سعد البزاز وحروب آخرى
حسين الذكر
صحيح ان حرب الخليج الثانية او ما يسمى ( حرب الكويت ) .. قد انتهت من ثلاثة عقود الا ان تداعياتها المؤلمة المستهدفة للعراق - باقل تقدير – ما زالت قائمة على صعد مختلفة من قبيل السياسة والاجتماع وما يستبطنهما من ملفات متعددة .. فالعراق دولة ظلت مفتوحة وتخوض بها الاجندات منذ تم تدمير جيشه ومنظومته الأمنية عام 1991 التي كانت متماسكة معززة بخبرة ميدانية كبيرة للتعاطي مع الازمات مع وجود عشرات الشركات المحلية العملاقة التي اكتسبت خبرات جبارة في البناء والانشاء بمختلف مجالات الحياة .. جميع تلك المغريات بما فيها الأنهار والزراعة والصناعة المحلية التي نشطت وتكيفت وبلغت مراحل متقدمة خلال حرب الثمان سنوات مع نمو مضطرد في الموارد البشرية .. جميعها افضت الى قرار غربي وربما إقليمي بضرورة نزع مخالب التنين العراقي الذي يقف على بوابة انطلاق بعبع وما يعنيه في ظل التغيرات المرسومة في اطار العقلية الغربية المتخصصة بإعادة توزيع ورسم الخرائط الدولية وما يلحقها ..
عند ذاك اشتغلت الماكينة المخابراتية الغربية باعلى درجات حسها ومجساتها المتطورة جدا .. بعيدا عن الاعين سيما العربية النائمة باعدادها المليونية الغاطة بسبات عميق لم تصحو منه الى اليوم وربما الى ابعد من ذلك . هنا تم كتابة سيناريو غزو الكويت بطبخة على نار هادئة وتوظيفها بدقة متناهية لتدمير قوة العراق الظاهرة والكامنة التي ستشكل عبء على القوى الاقليمية والدولية بمعزل عن شكل النظام الحاكم .. فحدث ما حدث وتم تدمير الجيش والامن والبنى التحتية والشركات المحلية العملاقة كخطوة أولى معززة بؤد منظومة الكهرباء وتعطيلها الى امد لا يقل عن عقود خمسة او اكثر ... ما زلنا نعيش ظلامها المقصود غربيا وإقليميا . كل أسبوع ازور مهرجان شارع المتنبي تلك التحفة العراقية التي يحسدنا عليها غيرنا ويعيشها اهل الفكر ومختلف صنوف ميادين المعرفة والثقافة ممن ينعمون بجمالات نهار جمعة مباركة تعج بمختلف النشاطات الفنية والفكرية والثقافية التي تمتلك كامل حرية التعبير غير المسبوق بتاريخ العراق خلال مئات السنين السالفة .. كعادتي بانتقاء بعض الكتب المعروضة وقع بيدي كتاب ( حرب تلد أخرى ) لمؤلفه لأستاذ سعد البزاز بما يمتلك من عمق وتجربة وخزين معلوماتي فضلا عن كونه شاهد على احداث الكويت وجزء من ذاكرتها الحية – علما ان عمله مع منظومة النظام السابق بمراكز حساسة – لا يقلل من قيمة المحتوى بقدر ما آراه يعزز مصداقية سرد وطرح وتناول الحدث الذي اطلعت عليه واستنطقته من زاوية اعمق لما حدث في 2- آب – 1990 وما بعدها .. اعددت الكتاب ( كنز) توقعت دسامته وخزانته المعلوماتية النادرة التي اعتقدها حاجة ملحة للمثقف والاعلام العربي سيما انه اعلام مركزي موجه آحادي الجانب لا يسمح خرق أي مفردة مخالفة للنهج العام فضلا عما يعد اسرارا منها . ( حرب تلد آخر .. التاريخ السري لحرب الخليج ) كتاب يستحق إعادة طبعه وتوزيعه بحلة وإخراج احدث ورؤية تنسجم مع الواقع لانه ثروة جديرة بالمراجعة والتمعن لاكتنزاه على كثير الحقائق وثمين المعلومات بما يعطي الحق للقارئ ان يفهمه وفقا لمنظاره وليس بالضرورة كما يريد المؤلف .. وان يقارن ما حدث بعد حرب التسعين ويستطلع الجو العام – ليس بثيمة البحث الزمكانية – بل يتعداها منذ مطلع الثمانينات وحتى ما بعد 2003 والتمسك بتلاليب منهجية تدلنا على فهم ما جرى ويجري وسيجري لاحقا .