ماذا ينتظرنا في 2025 ؟
منقذ داغر
6. مشروع عربي صاعد
للآن تم تحليل حظوظ المشاريع الثلاثة (الإيراني،والإستيطاني،والتركي العثماني) التي تتنافس على قيادة المنطقة وما يمكن أن ننتظر من كل منها في 2025. وقبل المضي في تحليل نتائج الصراع بين تلك المشاريع ولمن ستؤول الغلبة لا بد من الرد على من يقول إن المشروع الأساس والأكبر والغالب هو المشروع الأمريكي وليست هذه المشاريع الإقليمية. هنا أقول أولاً إن أمريكا صاحبة مشروع عالمي وليس إقليمي. وأن جل ما يهمها هو أن يخدم المشروع الغالب في الشرق الأوسط مصالحها بغض النظر عمن يكون. وعلى الرغم من قوة ارتباط المشروع الصهيوني بالمشروع الأمريكي الا أنه في اللحظة التي يدرك فيها الأمريكان أن إسرائيل باتت عبئاً Liability بدلاً من أن تكون رافعة leverage للمشروع الأمريكي فأنهم سيتخلون عنها أو على الأقل لا يدعموها بنفس الطريقة الآن. ثانياً، ومنذ احتلال العراق في 2003 وسقوط المشروع الأمريكي (الديموقراطي) في المنطقة سواء في العراق أو أفغانستان أو في الدول التي كان مؤملاً أن يصل لها، فقد جرت مراجعات جدية في واشنطن لهذا المشروع الفاشل وتولدت قناعة بأن وجود مشروع إقليمي تقوده دولة دون العظمى وأكبر من الصغرى في المنطقة بحيث ترتبط مصالحه-أو لا تتعارض على الأقل- مع المصالح الأمريكية هو البديل الأفضل عن التورط الأمريكي المباشر في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن أوباما هو الذي قاد هذا الاتجاه الأستراتيجي الأمريكي الجديد والذي أفصح عنه في مقابلته الشهيرة والأخيرة له في البيت الأبيض مع مجلة الأتلنتس تحت عنوان «عقيدة أوباما» ، الا أنه تم التعبير عنه بوضوح في النقاط الخمسة التي فصّلت استراتيجية أميركا في المنطقة والتي تضمنتها وثيقة استراتيجية الأمن القومي
NATIONAL SECURITY STRATEGY
الصادرة في أكتوبر 2022 وكذلك استراتيجية الدفاع
National Defense Strategy
والصادرة أيضاً في أكتوبر 2022. لقد تم النص صراحةً على ضرورة العمل والتعاون مع القوى الإقليمية الواعدة في الشرق الأوسط بدلاً عن التدخل المباشر. لذا فأن المشروع الإقليمي الذي سيفوز في النهاية لا بد من أن يتوافق مع مصالح الأمن القومي الأمريكية ويكون ضامناً لها! فأمريكا أذاً مهتمة بتحقيق مصالحها في المنطقة لكن دون تدخل مباشر وبأقل الكلف. وهذا ما يمكن تحقيقه من خلال وجود «سركال» في المنطقة يمكن أن يأخذ صيغة مشروع أقليمي!
أن أهم ما يميز المشاريع الأقليمية الثلاثة المتنافسة في المنطقة هو أنها جميعها مشاريع لا تقودها دولة عربية على الرغم من أن العرب يشكلون غالبية ما يسمى بالشرق الأوسط!! مع ذلك فقد ظهرت مؤخراَ ملامح مشروع (عربي) لا زال غير واضح للآن على الرغم من إمكاناته وخطواته الواعدة. إذ لم يتضح بعد هل هو مشروع متكامل تجري صياغته والعمل عليه أم أنه مجرد محور سياسي إقليمي تشكل لغايات تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية آنية. والمقصود هنا هو المشروع السعودي الصاعد بقوة مدعومة برؤية استراتيجية داخلية واضحة وواعدة اقتصادياً وسياسياً واجتماعيا تضمنتها ما سمي برؤية 2030 للسعودية المؤلفة من حوالي 80 صفحة حددت رقمياً الأهداف الطموحة للملكة في كل مناحي الحياة والتي أن تحققت-وهو ما يبدو واضحاً للآن- فأنها بلا شك ستجعل من السعودية قطباً سياسياً واقتصاديا رئيساً في المنطقة.
ناتج سعودي
وتكفي الأشارة هنا الى أن الناتج المحلي السعودي بلغ 1.1 تريليون دولار في 2024 محققاً أعلى نمو أقتصادي عربي ومتفوقاً على معدلات نمو الناتج العالمي فضلاً عن معدلات نمو ناتج الدول المتقدمة. والمثير للأنتباه أن معدلات نمو الدخل غير النفطي للسعودية كانت مرتفعة جداً وشكلت 50 بالمئة تقريباً من الناتج السعودي الإجمالي وهو أمر يحدث لأول مرة منذ اكتشاف النفط هناك! هذه الأمكانات الأقتصادية الهائلة هي ما مكنت السعودية من دخول نادي الدول العشرين G20 الأكبر أقتصاداً في العالم،علماً بأنه عدا تركيا التي لديها مشروعها الذي ناقشناه سابقاً،فأن المشروعَين الآخرَين (الصهيوني والإيراني) بعيدان جداً عن الإنضمام لنادي الدول الأقتصادية العظمى.
وإذا أخذنا بنظر الاعتبار الجهود الكبيرة التي بذلتها القيادة السعودية لإعادة رسم علامتها السياسية والاجتماعية والاقتصادية rebranding المميزة لها (والتي كانت منمطة عالمياً Stereotyped سابقاً) بحيث تتلائم مع متطلبات العصر الراهن فأننا ندرك أن هناك رؤية جديدة وواضحة للعب دور جديد ومختلف عما سبق. فالسعودية لم تعد ذلك البلد النفطي الصحراوي المتحفظ والمحافظ اجتماعيا وسياسياً وأقتصادياً والذي تلعب فيه المؤسسة الدينية دوراً كبيراً في الحياة الاجتماعية وحتى الأقتصادية. غير أن ذلك لوحده لا يعني وجود مشروع استراتيجي إقليمي وإن كان يؤسس له. أن أي تقويم موضوعي لأمكانات السعودية وما تقوم به منذ أن أشرف ولي عهدها «محمد بن سلمان» على تحديثها وتطويرها يخرج باستنتاج واضح هو أن هناك رؤية مستقبلية كبيرة مدعومة بأمكانات اقتصادية وبشرية هائلة.
انطلاق مشروع
مع ذلك فأن هناك محددات (خارجية أكثر منها داخلية) تقف عائقاً أمام هذا الأنطلاق وهذا المشروع أذا أريد له أن يمضي للأمام. ولعل أهم معوقات إنطلاق هذا المشروع السعودي هو المحدد الجيو-استراتيجي للمملكة حيث الجوار الجغرافي للمشروع الإيراني الذي يحاصرها من الجنوب والشرق والشمال. هذا الجوار غير المريح هو ما تسبب في دخول السعودية في حرب مستمرة مع اليمن منذ عشر سنوات استنزفت كثير من القدرات والإمكانات السعودية ناهيك عن تأثيراتها الإستراتيجية السلبية الأخرى. وتبدو السعودية محاطة باليمن من الجنوب وإيران من الشرق والعراق من الشمال وهي جميعها دول تصنف بأنها ضمن محور المقاومة الذي تقوده أيران. لذا فأن ما يحصل الآن في الإقليم وبخاصة ما يتعلق بالمشروع الإيراني والعثماني والصهيوني له تأثيرات مهمة على السعودية ومشروعها الآخذ بالتشكل والذي قد يدخل منافساً قوياً للمشاريع الآنفة، وهو ما ستتم مناقشته في المقال القادم.