الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
شهادة صحفية عمرها أربعة عقود ونيّف.. المالكي رحلة الكفاح والنجاح .. من كربلاء إلى الوزارة

بواسطة azzaman

شهادة صحفية عمرها أربعة عقود ونيّف.. المالكي رحلة الكفاح والنجاح .. من كربلاء إلى الوزارة

تدخل وزير العدل بنقل شكوى ضد الكاتب من الموصل الى بغداد

 موكب العباسية وسرقة رونيو اعدادية كربلاء .. الخلفيات والتداعيات

المالكي يتدخّل لإنقاذ رجال دين من التسفيرات 1970

 قصة توسطه في قضية فصل صحفي من العمل بقرار من حسين كامل

 

أحمد عبد المجيد

صادفتني في حياتي شخصيات عديدة تركت بصماتها في نفسي، وظل تأثيرها يلاحقني وكأنما تريدني أن أتحول معها من حال الى حال. وكانت المصادفات معها أبرز الانشغالات التي ظلت تثير لدي أسئلة كبرى احياناً.

وتحت وقعها كنت  أعزو  كثيراً مما تحقق لي أو انجزته، عبر عقود من الكفاح والمثابرة والألم، الى تلك المصادفات التي ظهرت امامي او في طريقي الطويل المترع بالأمل والقلق. شخصيات قد لا تربطني ببعضها مشتركات كافية، لكنها تتحول خلال عقود من العمل والتجربة، الى علامات بارزة أو مثابات واضحة في روحي، فأظل اتطلع الى سجاياها واسلوب حياتها لأستشرف منها ما يضاعف طاقتي أو يعلمني درساً من الدروس المفيدة. كانت هذه الصفة التي ساعدتني المصادفات على التحلي بها، تتقادم بمرور السنين، فأكبر كشجرة وازداد قوة كفارس مبارز يركب ظهر موجة وسط بحر متلاطم هو بلدي، الذي واصل الغليان كمرجل ولم يعاقر الهدوء، الا لاقل من عقد واحد من الزمان.

وصادف ايضاً، اني كنت اتلمس خطاي خلال هذا العقد، السبعيني من القرن الماضي تحديداً، حيث ازدهرت طروحات اليسار العراقي وتكونت الخلايا الشبابية متحدية ظروف التصفيات الجسدية والنزاعات الدموية والسياسية المنبثقة عما يعرف بالانقلابات والثورات العسكرية. وكنا نتأمل المشهد الكوني للحرب الباردة بين المعسكرين الاشتراكي والامبريالي (الرأسمالي) فيشمخ اعجابنا بالتجربة السوفيتية وانجازات قياداتها الحديدية، فيما كانت حركات التحرر الوطني تتقدم بثبات وتحقق عبر الكفاح المسلح مواطئ قدم في اصقاع من أسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية، وعلى هذه الجبهة كان (الفيتكونغ) يحققون انتصارات كبرى، تمهيداً لطرد الجيوش الامريكية من بلاد الرز والفقر والعقيدة الحمراء.

كما صادف اني شرعت للمرة الأولى، بالتشبث بالثقافة والقراءة الجادة لتأكيد نزوعي نحو المبادئ السامية للاشتراكية وكفاح الأمم للانعتاق من التخلف والجهل والتبعية للمعسكر الرأسمالي. وكانت البيئة المحلية هي التي زرعت بذور الوعي للطريق الذي اختطته قوى اليسار لاطلاق طاقة العراق الكامنة والمحبوسة وتعبئة ارادات شبابه للامساك بالوعد والحرية. كانت هناك بعض الصحف التي يعالج بها مفكرو اليسار قضايا الساعة، وكانت قصائد مظفر النواب تصلنا من دمشق معبأة بأشرطة مسجلة، فنستمع الى نبرتها العالية في الخفاء، فنزداد حماسة وتترسخ قناعاتنا بالفجر القريب.

قباب ذهبية

وبينما قذفتني الأقدار نحو هذه الشواطئ، كانت في حقيقتها، تهيء لي مسرحاً آخر للوصول الى ما تعجز السياسة عن الوصول اليه، ولو امتلكت الارض وما فيها. وتحولت مدينة كربلاء، ذات القباب الذهبية والبساتين العامرة، الى موقع استقطاب ثقافي صادف اني وقفت متصفحاً تجاذباته وعناصره الفاعلة. لقد أزدهرت في نفسي روح البحث والشغف في النظم والنثر والكتابة. كما صادف ان البذور التي اينعت براعمها داخل كياني ترعرت في مناخ كان الاستاذ شبيب المالكي احد شخوصه وشواهده الحية.

كنت احد افراد اسرتي، التي اخذ عميد الصحفيين في كربلاء، عمي  طارق الخفاجي، ايديهم وفتح عيونهم على مآثرها وعطائها ودورها الخلاق في صناعة الرأي العام.

وكان ثاني افرادها اخي،  الاستاذ نوفل الخفاجي الذي غالباً ما كنت اغبطه وهو يحمل،بثقة وصبر، (مايك) التسجيل لمتابعة نشاطات المالكي والذهاب بها الى بغداد لنشرها في جريدة (الجمهورية) او بثها في الاذاعة والتلفزيون أو في فضاءات وكالة الانباء العراقية، حيث كان عمي مراسلها جميعاً، منذ تأسيس بعضها، اواخر الخمسينيات من القرن الماضي.

كان عمي، ليس شغوفاً فقط بالصحافة بل كان عاشقاً يقبل عن طيب خاطر جل معاناتها وشقائها ومحاذيرها وسهر لياليها وأيضاً التطوع في خدمتها عن طيب خاطر.

وصادف ان المالكي كان شخصية ذات موهبة صادقة وكريمة واستقطابية، عندما اختير متصرفاً لكربلاء عام 1969،  ثم محافظاً لها وربما صادف ايضاً انه كان مدركاً، من بين مئات المسؤولين الذين تقادموا على المدينة، الوظيفة السياسية للاعلام ويفهمون طبيعة محتوى رسائلها في عالم متصارع، كما كان واحداً من قلة تقدر مهمات الصحفي وترتبط به بوشائج صداقة واحترام. وهو أمر بدأ عملياً منذ ادارته مجلة سياسية عام 1963، بالتعاون مع الصحفي الراحل لطفي الخياط. والى ذلك كان المالكي بالنسبة لعمي واخي ثم لي، فيما بعد، صديقاً كبيراً لم تعكر صفو علاقتانا به حادثة او موقف طارئ، وبحكم كونه محافظاً لكربلاء بعد تحول نظام ادارتها من المتصرفيه، ظل المالكي حامياً ومدافعاً عن أسرتنا التي ينظر اليها بوصفها ذات حظوة نتيجة علاقتها المتميزة به. ومن هذا المنطلق كان المالكي يفهم دوافع السهام التي كانت توجه الينا عبر بعض القنوات العلنية والسرية. واللافت انه بمقدار ما كانت هذه السهام تكثر، كان يزداد قرباً منا، ونزداد قرباً اليه وساعده في ممارسة هذا السلوك، مع آخرين غيرنا ايضاً، ان المحافظ  قبل العام 1979 كان يخضع الأجهزة الحزبية والامنية اليه ويملك كبح جماحها وأذاها.

بعد سنوات حافلة بالخدمات الوظيفية والانسانية التي قدمها الاستاذ شبيب لازم المالكي الى كربلاء، غادرها مودعاً بالاحترام والاعتزاز تاركاً الذكر الطيب والمواقف الفريدة. ولا شك في انه لو لم يكن محباً لأهلها لما تحمل كثيراً من الصعاب والتحديات من أجل تطوير بناها واطلاق التخصيصات البلدية لمشاريعها وانجاز اكبر عدد منها في ظل محاولات زملائه المحافظين الاخرين الذين كان كل واحد منهم يجهد، من طرفه، للفوز بتخصيصات تنموية اكبر لمحافظته.

جاء المالكي الى كربلاء ولم تكن فيها سوى اربع مدارس ابتدائية للبنين واثنتين للبنات وثانوية واحدة، فاتجة نحو تعظيم عدد المدارس  وتشييد مبان جديدة لها. واتذكر اني رافقت عمي في تغطية وقائع وضع الحجر الاساس لاحداها. كنت سعيداً وأنا اضع (المايكرفون) قرب وجهه وهو يقول بكلمة معهودة (على بركة الله أضع....) . وكنت في قمة وعيي الشبابي وانا اشهد استقدام كبار فناني بغداد لحضور مهرجان الاخيضر الاول الذي عمل المالكي بكل طاقته لاقناع الحكومة بضرورة اعادة احياء  معالم هذا الحصن التاريخي واقامة فعالية كبرى تحت ظلال جدرانه العالية، تصبح فيما بعد تقليداً سنوياً غير مسبوق. كان المالكي ذا ثقافة ساعدته في ادراك اهمية احتضان المبادرات النوعية وتوسيع نطاق دلالتها وتجذيرها في بيئة محافظة او تقليدية كبيئة كربلاء. مازالت ذاكرتي تحفظ اسماء الفنانين والشعراء الكبار كمحمد مهدي الجواهري ويوسف العاني وسامي عبد الحميد وزينب وناهدة الرماح  وجعفر علي، الذين وصلوا الى الاخيضر عبر طريق ترابي طوله نحو 70 كيلو متراً وسط  صحراء قاحلة جرداء امكن للاجهزة البلدية تسويته ورشه بالنفط الاسود حسب. وقد أخرج جعفر علي مسرحية (فيت روك) لطلبة اكاديمية الفنون الجميلة، وتم عرضها في الهواء الطلق للمرة الاولى بتاريخ المسرح العراقي . كان مهرجان الاخيضر اول رئة يفتحها المالكي لاهالي المدينة لشم عبير الثقافة الحرة غير المسيسة ولا الدينية.

كانت ثقافة وطنية تشترك في صياغتها رموز العراق ومدارسه الفكرية المعاصرة. ولا يفوتني، من باب حفظ الحقوق لاصحابها الاشارة الى اثنين من مثقفي وفناني كربلاء الكبار الذين اطلقوا للمالكي العنان وساعدوه تنفيذياً في جعل المهرجان كرنفالاً حقيقياً على مدى يومين او اكثر، انهما الفنانان عزي الوهاب ونعمة ابو سبع. فضلاً عن رهط الاساتذة الذين احبوا مدينتهم واخلصوا لها وتحملوا ما تحملوا من عناء في سبيل اعلاء شأنها في جميع المنتديات. ومن الطريف انني بسبب، حادثة عاطفية، رافقت المهرجان قررت وضع حلم شراء سيارة خاصة ضمن أولويات حياتي. وعملياً استطعت تحقيق هذا الحلم بعد نحو 15 عاماً!

وليس بعيداً عن الاخيضر او الطريق الرابط الى الحصن الذي بناه سلطان العراقيين عامر الخفاجي خلال الحقبة العباسية واكتشفه الرحالة الاجانب قبل نحو اربعة قرون تقع بحيرة الرزازة. مسطح مائي يبعد نحو 20 كيلو متراً عن مركز المدينة يحمل مقومات سياحية فريدة، لكنه يعاني اهمال الحكومات ليظل حكراً لافراد امتهنوا صيد السمك لقاء ما يعرف بـ (الضمان) وهو مبلغ مالي مقابل المحصول الوفير الذي يأتي من الصيد في البحيرة. وجاء المالكي لينقل المنطقة الى مقومات منتجع سياحي فريد. لقد أصر على بناء (كازينو عائمة) على ساحل البحيرة، وفتح مركزاً للشرطة لتأمين الحماية اللازمة، وتولى عملية اعلامية ناجحة للترويج للمشروع الذي تم ايضاً تشجير مساحات واسعة من ضفافه بغية خلق بقعة خضراء وتقديم الخدمات بواسطة آليات حكومية متواضعة في الليل والنهار. كانت الرزازة واحدة من البقع الجميلة التي ظل اهالي كربلاء يتباهون بها، وقد تحولت الى منتجع ترفيهي يقصده الناس من جميع المدن ولاسيما طلبة الجامعات العراقية.

 كان المالكي حريصاً على زيارة المكان يومياً برغم كثرة وجسامة  مسؤولياته في محافظة، قيد التشكل وتتبعها النجف كقضاء والكوفة كناحية من بين 4 نواح اخرى. اما رعاية المالكي للعتبات المقدسة وتشجيعه توفير متطلبات الزائرين من جميع انحاء العالم، فذلك ما يحتاج الى حديث طويل جداً والى ارقام قد يجدها، من يرغب، في ثنايا كتاب وثائقي اصدره اعلام المحافظة للمرة الاولى في عهد الاستاذ شبيب المالكي تحت عنوان (كربلاء بين الماضي والحاضر)، وهو معزز بالصور ومطبوع بالالوان في وقت كانت مكائن الاوفسيت لم تدخل عالم الطباعة بعد. وكنت محظوظاً ايضاً اني رافقت انجاز هذا الكتاب بمطبعة الجمهورية التابعة لدار الحرية للطباعة، وكنا نقابل خلال رحلة متابعته مع عمي الراحل مديرها الاستاذ عبد الحسين فرحان الذي اقترنت عام 1976 بشقيقة عقيلته واصبحت عديلاً ثم صديقاً اليه، كما زرت معه مكتب رسام الكاريكتير الشهير الخطاط غازي في منطقة الخلاني ببغداد، حيث تولى خط غلاف الكتاب. ورأيت ان الرسام المشهور كان قليل الدوام فيه، مما يدفع عمي الى الانتظار طويلاً على امل حضوره. ويبدو ان ممارسة غازي لهواية صيد السمك تجعله ينصرف عن عمله الاعلامي ويخصص جل وقته للهواية.ومن فوائد انجاز هذا الكتاب انه تحول الى وثيقة حية والى تقليد دأب بعض المحافظين الذين تناوبوا على كربلاء السادة، عبد الرزاق الحبوبي وقبله محمد حسن محسن الشامي ثم عدنان داود سلمان  المفرجي وخليل ابراهيم جاسم وعبد الخالق عبد العزيز وصابر الدوري، على طبعه وتحديث معلوماته. ومن المؤسف ان المحافظين الحاليين لم ينتهبوا الى أهمية مشاريع من هذا النوع، ربما لانشغالهم بأمور اكثر فائدة بالنسبة لهم وايضاً لحرصهم على الظهور في الفضائيات، دون ادراك ان ما ينطلق الى الفضاء من رسائل اعلامية لا يحتفظ بتأثيره وبموثوقيته كما يطبع بين دفتي كتاب.

ولان المنصب في الواقع هو خدمة عامة وان بقاء الحال من المحال، وتأسيساً على القول المأثور (لو دامت لغيرك ما وصلت اليك)، فان كربلاء ودعت الاستاذ شبيب المالكي بكثير من الاسف، لان فرصاً كثيرة من التقدم كانت بانتظارها ضاعت من بعده.

وبالنسبة لي بدأ الواقع يضغط عليّ كشاب محاصر باحتياجات لا تحصى. وازدادت الضرورة للبحث عن عمل يسد متطلبات ما بعد الدراسة الاعدادية. وألححت على عمي استثمار فرصة وجود الاستاذ شبيب وكيلاً لوزارة الزراعة والاصلاح الزراعي، للمساعدة في تعييني، غير ان جل ما استطعت القبول به، نتيجة تواضع ميزانيات الوزارات، وسريان  مبدأ شد الاحزمة على البطون، هو تعييني عاملاً بأجور يومية وتنسيبي الى فرع المجلس الزراعي الاعلى في كربلاء. وكانت هذه الخطوة محط عجب زملائي العاطلين عن العمل. لقد تقاضيت أجور ثلاثة اشهر فقط، قبل ان احظى بوظيفة ثابتة في دار الحرية للطباعة التي كانت تشترك بمبنى واحد مع دار الجماهير للصحافة. وباشرت العمل  فيها في 23/ 11/ 1973. وكان لارتباط هاتين المؤسستين بهذا المبنى قصة ومصادفة اخرى قادتني الى الطريق الطويلة التي انا فيها الان، بكل ما حفلت به من وقائع وطبائع واحزان وافراح ومفاتيح ومغاليق وفضاء اعلامي مفتوح وفرص تقدم لا تحصى.

وعليّ ان اكرر القول ان المصادفة كانت وراء حصولي على هذه الوظيفة، ففي يوم قائظ من أيام ايلول 1973 وصلت الى  جريدة الجمهورية في الطابق العلوي لمبنى دار الحرية، لايصال خبر تغطية نشاط مهم للاستاذ المالكي أرسله عمي، وبعد تسليمه الى سكرتير التحرير، الصحفي اللامع هادي الانصاري قفلت راجعاً، وفور نزولي من سلم المبنى وقع نظري على لوحة الاعلانات فقرأت اعلان طلب 8 وظائف في الدار بدرجات تشترط الحصول على  شهادات جامعية واعدادية. كنت، يومها، مازلت طالباً في المرحلة الثالثة بكلية الفقه بالنجف، فقدمت على احدى هذه الوظائف مع شعور باستحالة حصولي عليها. وكانت الحكومة قد استقدمت الاستاذ موفق اسعد عسكر رحمه الله من الموصل لادارتها بعد الاطاحة بسلفه كريم المطيري شقيق حسن المفوض الامني الذي اتهم بالمشاركة في (مؤامرة ناظم كزار). ولكي يتخلص عسكر من ضغط الوساطات الحزبية (كان من بعث اليسار السوري قبل عودته الى العراق)، قرر اخضاع جميع المتقدمين الى اختبار تحريري شامل بدرجة 100 بالمئة. وحسناً فعل وكان في غاية الامانة عندما نجح 8 من اصل 400 متقدم تم اخضاعهم لامتحان في قاعات اعدادية التجارة بالوزيرية المقابلة لمبنى الدار، ذاتها. واحتفظ بين أوراقي بنسخة مصورة من دفتر الامتحان ذاك، وأفتخر اني انتزعت الوظيفة بكفاءتي واجاباتي الصحيحة فحصلت بموجبها على 80 بالمئة.وقد حصلت عليها اثر تسليم اضبارتي كاملة عند انتقالي من ملاك وزارة الاعلام الى ملاك وزارة التعليم العالي وانخراطي تدريسياً بكلية الاعلام- جامعة بغداد عام 2001.وازعم اني غبت عن الاستاذ شبيب لنحو عقدين من الزمان، رسمت خلالها ملامح اسمي الصحفي وتفرغت كلياً للعمل في بلاط صاحبة الجلالة، لكني بقيت بعيداً اراقب صعود نجمه وهبوطه تبعاً لتبدل الاحوال السياسية. وكنت في كل مرة اقرأ في الصحافة عن انجازاته المهنية ودوره البارز في المواقع والمسؤوليات التي يتولاها، أستعيد صورة أول محافظ تولى المنصب في كربلاء بعد العام 1968.. شاب رشيق واثق من نفسه.. وسيم على قدر من السحنة الدالة على انحداره.. مخلص في العمل الى درجة انه يوصل الليل بالنهار من اجل متابعة المشاريع الجديدة التي اعرف ان بعضها كان يحصل عليه لخدمة المدينة بطرق ذكية وارادة صلبة وعلاقات حزبية. وكنت سعيداً لان شخصية الرجل تركت ولا شك، بصمة في نفسي وتغلغلت عميقاً فيها، وكنت اتابع جهده وسعيه النقابي الطويل رئيساً لجمعية الحقوقيين العراقيين ثم اتحاد الحقوقيين العرب، وأجد مكانته تترسخ نتيجة الاحترام  والمشروعية، التي يحظى بها من زملائه في الداخل والخارج، وهو الأمر الذي لم يتكرر في شخصية سواه منذ نحو 40 عاماً. ولعلها مصادفة ايضاً وايضاً اني اثرت الكتابة عنه في هذه الظروف بعد رحلة طويلة فيها الحلو والمر وفيها الفلاح والكفاح، وفيها الجفاء والصفاء وفيها العبرة والاعتبار وأهمية التجربة والنية الطيبة. لقد رأيته حريصاً حرصاً نادراً في عمله، فهو لا يكتفي بالاعتماد على المرؤسين في انجاز عمل ما، بل غالباً ما يتابع العمل بنفسه، للتأكد من خطواته ومن بلوغ غايته. وهو مبدأ ميداني في الادارة يجب السير على قواعده واعتماده في ظل تداعيات وانواء ولا مبالاة تطبع سلوك عموم موظفي الدولة، كما رأيته يتحرى الدقة في نشر اخبار منظمته، فيتصل هاتفياً للتحقق من البريد ومواعيد المؤتمرات وقبول الدعوات. انها عملية مرهقة قد تستقيم مع مسؤول مبتدئ أو ملاك وظيفي من الاعيان، بحسب التعابير العسكرية، لكنها نادرة بالنسبة لمسؤول امضى نحو نصف قرن من حياته في الوظيفة العامة والجهاد النقابي.

وفي كل الاحوال ورغم تبدل الأوضاع ظل الاستاذ شبيب المالكي كما عرفته في المرة الاولى وعرفه غيري ايضاً. كان صديقنا المشترك المحامي والكاتب اللبناني الراحل الياس الفرزلي كثير الحديث عن المالكي.. عن مناقبه وسجاياه وعن مواقفه القومية. وبحكم علاقتهما الطويلة السابقة فان الفرزلي حفظ لزميله المالكي كل خير ووصفه بما يستحق شخص كشبيب المالكي. ولقد تعرفت الى الفرزلي بعد عام 1991. وكنت اكثر الصحفيين قرباً اليه وميلاً  الى ارائه وعلاقاته بالأوساط الاعلامية والسياسية. واليه يعود فضل تعرفي بعائلة الياسين الكريمة وعميدها  الاستاذ عبد الفتاح وشقيقه المهندس عبد القادر معاون أمين بغداد، وشقيقه الآخر خبير صناعة الصواريخ الباليستية  اللواء المهندس حسام محمد أمين الذي تولى ادارة هيئة الرقابة الوطنية وعاش فصول المحنة والأزمة مع فرق التفتيش الدولية. وكنت قد انفردت باجراء سلسلة لقاءات صحفية معه في صحف الدستور الاردنية والوطن السعودية والرافدين البغدادية. كما استفدت من بعض معلوماتها في انجاز احدى متطلبات ترقيتي العلمية الى استاذ مساعد دكتور، في بحث علمي عن دور فرق التفتيش في الحرب النفسية. وبفضل الفرزلي، عبرت محناً عديدة مرَّ بها العراق خلال سنوات العقوبات الدولية الظالمة على المواطنين الابرياء، تحت ذريعة اسقاط النظام أو اضعافه. وأني لآمل ان يبذل الحقوقيون العرب جهوداً لا تنقطع لصياغة ملف دفاع عن ضحايا الحصار الاقتصادي، ليتسنى تقديمه الى المحاكم الدولية بوصفه عملاً لا شرعياً ولا اخلاقياً، ولا أتردد في القول ان الفكرة لم تغب عن ذهن الاستاذ شبيب المالكي مثلما لم يتردد زملاؤه الحقيقيون عن تبنيها بالكامل: فلا يضيع حق وراءَهُ مطالب.ان شخصية المالكي ظلت ماثلة امامي.. قدوة حسنة وتجربة في الادارة يحتذى بها.. أتابعها وألاحق اخبارها وتحولاتها. واذا ابتعدت عنها اقتربت اليها واذا توارت قليلاً فسرعان ما تصادفني في منتصف الدرب وقبل نهايته، تأخذ بيدي وتقودني الى مفارق الطرق وترشدني كيف ابلغ نهاية الشوط. وهذا ما حصل في ثلاثة امثلة يفسر جوهرها شجاعة مواقفه وعدم تخليه عن اصدقائه، وقت الشدة والضيق.

الموقف الأول

كان ذلك نهاية العام 1991 عندما تناولت في عمود يومي كنت اكتبه في جريدة القادسية موضوعاً ناقداً عن الشركة الوطنية للصناعات الكيمياوية والبلاستيكية استفز مدير التصنيع العسكري المشرف على وزارتي الصناعة والنفط حسين كامل، فطردني من الجريدة والتزمت المنزل دون ان اغادره ثلاثة أشهر ألفت خلالها كتابي الرابع خريف الجليد - 72 ساعة هزت العالم. وقد أمر الاستاذ سعد البزاز بنشر فصوله على حلقات في جريدة (الجمهورية) مانحاً اياي أعلى مكافأة نقدية تمنح لكاتب.

واقام حسين كامل  خلالها دعوى قضائية في محكمة جنايات الكرخ – حسب الاختصاص المكاني – واستغرقت الإجراءات نحو سنة وشهرين، تناوب على النظر بها ثلاثة قضاة قبل ان تحسم بتدخل الأستاذ المالكي، عبر اتصال هاتفي اجراه مع مدير مجمع محاكم الكرخ، وليس مع القاضي المعني للحيلولة دون اشعاره بالتدخل في عمله. ولازلت أتذكر شجاعة القاضي  إبراهيم السهيل الذي افرج عني لعدم كفاية الأدلة، ورفضه التماس محامي وزارة الصناعة الذي طلب القاء لائحته فرد السهيل عليه بالقول (تريدون الصحافة لا تنتقد لكي تصبح طبقة البيض بثلاثة دنانير)! ولم تيأس الوزارة  فاقامت دعاوى تعويض مادي ضدي في محكمة بداءة الكرخ غير ان قرار الإفراج ساعدني في رد الثانية. وصادف عام 2000 اني مثلت مع الزميل جواد العلي، العراق في اجتماعات اتحاد الصحفيين العرب، في القاهرة، وفيما كنا نتبادل الحديث في منزل سفير العراق نبيل النجم، على ضفاف النيل، وسط العاصمة، حضر ثلاثة اشخاص قيل انهم موفدون من بغداد، وفاجأني احدهم بالاقتراب مني واحتضاني مكرراً السؤال: هل عرفتني؟ وقدم نفسه، انا القاضي ابراهيم السهيل الذي نظرت في شكوى حسين كامل ضدك. فما كان مني الا ان أطبع قبلة على وجنته، واحتضنه وتذكرت ما قاله لمحامي وزارة الصناعة  الدكتور عدنان احمد ولي العزاوي عند اعلان  قراره الافراج عني. وفور مغادرتي القاعة وانا مزهو بهذه النتيجة فاجأني العزاوي بالاقتراب مني وتقديم الاعتذار لي، مشيراً الى عدم رغبته في استمرار الشكوى كل هذه المدة لو لا ان مدير ادارة نقابة الصحفيين (وكان عضواً في المجلس ايضاً في سابقة لم يشهدها تاريخ النقابة منذ تأسيسها عام 1959)، ابلغه اصراري على عدم لقائه لتسوية الموضوع. وفي واقع الأمر ان احداً لم يقترح عليّ ذلك أو يوصل رغبة العزاوي الي.

ومن واجب الوفاء أيضا ان اذكر مواقف نحو 11 محاميا تطوعوا للدفاع عني يومذاك في القضية ذاتها، في طليعتهم الدكتور سعدي الخالدي المحامي اللامع المقيم في إسطنبول، واشيد بموقف كل من  اللواء الركن منذر عبد الرحمن الذي حزن لقرار طردي من العمل في الجريدة، حزنا جميلا، وكذلك اشعر بالامتنان والعرفان للموقف الشجاع اللافت الذي اظهره اخي الأستاذ الراحل امير الحلو الذي اطلعني على رسالة لا تخلو من حدة وجرأة كتبها الى حسين كامل معترضا على قراره. كانت هذه القضية التي صادفت استيزار المالكي حقيبة العدل، واحدة من اخطر وأعقد قضايا الرأي التي شهدتها حقبة التسعينات، وخرجت أنا منها سالما معافى اثر مرسوم رئاسي باعفاء حسين كامل من منصبه وزيرا للدفاع قبل نحو ثلاث سنوات من هروبه الى الأردن وما تبعها من تداعيات وصولة ذبح وتصفية.

واكاد اجزم ان موقف المالكي إزاء قضيتي وسواها وانحيازه الى العاملين في الاعلام تسبب له في احراجات معروفة ليس أقلها، كما اظن، اعفاءه من منصبه الوزاري.

الموقف الثاني

عاد زميلنا الصحفي البارز  عيسى العيسى الى العراق بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من الجامعات الهنغارية، وانخرط اولاً بالعمل في وكالة الانباء العراقية، وكان ماهراً في صياغة الاخبار وابتكار الموضوعات الصحفية الناجحة، وعند انتقال الاستاذ سعد البزاز الى رئاسة تحرير جريدة الجمهورية، اواخر التسعينات، من القرن الماضي اصطحبه معه وأحاطه برعاية خاصة. وكان العيسى قد استأجر شقة في شارع حيفا الذي تطل عليه مجمعات سكنية راقية خصصت في الغالب للتدريسيين في الجامعات والاطباء واصحاب المهن العليا فضلاً عن اللاجئين السوريين. ولسبب ما صدر أمر قضائي ضد العيسى باخلاء الشقة، وحاول المالك بنفوذه اخراجه بالقوة، فاتصل بي زميلنا المقيم حالياً في الاردن سلام الشماع، الذي يرتبط بعلاقة قربى بالعيسى، طالباً انجاده والتدخل لايقاف امر التخلية. واستعنت بالاستاذ المالكي راجياً منه امهال العيسى الوقت الكافي لتخلية المأجور. وعلى الفور تدخل المالكي وحسم الموقف لصالح المستأجر العيسى.

وبرز عشية هذه الواقعة موقف محيّر من زميلنا  الصحفي المخضرم غازي العياش تمثل بنشر سلسلة من الأعمدة الصحفية يتنقد فيها اداء وزارة العدل ويتهم مسؤوليها بالوقوف وراء بعض التعقيدات والروتين، ولأننا نعرف دوافع هذا السلوك فقد أحزننا موقف العياش بوصفه لا ينسجم مع اخلاقيات وقواعد النقد الموضوعي (البريء) وبقينا نتوقع النتائج مقارنين بين تاريخ الوزير الناصع وتاريخ سواه من المتربصين واصحاب نيات السوء وتساءلنا: اين الثرى من الثريا؟

كان العياش قد دخل الصحافة في خمسينات القرن الماضي عبر بوابة الأولى الاعلانات الصحفية عبر نشرها في مجلة الاسبوع العربي اللبنانية في الستينات من القرن الماضب قبل انتقاله الى مجلة الدستور  لصاحبها علي بلوط، والثانية عبر مكتب لاستيراد وترويج الافلام السينمائية.

 ولأن هذه الحقبة شهدت رواج دور العرض ونمو ثقافة المشاهدة بين العراقيين، كسب ثروة طائلة. وكان العياش مراسلاً لمجلة (الاسبوع العربي) اللبنانية في الستينات وغادر العراق ليقيم في المانيا ويتزوج منها ثم عاد خلال سنوات الحرب العراقية الايرانية ليستأنف صولاته في الصحف الحكومية، وبينما كان يتنقل بسيارة مرسيدس فاخرة ويقيم المآدب لبعض رؤساء التحرير ومقربيهم  في مزرعة يملكها بضواحي العاصمة خلال سنوات الحصار  في وقت كان معظم العراقيين يبيع اعز ما يملك ليستر عري أطفاله او يسد رمقه بكسرة رغيف خبز. ومرة كتب عموداً باحدى الصحف يدعو امانة بغداد الى شراء سيارة بمغناطيس عملاق لسحب المسامير المنتشرة في الشوارع اثر تعرض سيارته الى (بنجر)، وفات العياش ان ظروف الحصار تحول دون استيراد اطارات متينة وان جل المركبات كانت تعتمد على اطارات رديئة من صنع (ديوانية)؟، أو ان تشتري اطارات مستهلكة ترمى في قمامات الدول المجاورة قبل ان يجمعها تجار السحت الحرام لبيعها في السوق العراقية، وهي تسبب تلوث بيئياً خطيراً.

الموقف الثالث

ظلت مشاكساتي الصحفية تطاردني وكان الأستاذ شبيب المالكي ملاذي في الهروب من شكاوى مسؤولين اخرين. وفي عام 1994 كتبت في جريدة الزوراء الصادرة عن نقابة الصحفيين عمودا هاجمت فيه محافظ نينوى الفريق الركن   محمد عبد القادر، الذي تحول فيما بعد الى إدارة هيئة السياحة العراقية. وذلك لتعويقه ترويج معاملات الصحفيين بالحصول على قطع أراض سكنية في مساقط رؤوسهم. وكان هذا الحق قد شمل زملاءهم في بقية المحافظات، فأقام المحافظ دعوى قضائية ضدي في الموصل وجرى تبليغي رسمياً بالحضور. وقد وجدت في حضوري وقائع  الدعوى فخا منصوبا لالقاء القبض علي او ازعاجي بالاحتجاز، وتداركت الموقف بتوكيل ابن عمي المحامي الشاب حسنين الخفاجي بهدف الذهاب الى الموصل وارجاء موعد المحكمة. واتصلت هاتفيا بوزير العدل الأستاذ شبيب المالكي وابلغته بالقضية وتمنيت عليه نقل الدعوى الى محاكم بغداد بحسب الاختصاص المكاني، لان الجريدة تصدر في العاصمة، ونصحني بتقديم طلب تحريري واوصلته الى مكتبه فوافق فورا. كان موقفا شجاعا اخر قد ينأى وزير من نظرائه، بنفسه عنه. ولعلني أفسر هذا الموقف منطلقا من امرين واضحين، الأول ان قضايا النشر والاعلام في تلك الحقبة غالبا ما تخضع الى متابعة مباشرة من قيادة الدولة، وان الاتصالات الهاتفية كانت أرضية تخضع الى المراقبة الأمنية، وان تسجيل تفاصيلها امر وارد جدا. غير ان الأستاذ شبيب المالكي لم يرضخ الى هذا التحدي ووضع روحه المقدامة على المحك لاحقاق حق الانسان في التعبير عن الرأي، لاسيما عبر المنابر الصحفية. انه يدرك ببصيرة وايمان ان التاريخ يحفظ للرجال مواقفهم ومقدار ما يخدمون به شعوبهم ولا يحفظ لأحد تشبثه بمنصبه او وظيفته العامة. وربما كان يعرف آراء كاتب هذه السطور وميوله السياسية جيداً، أيام كان محافظا تقدم اليه الملفات الحساسة، ومع ذلك فانه استثناني من شرط الانتماء الحزبي واصدر امر تعييني بتوقيعه لا بتوقيع سواه في سدة الوزارة. وهو موضوع تحدثت عنه.

وفي هذا الشأن واخطر كذلك يحتفظ له أهالي كربلاء بمواقف شجاعة خلال حملات التسفيرات التي شملت ما وصفوا بأبناء التبعية غير العراقية، حيث تدخل بإيقاف القرارات ضد بعضهم وكان طرف خير في انهاء عملية تسفير بعضهم الآخر. ويحتفظ الجميع بموقفه في قضية  خطيب المنبر الحسيني السيد صدر الدين الشهرستاني، والامر ذاته ينسحب على متعهدي المواكب الحسينية ومنظمي (ردات العزاء) التي غالبا ما كانت تنتقد الحكومة  وتبعث رسائل تحد لها، او تشير من طرف خفي الى تعاملها القمعي مع القوى السياسية ولاسيما الشيوعيين. كان الأستاذ شبيب المالكي يستقدم الشاعر المغيّب عبد الزهرة الشرطي الذي يكتب ردات عزاء موكب العباسية مطلع السبعينات، وقبل منع إقامة مراسيم العزاء في عاشوراء سنة 1973، ويقدم اليه مساعدات مالية وعينية ويناشده تخفيف نبرة الردات من اجل سلامة الموكب وسلامته الشخصية. وللتاريخ أيضاً فان هذا المواطن المسحوق طبقياً، كان يعد المالكي  خيراً لكن سرعان ما كان يذعن  لنداء قناعته الفكرية والسياسية، التي استشهد في سبيلها.  ومن زاوية الذكريات الحلوة او المرة أعترف اني شاركت بآخر دورة لموكب منطقتي ومسقط رأسي وملعب صباي (العباسية) في كربلاء، خلال ايام عاشوراء، مردداً في جوقتها الختامية اشعار عبد الزهرة الشرطي رحمه الله. وينك يا نوري (يقصد رئيس الوزراء الأسبق في الحقبة الملكية نوري السعيد).. وين الحكم وين السلطان؟

وينك يا مصلح.. ياكل جزاءه كلمن خان

كلمن يعادي شعبه. تالي النضال ايأدبه.

ما نرضه بالعدوان.. لا لا لا. ما نرضه بالعدوان؟ويقصد الشاعر بمصلح (الحاكم العسكري رشيد مصلح الذي تم اعدامه قبل مدة قصيرة من نظم القصيدة).وفيما كانت الحناجر تصدح بهذا الهتاف الحسيني، الذي تترد اصداؤه في اروقة الروضتين، وتتلقف صيحاته الشوارع، التي يمر بها الموكب محوطاً بالمتفرجين، كانت ذراعا ابن منطقتي (علي كردلة) تحمل راية حمراء ترفرف فوق رؤوس مرددي الردات، مضفية رمزية معينة الى هوية المشاركين وجلهم شباب.ومع تزايد شعور الحكومة بخطورة ترك موكب العباسية يشعل لهيب التمرد الشعبي، تزامن حادث يتعين الوقوف عنده.

فقد تناقلت الاوساط العامة نبأ قيام مجهولين بالسطو على غرفة ادارة اعدادية كربلاء للبنين، وكنت طالباً في الصف السادس العلمي فيها، وسرقة جهاز الرونيو منه بعد تقييد حارس المدرسة، بالحبال. وتم تفسير الحادث تفسيراً غير جنائي تسبب بملاحقة عدد من نشطاء الحزب الشيوعي في المدينة واعتقالهم، فشاع التذمر.

وكان من الطبيعي ان يعد ذلك تراخياً من ادارة المحافظة أو عجزاً عن ضبط  الأمن فيها مما يتطلب ايقاف زحف المناهضين على الشارع الكربلائي، وهي ذريعة كافية لايقاف أي نشاط سري أو معلن لهم.  ان هذه الذكريات تحتاج الى اسهاب في مقام اخر. لقد ودع المالكي كربلاء ملوحا بيد بيضاء وقلب  اكثر بياضاً، غادرها فيما بقي جزء من روحه فيها.. في درابينها الضيقة ومنابرها ومآذنها وطبيعة اهلها المتسامحة.

* فصل من كتاب (شبيب المالكي رحلة الكفاح والنجاح)، وارتأينا نشر هذا الفصل منه لمناسبة قيام مجلس القضاء الأعلى بتكريمه في احتفالية تعكس التفاتة ذكية ولمسة وفاء.


مشاهدات 914
الكاتب أحمد عبد المجيد
أضيف 2023/11/17 - 3:54 PM
آخر تحديث 2024/06/30 - 6:05 AM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 347 الشهر 11471 الكلي 9362008
الوقت الآن
الأحد 2024/6/30 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير