ماذا في بستان الريس ؟.. العظماوي يلاحق العصافير والمدن المعذّبة والإنتظارات
عادل سعد
•هادئٌ كنسيمٍ جنوبيٍ في أمسيات مضيئة ، بارعٌ في الرصيد المعرفي يملأُ حضوره دون أي تكليف ، أو مزاعم ، وحين يتحدث ، أو يكتب وصفة طبية تكون الثقة قد شاطرت المهمة بتأثيرها .
•أتحدث هنا عن الدكتور ابراهيم كاظم جلود العظماوي حيث تعود معرفتي به الى مدينة الناصرية خلال عقد سبعينيات القرن الماضي .
* كان صديق اخي يحيى سعد ، وعندما جئت الى بغداد توطدت علاقتي به عندما كان مديرا لمستشفى(ابن رشد للطب النفسي ) .
لقد أمضينا لقاءات طيبة عديدة في بغداد ،ودعاني متفضلاً الى اكثر من امسية واحدة في نادي العلوية ثم أنقطعت اخباره عني بعد مغادرته العراق ، لكني سمعت عن انجازات علمية طبية حققها ،وإن الامم المتحدة أستعانت به في اكثر من مهمةٍ طبيةٍ دوليةٍ واحدةٍ بأختصاص الصحة النفسية ، واخيرا وصلتني عن طريق شقيقيه ، الموسيقار سامي ،والاعلامي المتمرس ظافر نسخةً من مجموعة قصص قصيرة بعنوان (بستان الريس) أنجزها ابراهيم بالمزيد من الادهاش .
حياة الناس
•يقع الكتاب في 502صفحة مذيلة بالقول ( هذه المجموعة القصصية كتبت وحفظت بعناية لمدة عشرين سنة حتى حان وقت النشر) ووفق ذات الهامش ، القصص تتناول (جوانب هامة من حياة الناس ، متاعبهم همومهم وامالهم كطبقات هشة )، إن لم تكن مهملةً( في مجتمعاتنا النامية… وتركز على قضايا الحب والتعاون والطموح والصبر.. وتبعث الامل في النفوس الحائرة )
•ولد العظماوي عام 1945 في مدينة الناصرية وتخرج من كلية الطب جامعة بغداد ثم اكمل دراسته العليا بالتخصص السيكولوجي في جامعة لندن ، له ثلاثة مؤلفات في اختصاصه العلمي ، عمل خبيرا في منظمة الصحة العالمية ،كما حاضر في عدد من الجامعات العربية والاجنبية ، اهتم الى جانب ذلك بالأدب والقضايا الفكرية مركّزا على استنباط المزيد من الافكار الاصلاحية التي تهدف الى تعزيز القيم الانسانية المدنية ، له تجربة رائدة في كتابة القصص للاطفال فقد نال جائزة عن مجموعة أتخذت من براءة الاطفال وبشارتهم جسوراً لها .
•تتضمن مجموعة (بستان الريس)عشرين قصةً هي على التوالي •الشبكة الصغيرة • نهلدار •ضريبة عقار• انتظار • دكتوريتا • الاعتراف الغامض • المدينة المعذبة ( مدينابات ) • الكلب العنيد ( برق ) •ذكريات خالد سعد • عصافير في الرأس •الاختان في نضالدار • الرواف السعيد • عمو جوعان •سكران •سكر احمر •عطايا قليلة • مغامرات الصبي نبات
،عندما يولد القمر • ملقّن حركات
•وداعاً ايها الحب
* يحذر العظماوي من خطيئة الاستفراد بالفقراء والمعوزين الذي لا يملكون محركات القوة ، لكنهم في كل الاحوال اصحاب عزائم يقبضون على الصمت تعففاً من الخوض بالوحل دون أن يسقطوا من اعتبارهم مواجهة الشدائد ، والطريف في رواية العظماوي لقصصه إنه زود الكتاب بخرائط تخطيطية تتضمن ترسيم حدود وانعطافات لأضفاء المزيد من الواقعية على مايجري .
* ان جميع القصص مكتوبةٌ باضواءٍ ساطعةٍ ومفرداتٍ لاتحتاج الى حماية من التضليل .
•لم يلجأ المؤلف الى الغموض وصناعة العقد ، بل أسردَ بسلاسة واحترام المجال المغناطيسي للمخاطبة والمخادمة البنيوية ، وتلك براعة ادبية اختص بها بعض الكتاب بينهم دستوفسكي وتشيخوف وهمنغواي صاحب رائعة (الشيخ والبحر) .
•ان الاضافة النوعية بهذه القصص ثراء الحس العلاجي الواضح ، ليس من محتوى تقديم النصيحة ،وانما وَضعَ الشخوصَ امام فرضية المواجهة والصدام بأريحية ورباطة جأش والانتصار للمنهج المنتظم على اساس المغامرة المشروعة .
•إن أبطال قصص العظماوي لايجيدون الفروسية ،لكنهم متمردون على
الانكسا رات ، يدفعون المزيد من الخسائر وفق منظور الفيلسوف الالماني كانط (ليس من الضرورة ان تعيش بسعادةٍ ،بل من الضرورة ان تعيش بشرفٍ) ، داعياً الى الانتظام للواجب بوصفه المحرك للبشر بأتجاه المواقف الصحية واضعاً الاخلاق نتيجةً لهذا الواجب .
* لقد وظف الدكتور العظماوي ثلاثة معالم على درجة من التمازج في سرده القصصي
•الاول ، انه استطاع أن يحقق التوازن بين الوقائع الحقيقية على الارض والصور المتخيلة للحوادث وتلك مهمة شاقة لكنها توفر الحساء العقلي الجميل
•الثاني ، سلاسة السرد ، إذ كان العظماوي حكاواتي على دراية ذكية لأثارة القارئ وجذبه لمعايشة الحدث
•الثالث ، ان شخوصه ليسوا معقدين بالمرة .
كما ليسوا ساذجين ، لكنهم في كل الاحوال اصحاب نباهةٍ متجذرةٍ لما ينبغي ان يتعاطون به ، إن كان ذلك بالرؤية ذات الاعراف المسبقة ، أو بالعفوية الطازجة .