المجاملة الانيقة التي تتخللها احيانا اللهجة المصلاوية في بعض مفردات الاخ ابا الطيب عندما يتحدث ، كنت حينها اشعر بالبهجة والسرور وانا استمع منه لبعض الكلمات التي تحمل شيئا من اعجابه وتقديره لنشاطي الصحفي.

ومشجعا لي بالاستمرار سيما وانه يعرف من انني ادرس الصحافة اكاديميا في كلية الاداب ، في وقت لم تكن للصحافة دراسة اكاديمية بمستوى شهادة البكلوريوس ، وكانت تربطه بالمرحوم زهير الدجيلي رئيس تحرير مجلة الاذاعة والتلفزيون علاقة صداقة متينة وطيبة ، وغالبا ماكان ينشر له قصصا قصيرة في المجلة كنت اهتم بأخراجها وافرد لها مساحات واسعة معززة بالرسوم من قبل الفنان المبدع محمد فرادي . واتذكر انني قرأت مجموعتين من القصص لابي الطيب صدرتا في اوائل او منتصف السبعينات الاولى عنوانها الهجرة ، والثانية لا اتذكر عنوانها .

ترقب وانتضار

عصر يوم السابع عشر من نيسان عام 1988 ? كنت عائدأ لمكتبي في دار الشؤون الثقافية ــ افاق عربية سابقا ــ ، بعد انتهاء فترة استراحة الظهيرة ، وكانت الاجواء في البلد تحبس الانفاس وتجبر على الترقب والانتظار ، ذلك ان الجيش العراقي قد باشر بشن هجوم عنيف ومخطط له لاسترجاع مدينة الفاو من القوات الايرانية التي احتلتها عام 1986  وكنت حينها استمع الى الراديو في سيارتي متابعا للاخبار ، وفجأة يعلن المذيع عن قطع البرامج منوها الى ان بيانا مهما سيصدر بعد قليل ، لحظات ويعلو صوت االمذيع مقداد مراد معلنا تحرير الفاو بالكامل واستعادة الارض العراقية ، وتوج هذا الخبر بعبارة " الفاو مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم " ، لاشعوريا امتدت يدي لمسك قلم كنت احتفظ به في السيارة ودونت العبارة . وانتابي حينها شعور حماسي وكأني اشاهد عملية التحرير كما لو تكون شريط سينمائي يعرض امامي ، حين وصلت للدار توجهت مباشرة الى المطبعة دون ان امر على مكتبي  وانا مشبع بالافكار التي اخذت تتفاعل معي طيلة اكثر من عشر ساعات متواصلة تمخضت عن طبع واصدار بوستر قياس 100ــ 70 سم حمل العبارة التي سجلتها في السيارة " الفاو مدينة الفداء وبوابة النصر العظيم ودون ان اخبر احدا بذلك بما فيهم المدير العام د محسن الموسوي لحين انتهاء الطبع ، وصار حينها ايقونة التحرير، اذ تم توزيعه  وتلعيقه على معظم جدران معرض مهرجان بغداد العالمي للفن التشكيلي الذي توائم صدفة مع يوم تحرير الفاو ، وكانت مفاجئة كبيرة ان يصدر هذا البوستر في نفس يوم التحرير ، لكن للاسف لم تدم فرحتي بهذا الانجاز . لان القيل والقال قد انتشر بعد ان انتشرت قصة البوستر وذاع صيته وروج بعض المشوشرين اشاعة مفادها ان البوستر ليس فيه صورة صدام ويخلو ايضا من اية اشارة له ، وعليه تم رفع البوستر واخفاؤه .

المهم وهذا ماأردت ان اصل اليه :

في الليلة الثانية للتحرير ، رن الهاتف في منزلي ، واذا بالمتحدث سعد البزاز ، وكان حينها مدير عام الاذاعة والتلفزيون ، وبعد السلام الودود والتحية والاستفسار عن احوالي معلقا "كنت مازلت مبدعا ومتألقا في اعمالك ولي حديث اخر معك قريبا حول مشروع كتاب يخصني " واضاف انظرالى شاشة التلفزيون الان ، وتحول فجاة حديثه مع شخص اخر يبدو في اتصال داخلي اخبره بأن يعرض البوستر الان مع اغنية وطنية ، ونظرت الى التلفزيون وخط الهاتف مازال مفتوح بيننا ، واذا بالكاميرا تتجول ببطء شديد في مساحة البوستر ، وسمعته يقول لمن يتحدث معه " انزل بالكاميرا الى اسفل البوستر وعلى اليمين" وهي المساحة الصغيرة التي حملت عبارة الفكرة والتصميم رياض عبد الكريم ، وبقي البوستر مرافقا للاغنية وتكررعرضه لايام عديدة ، حين اغلقت الهاتف وانا فرح بمبادرة البزاز الجميلة ، تساءلت مع نفسي ، اية قدرة لهذا الرجل ان  يتجاوز كل ماقيل عن البوستر ومنعه من العرض وبصراحة ان الذي قيل كان ممكن ان يسبب لي مشكلة كبيرة ، وخفت حينها ان لاتسبب للبزاز اية احراجات او زعل ، ولا اعراف مالذي حصل بعد ذلك . وفكرة البوستر لخصت تحرير الفاو ومابعدها بثلاث مراحل ، القاعدة السفلى وباللون الاحمر لقتال واشتباكات واشارات لتقدم الجيش العراقي ، المرحلة الوسط العلم العراقي مرفرفا بحركة توحي بالانتصار ، المرحلة الثالثة وهي الاعلى حمامات بيضاء تطير في الافق بمعنى دلالات السلام وتوقعات نهاية الحرب

اسابيع تمر واتصال هاتفي اخر من سعد ، يخبرني من انه ارسل كتاب له الى مديرية النشر في الدار واوصاني بالاهتمام به وبغلافه ، وفعلا استثمرت اهميتي في الدار وعجلت في اصدار الكتاب بعد ان اهجدت نفسي بصميم غلاف جميل له وكان عنوانه على مااتذكر الساعة 6.30 متناولا فيه قصة تحرير الفاو ، حين صدر تقليت منه الشكر الجزيل والاعجاب الكبير بالغلاف وتصميم الكتاب ، وفاز غلاف الكتاب بالمرتبة الاولى في مسابقة افضل تصميم غلاف كتاب التي اقامها نادي الكتاب في الدار.

نشاطات الدولة

تقلصت لقاءاتي بالبزاز ، وكنا نلتقي قليلا فبي بعض الاجتماعات الرسمية وفي بعض زياراته القليلة لدار الشؤون الثقافية ، وصادف ايضا حصول احداث الكويت التي انعكست سلبا على معظم نشاطات الدولة وحتى حركة الناس ، الا ان الحرب الامريكية على العراق عام 91 اعادت هذه اللقاءات مجددا ولو بشكل متقطع وقليل ، اذ اقر رسميا حينذاك ان يكون مبنى دار الشؤون الثقافية ، الموقع البديل لوزارة الاعلام ، وكان لزاما على المدراء العامين التواجد في الدار مساءا وبعد انتهاء الدوام الرسمي ، بحضور وزير الاعلام انذاك لطيف نصيف جاسم ، كان حضور البزاز متقطع بسبب واجباته اليومية ، وكنت التقي به على انفراد وتجمعنا احاديث الالم والترقب واحيانا الرعب من الوعود الامريكية التي تنذر بشن الحرب على العراق ، وكان واضحا على ملامحه الاستياء وعدم الرضى مما اليه الظروف .

وبعد الحرب انقطعت اللقاءات نهائيا وعرفت ان سعدا قد غادر العراق وأقام في عمان الاردن ثم انتقل الى لندن ، وفي هذه الفترة تقاعدت عن العمل واسست مؤسسة للطباعة والتصميم والنشر وتفرغت كليا لمتابعة العمل اليومي ، لكني عرفت ان ابا الطيب قد اصدر جريدة بأسم الزمان في لندن .

بعد عام 2003 ? والفوضى تعم البلد وكل شيء فيه مرتبك وغير واضح المعالم والمصير ، وتوقفت كل المصانع والاعمال ، وتحفظ كل رجال الاعمال والاثرياء على ممتلكاتهم واموالهم ، وانتاب الخوف والقلق عموم الناس كونها لاتعرف ماهو مستقبل البلد وماهو المنتظر، همها الاول هو توفير لقمة العيش والحفاظ على السلامة والامان ، واذا بسعد يقتحم كل هذه الاجواء مجازفا متحديا كل الظروف ليعلن نيته باصدار جريدة يومية سياسية تصدر من بغداد ، وبدأ بالفعل جمع الكوادر الصحفية المتمرسة والتي عملت معه في جريدة الجمهورية عندما تولى رئاسة تحريرها سابقا ، بل فسح المجال لمعظم الصحفيين الذين عطلتهم القرارات الامريكة بعدما اوقفت الصحف التي كانوا يعملون بها في مبادرة منه لمساعدتهم والوقوف بجانبهم في وقت العوز والحاجة ، كنت انا خلال هذه الفترة منشغلا بأدارة العمل في مؤسستي ، وقليل التنقل بين الاماكن خشية وخوفا من غير المحسوب له ، ولم التق سعد لكني كنت متابعا لكل نشاطاته ، وفرحا بمبادراته الطيبة ولم تمض سوى اشهر بعد انتهاء الحرب من نفس العام  ،حتى صدرت الزمان بطبعتها العراقية لتتوائم مع طبعتها الدولية ، وطبعت باديء الامر في مطبعة الاديب البغدادية ، وكان الصديق العزيز هيثم فتح الله وهو ابن الراحل فتح الله اسطيفان عزيزة صاحب المطبعة هو المشرف على عملية الطباعة ، وهو ايضا صديق مقرب لسعد ، وكنت حينها استقي معظم اخبار سعد والجريدة من هيثم ويرسل لي نسخة من صدورها اليومي ، وكان لصدور الصحيفة ومبادرة البزاز بمنح فرص العمل للصحفيين صدى طيبا وشعورا بالامتنان لتلك المبادرة ،تتوجت بنشر اسماء الكتاب على الصفحة الاولى والذي يتجاوز عددهم أكثر من خمسن اسما ، وهذا رقم كبير جدا في عرف العمل الصحفي اليومي وله دلالات في معنى الوقوف الى جانب الصحفيين الذين يعتاشون من مهنتهم الصحفية ، ويعتمدون عليها في مواصلت حياتهم.

في الربع الاول من عام 2014 وبعد حوالي السنة ، توج البزاز مبادراته المهنية الخلاقة باطلاق قناة الشرقية الفضائية مستحضرا ومستفيدا من خبرته في ادارة مؤسسة الاذاعة والتلفزين سابقا ، وقد رسم لها خطا مهنيا رائقا وقريبا من رغبات المشاهد العراقي وهمومه ووضع لها برنامجا اعلاميا وفنيا لايقل مستوى عما سبقته من قنوات ، وكيف لاتكون الشرقية هكذا وهو الذي اطلق شعارا كان يبثه تلفزيون العراق عندما كان مديرا عاما للمؤسسة  قبل اكثر من عشرسنوات يقول ( تلفزيون راق لشعب راق ) ، فهو اذن يعرف ماذا يعني التلفزيون وأي نوع من الشعب يخاطب. ثم تلاها بخطوة لاحقة ليكمل امبراطوريته الصحفية والاعلامية ، بأطلاق قناة الشرقية نيوز الخبرية والسياسية ، واستمر العمل الصحفي والاعلامي لمؤسسات سعد بالتصاعد نجاحا وتألقا وابداعا ، رافقته تواصل المبادرات المهنية والانسانية ، فقد توسع البث التلفزيوني من خلال فتح الاستديوهات والمكاتب الراقية والمتطورة عالميا  في كل من اربيل وعمان ودبي وقبلهما لندن ، وعلى الصعيد الانساني خصص من خلال الزمان قلادة الابداع لتكريم الصحفيين والكتاب والمفكرين ورعاية المرضى والتكفل بعلاجهم خارج العراق ، ومنح البعض الاخر مكافأت مالية لسد احتياجاتهم المعيشية ، في الوقت الذي دأبت قناة الشرقية على ابتكار افكار لبرامج ممتعة للمشاهدة تهدف ايضا وفي شهر رمضان لمساعدة الناس من الفقراء والمحتاجين بمبالغ كبيرة وهدايا تصل لحد تجديد وبناء البيوت والمساكن لهم ، وأكيد هناك قصص وحكايات تدخل ضمن مبادرات البزاز الخيرية لم نعرفها ولم تنشر ، انها حالات وروائع يغفلها البعض الكثير وذوي النفوس المريضة والحاقدة ممن يغيضهم النجاح كما تغيضهم مبادرات الخير والطيبة ، ويتشبثون بالسيئات لانهم من وسط السوء ، لقد فعل الرجل مايشكر عليه ، بل سبق امثاله من رجال الاعمال وتفوق عليهم ممن يكتزنون الاموال ويهدروها عبثا ، وهو غير مجبر على ذلك ، ولست انا ايضا مجبر على ذكر كل ذلك ، ولكن الحق يقال واخلاق المهنة والانسانية الشرفية تحتم على ذكر الحقائق دون اهمالها ونسيانها او التغاضي عنها وعدم الاكتراث بها .

قضية مهمة

قبل ان انهي هذا المقال وددت ان اشير الى قضية مهمة وجوهرية ، اقول ومن خلال تجربتي المهنية في الصحافة والاعلام ودراستي الاكاديمية في هذا المجال : ان النجاح كل النجاح لايتحقق من خلال فكر واحد او شخصية واحدة ، انما فريق العمل المختار والمنتقى والكفوء وقبل ذلك المخلص والوفي لعمله ، هو سر النجاح الحقيقي والتطور المنشود ، لأن كما يقال اليد الواحدة لاتصفق ، فأن سعد البزاز لم يصفق لنفسه ، انما دعى الاخرين لان يصفقوا له ، لانه احسن اختيار الكادر ، ووضع الخطط الصحيحة للانجاز ، ومنح كل مرافق العمل الكثير من تجربته الغنية والمشبعة بالافكار والنجاحات ، ولأنه ايضا تعامل مع كل العاملين معه بروح الودية والاخاء والتواضع ، وتفهم واستيعاب قدراتهم ، مؤمنا بأن البدايات ممكن ان تؤدي الى النجاح مهما طال الطريق ، وقد انعكس هذا السلوك عل كل العاملين في مؤسسات سعد الصحفية والاعلامية ، لانني ادرك واتحسس بصماته وارائه في الكثير من محطات القفشات الصحفية وحضورة الدائم في التحريروكواليس الكاميرات رغم بعد المسافة لكن المهنة الناجحة تستدعي ذلك .كلمة اخير لها علاقة مباشرة بهذا النجاح لايمكن ان انهي هذا المقال دون ذكرها، وهي في معناها تعبير عن قيمة اخلاقية ومهنية صادقة : اقول

ان دور الاخ الدكتور احمد عبد المجيد في رئاسة تحرير الزمان – طبعة العراق – كان ومنذ عقدين من الزمن ومايزال له الاثر الكبير والكبير جدا لما يتمتع به من مهنية راقية واخلاق بهية ، وحرفية بارعة ، في تواصل نجاح الزمان وارتقاؤها لمستويات تضاهي الصحف العربية والعالمية ، كونه يمتلك كل مؤهلات المهنة الصحفية والكتابة المتزنة ، والفكر المهني الخلاق ، ويتمتع بالاضافة الى ذلك بصداقات نزيهة منتقات وحيادية ، تتوسع مساحاتها بمرور الزمن ، الامر الذي انعكس على علاقات الزمان بكتابها وجعل منهم وكأنهم هيئة تحرير اخرى يتسابقون للكتابة والنشر طوعيا دون اي مقابل مالي للحفاظ على ديمومة الاصدار وبشعور واحساس لايوصف بأن الزمان زمانهم ، وان شاء الله سيكون الزمان زماننا في واقع الحياة.

 

{ كاتب ومتابع للشأن السياسي


مشاهدات 468
أضيف 2023/06/16 - 11:54 PM
آخر تحديث 2024/06/23 - 9:16 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 305 الشهر 305 الكلي 9362377
الوقت الآن
الإثنين 2024/7/1 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير