ماذا ينتظرنا في 2025 ؟
منقذ داغر
8.انتظروا الشهرين القادمَين
الخلاصة التي تم التوصل لها في المقالات السبعة الماضية هي أن هناك ثلاث مشاريع تتنافس في المنطقة (الإيراني، والعثماني، والاستيطاني الصهيوني). وأنه في الوقت الذي يشهد فيه المشروع الإيراني خسائر متتالية يمكن أن تمتد الى ذراعه في اليمن وربما الى إيران ذاتها فأن المشروعَين المنافسَين يشهدان صعوداً مستمراً. وهناك قوة -وربما مشروع- إقليمية عربية هي السعودية تترقب هذا الصراع وسيكون لها دور قادم ومهم. أن صعود أو هبوط أي مشروع يرتبط بمدى تخادمه أو تصادمه مع المصالح الأمريكية في المنطقة. فعلى الرغم من محاولات الإدارات الأمريكية الثلاث السابقة (أوباما وترامب وبايدن) للانسحاب من المنطقة والتركيز على الشرق الأقصى (الصين تحدبداً) لكن الوقائع أثبتت أن الشرق الأوسط ما زال في قلب اهتمامات الأمن القومي الأمريكي. أن هناك خمس ضمانات تريدها أمريكا التي تتمتع بشبكة قوى ناعمة وخشنة متفوقة في المنطقة والعالم،من أي مشروع إقليمي من المشاريع المتنافسة أنفة الذكر: ضمان أمن إسرائيل، وضمان أمن تدفق النفط، وضمان تدفق الملاحة العالمية، وضمان عدم عودة داعش ومشتقاتها، وضمان عدم التمدد الصيني في المنطقة. على هذا الأساس يمكن توقع الآتي لكل من المشاريع الثلاثة في 2025:
أ.المشروع الإيراني. ستكون سنة 2025 سنة إعادة تنظيم ولملمة وتعديل بالنسبة للمشروع الإيراني الذي لم يفقد زخمه فقط بل بات ينحدر بقوة. وليس لدي أدنى شك بأن الإيرانيين وتحديدا «الثوريين» منهم سيبذلون كل ما يمكنهم لإيقاف هذا التدهور والعودة بقوة للساحة التي كانت ملعبهم طوال العقدين الماضيَين.
وستكون نقطة عودتهم من العراق الذي لا زال لهذا المشروع شبكات قوة ناعمة وخشنة مؤثرة جداً فيه، بل وما زالت صاحبة اليد العليا في السياسة فيه. يمثل العراق بالنسبة لهذا المشروع لاعب ثلاثي الأبعاد. فمن جهة هو منصة انطلاق لتحرك هذا المشروع باتجاه سوريا ولبنان من جديد.
ومن جهة ثانية هو وسيلة تواصل رئيسة مع الأمريكان للتخفيف من غلواء المشروع الصهيوني من جهة والوصول لتفاهمات الحد الأدنى مع أدارة ترامب من جهة أخرى. أما الدور الثالث فهو الدور الاقتصادي الذي يمكن للعراق ان يلعبه كرئة إضافية للمشروع الإيراني الذي ستتضاعف متاعبه ومشاكله الاقتصادية في ظل إدارة ترامب.
لذا وبعكس ما يتوقع البعض فان أهمية العراق بالنسبة لمشروع إيران ستزداد وبالتالي فأن قبضة إيران على السياسة العراقية ستشتد. لكن مثل هذا السيناريو لا يمكن أن يحصل الا أذا توصل الحائك الإيراني الى نسج سجادة مغرية جداً لرجل الأعمال الذي سيمتلك مفاتيح البيت الأبيض يوم 20 من هذا الشهر.
سجادة ايرانية
فبدون الوصول الى (صفقة) ترامبية-إيرانية-إسرائيلية لن يتوقف المشروع المنافس (الصهيوني الاستيطاني) عن مهاجمة إيران وأذرعها سواءً بشكل مباشر أو بشكل مشترك مع القوات الأمريكية. وسيكون الهدف هو القضاء النهائي على هذا المشروع في المنطقة، ومهاجمة إيران مباشرةً بدلاً عن أذرعها. ولضمان قبول ترامب وادارته بالصفقة وبالتالي فرش المكتب البيضاوي بالسجادة الإيرانية فسيكون على إيران-على الأقل خلال السنوات الأربع القادمة- التضحية ببرنامجها النووي أولاً وعدم التعرض للمصالح الأمريكية-الصهيونية في المنطقة ثانياً وعدم تسهيل المصالح الصينية في المنطقة ثالثاً.
ب.المشروع التركي-العثماني. سيواصل هذا المشروع تمدده في المنطقة مستفيداً من الواقع السوري الجديد لتعزيز قوته ومد نفوذه، ومن براغماتية وحنكة الرئيس أردوغان. لكن ذلك سيواجه محاولات جدية لعرقلة نجاحه -بخاصة في سوريا- من قبل إيران أولاً والكرد السوريين من جهة ثانية. وليس مستبعداً أن يحصل تعاون كردي إيراني بخاصة أذا قررت الإدارة الأمريكية الجديدة التخلي عن قسد. من جهة أخرى سيكون على هذا المشروع استمرار التعاون مع روسيا من جهة وإدامة خط تنسيق مباشر مع الإسرائيليين من جهة ثانية ومع الإدارة الأمريكية لضمان مصالحها من جهة ثالثة.
وسيكون موضوع التعاون في محاربة داعش على رأس الملفات التي يجب التعاون مع الأمريكان فيها. أما التحدي المهم الآخر الذي سيواجه المشروع وسنرى تفاعلاته جلية في 2025 فهو التعاون أو التصادم مع المحور السعودي-المصري الذي يرى في التمدد الإخواني-والمشروع الإسلامي السياسي عموماً- خطر جدي على أمنه الداخلي.
وسيتعين على المحور التركي-القطري أيجاد صيغة للتعاون أو التعايش والا أستثمر المشروع الإيراني المتربص هذا الخلاف لإثارته لصالح خلق سوريا فاشلة.
وإذا دخلت الإمارات على خط التفاعل والتنافس فسيزداد الموضوع تعقيداً. هنا يمكن أن يشهد هذا العام مؤتمراً دولياً برعاية أمريكية ومشاركة عربية-بضمنها العراق- وتركية (وربما إسرائيلية) لتنسيق المواقف. بغير ذلك فستعم الفوضى ابتداء من سوريا ومروراً بأكثر من دولة في المنطقة-بضمنها العراق- تتنافس فيها تلك المحاور وهذا ما سيعزز فرص عودة المشروع الإيراني لواجهة التأثير.
ت.المشروع الاستيطاني-الصهيوني. لقد حقق هذا المشروع بعد 7 أكتوبر 2023 ما لم يحلم بإنجازه منذ تأسيسه.
وكانت 2024 درة التاج فيما حصل عليه أذ لم يكتفِ بتدمير شبه كامل لحماس، بل وأيضاً لأهم موجودات المشروع الإيراني الذي مثل له تحدياً وجودياً. كما قدم نفسه لأعداء المحور الإيراني باعتباره قادراً على حمايتهم منه وبالتالي جني إتاوات «شقاوة» المنطقة. لا شك في أن 2025 ستكون سنة ما يسمى بالعلم العسكري ب «استثمار الفوز».
وغالباً ما سيجري هذا الإستثمار باتجاهين رئيسَين. يتمثل الأول بكسب مزيد من الأراضي العربية، وتحديداً الفلسطينية، للاستيطان في حين يتمثل الثاني بمزيد من التطبيع مع الدول العربية غير المطبِّعة للآن سواء كان ذلك على وفق ما يسمى بالاتفاق الإبراهيمي الذي يرعاه ترامب وصهره، أو على وفق اتفاقات وترتيبات ثنائية. وفيما يخص الاتجاه الأول فأن هناك إحتمالاً كبيراً لضم ما يسمى بأراضي القسم ج والتي أجلت اتفاقات أوسلو حسم أمرها للاتفاق النهائي بين إسرائيل والفلسطينيين علماً أن هذه الأراضي تمثل 61 بالمئة من مساحة الضفة الغربية.
كما سيتم أنشاء منطقة عازلة في الجولان وجنوب لبنان. ويمكن أن يتم تشكيل سلطة فلسطينية بديلة أكثر انبطاحا من الحالية وأكثر استجابة للسيد الصهيوني تحكم غزة وما تبقى من الضفة الغربية.
محاور ومشاريع
يبقى السؤال الذي طرحه كثيرون ممن قرأوا هذه السلسلة: كيف سيكون العراق في 2025؟ الجواب ببساطة، وللأسف فأن مصير كل دول المحاور والمشاريع-وبضمنها العراق- ليس منفصلاً عن مصير تلك المحاور والمشاريع. ولذلك فلكي نفهم ما يحصل في العراق فعلينا أن نفهم مآلات الأمور في الدول التي يخضع لها أو يتأثر بها ساسة العراق.
فعلى الرغم من كل ما قيل ويقال من قبل المستويات السياسية المختلفة في العراق فأنه وبعد 22 سنة مضت على أحتلال العراق وتأسيس نظامه الجديد فأنه لم يفشل فقط في اختطاط طريق ومنهج منفصل عن المحاور الإقليمية والدولية، بل أنه بات مثل الســـــيارة التي وقعت في حفرة طين يزيد يومياً من تعميق الحفرة التي هو فيها كلما زاد من سرعة محركه وعجلاته التي تكتفي بالدوران دون الخروج من المأزق. ولا يقع اللوم فقط على سائق السيارة، بل على تصميمها الذي راعى مصلحة السائق ولم يراعي مصلحة الركاب.
فالنظام السياسي العراقي صُمم ليخدم مصلحة القابضين على السلطة ولم يصمم لمراعاة مصلحة العراقيين. ولذلك بات من السهل التحكم بالعراق ومصيره واستقلالية قراره من خلال السيطرة على سياسييه، ترغيباً وترهيباً.
فبمجرد السيطرة على المتحاصصين وإشباع مصالحهم لا توجد مؤسسات حقيقية ولا عقد اجتماعي فعال قادر على منع سيارة العراق وسائقيها من الوقوع في فخ وحفرة التبعية. فكل النظام ومؤسساته في الأذرع الثلاثة للدولة خاضعة للمحاصصة وسياسة «شيّلني وأشّيلك» و (أنت استفاد وأنا استفاد وليهجم الله البلاد والعباد).
من هنا فأن ما سيحصل للعراق في هذا العام يعتمد كلياً على نتائج دوري المشاريع ومن سيفوز فيه. فأما نبقى درةً في تاج المشروع الإيراني، وأما نصبح جزءً من محور تطبيعي استيطاني، وأما نكون ملعباً يستضيف كل المشاريع المتنافسة في المنطقة ويكتفي بالتفرج عليها. والى أن يقتنع الجميع بأن هناك خللاً هيكلياً في رؤية النظام وتصميمه، وفي بُنيته لتقويمه، وفي دستوره لترميمه فسنبقى نترقب ما يحصل لنا أعتماداً على ما يحصل في جوارنا وليس أعتماداً على ما يجري في العراق.