الأنظمة الدكتاتورية والشمولية وإرادة الشعوب
سامي الزبيدي
التاريخ كما يصفونه انه سجل الشعوب والأمم ويحفظ لنا التاريخ عبر سجله المليء بالإحداث ان الأنظمة الشمولية والاستبدادية والدكتاتورية مهما بالغت في جبروتها وظلمها وتنكيلها وسحقها لشعوبها ومهما بقيت في السلطة والحكم لابد وان تنتهي في يوم من الأيام وتنتهي على أيدي شعوبها فلم تفلح كل أساليب القوة والبطش والظلم والغطرسة التي تتبعها هذه الأنظمة من الصمود بوجه إرادة الشعوب وتاريخ الشعوب والأمم خير شاهدا على ذلك ويذكرنا لتاريخ بالثورة الفرنسية التي حدثت عام 1789 والتي أسقطت الملكية المتجبرة التي سحقت الشعب الفرنسي وأعلنت الجمهورية الأولى في فرنسا عام 1792, كما يذكرنا التاريخ بالجنرال الاسباني فرانكو الدكتاتور الذي حكم اسبانيا من عام 1938 الى عام 1973 بعد ان أطاح بالجمهورية الاسبانية عام 1936 وأدى ذلك الى اشتعال الحرب الأهلية الاسبانية التي استمرت ثلاث سنوات وانتهت عام 1939 وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف اسباني بين قتيل وجريح وبعد وفاة فراكنو انتقلت اسبانيا الى ملكية دستورية ببرلمان منتخب وحكومة مستقلة والعالم يتذكر جيداً هتلر في ألمانيا وموسوليني في ايطاليا وما سبباه ليس لشعبيهم بل للعالم من جرائم وماسي وكوراث لا توصف يتذكرها العالم الى أيامنا هذه وكيف انتهى بهما المطاف الى مزابل التاريخ , ويذكر لنا التاريخ كيف سقط الحكم العنصري في جنوب أفريقيا بعد ان حكمت الأقلية البيضاء البلاد منذ عام 1948 وانتهى حكمها عام 1992 تحت ضغط الثورة الشعبية للأكثرية السوداء بقيادة مانديلا وأدى هذا الضغط والثورة الى إرغام حكومة الأقلية البيضاء على إجراء استفتاء شعبي أعاد للأكثرية السوداء حقوقها وقيام الحكم الوطني في جنوب أفريقيا براسة مانديلا , وفي الأرجنتين التي شهدت انقلابا عسكريا أطاح بالحكومة عام 1966 وتعاقب على الحكم جنرالات عسكريون دكتاتوريون حتى عام 1983 حيث استعادت البلاد النظام الديمقراطي بعد تزايد الاحتجاجات الشعبية وبعد هزيمة الأرجنتين من بريطانيا في حرب الفوكلاند , وعلى صعيد امتنا العربية نذكر بسقوط الحكم الفرنسي في تونس واستقلالها عام 1956 بعد نضال الحزب الحر الدستوري بقيادة الحبيب بورقيبة ومن خلفه الشعب التونسي والثورة الجزائرية ثورة المليون شهيد التي انطلقت عام 1954 ضد الاحتلال الفرنسي الذي استمر 124 سنة وانتهت باستقلال الجزائر في 5 تموز 1962 .
ثورة شعبية
أما الأنظمة الشمولية والدكتاتورية في المنطقة العربية فأول نظام عربي شمولي اسقط بثورة شعبية كان نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي ففي 17 كانون الأول 2010 اندلعت الاحتجاجات في ولاية سيدي بوزيد تضامناً مع الشاب محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده بسبب البطالة ومصادرة عربته من قبل الأمن التونسي ثم توسعت الاحتجاجات لتشمل اغلب الولايات والمدن التونسية سقط فيها العديد من القتلى بنيران قوات الأمن وأعلن الرئيس بن علي في خطاب له انه لن يشترك في انتخابات عام 2014 ووعد بإصلاحات ديمقراطية لكن ذلك لم يكن كافيا حيث تصاعدت التظاهرات والاحتجاجات والمواجهات في العاصمة تونس وأعلنت حالة الطوارئ واضطر الرئيس التونسي بن علي على اثر هذه الاحتجاجات مغادرة تونس يوم 14 كانون الثاني 2011 الى منفاه في السعودية بعد 23 عاما في السلطة والثورة التونسية هي أول ثورة شعبية تطيح برئيس عربي انفرد بالحكم طويلا , وبعد تونس جاء الدور على مصر التي شهدت السنين الأخيرة من حكم حسني مبارك العديد من الاحتجاجات والتظاهرات التي تحولت الى ثورة شعبية هي ثورة 25 يناير أطاحت بحكم مبارك الذي استمر 29 عاما من عام 1981 الى عام 2011 واجبر مبارك على التنحي عن الحكم وبعدها قدم للمحاكمة بتهمة قتل المتظاهرين في الثورة وتم الحكم عليه بالسجن المؤيد وخضعت مصر لحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة وبعد الانتخابات التي جرت في مصر استولى الإخوان المسلمين على السلطة في مصر وانتخب محمد مرسي رئيسا لمصر عام 2012 والذي أطيح به من قبل وزير دفاعه عبد الفتاح السيسي في تموز 2013 بعد انحراف مرسي والإخوان المسلمين عن خط الثورة الشعبية .
مؤامرات دولية
أما الأنظمة الشمولية في العراق وليبيا وأخيراً في سوريا فلم يتم الإطاحة بها بثورة شعبية بل بمؤامرات دولية وإقليمية خدمة لمصالح اسرائيل وأمريكا والغرب وبعض الدول الإقليمية فبالنسبة للعراق تم إسقاط نظام الحكم فيه من قبل أمريكا بعد غزو بربري واحتلال همجي تسبب في تدمير العراق أرضاً وشعباً حيث دمر الأمريكان كل مؤسسات الدولة ووزارتها ودوائرها وأجهزتها الأمنية وتعرضت كل هذه المؤسسات للسرقة والنهب بدفع وحماية من الأمريكان وإمعاناً من منهم في تدمير كل شيء في العراق و كذب الأمريكان على الشعب العراقي بادعائهم أنهم جاءوا محررين العراق من نظام شمولي وسيبدلونه بنظام ديمقراطي فكانت ديمقراطية الأمريكان اكبر كذبة عرفها العالم والشعب العراقي فالأمريكان أشاعوا التقسيم العرقي والطائفي في العراق ثم سلموا البلاد الى أحزاب طائفية أكملت تدمير ما لم يدمره الأمريكان وأشاعت هذه الأحزاب الصراع الطائفي بين مكونات الشعب المتآخية كما أشاعت الفساد والسرقات الكبرى لأموال الشعب وثروات الوطن وعملت من اجل مصالحها الفئوية الضيقة ومصالح دول أجنبية على حساب مصالح الشعب والوطن وباعت هذه الأحزاب أراضي الوطن ومياهه الإقليمية لدول الجوار بثمن بخس وأعادت العراق قرونا الى الوراء ولا زال العراق يعاني التشرذم والتقسيم الطائفي والفساد والسرقات الكبرى لأمواله وثرواته وهيمنت دول اقليمية على قراره السيادي وعلى أمنه واقتصاده ولا زال العراق يعاني تداعيات الغزو والاحتلال الى أيامنا هذه , وحال العراق ينطبق على ليبيا التي اسقط نظام الحكم فيها بمؤامرة دولية بقيادة أمريكا وفرنسا والدول الغربية.
وبعض الدول الخليجية خدمة لإسرائيل وأمريكا والمصالح الغربية ولم يسقط الشعب الليبي نظام القذافي ولا زالت ليبيا تعاني من تبعات سقوط النظام ففيها حكومتين كل منهما تبحث عن مصالح ليست وطنية والفوضى والصراع السياسي والعسكري سيد المشهد في ليبيا وأخيرا وليس آخرا المؤامرة الدولية والإقليمية التي قادتها تركيا ودول أخرى وأسقطت نظام حكم بشار الأسد في سوريا فالذي اسقط النظام السوري فصائل مسلحة تتبع أجندات تركية وإسلامية متطرفة وغربية وبمساعدة دول خليجية أيضاً , فالتاريخ وتجارب الشعوب تؤكد ان الشعوب الحية لن تقبل الأنظمة الدكتاتورية والشمولية التي تحكمها بالقوة والحديد والنار وتضطهدها وتضلمها وتؤذيها ولا بد لهذه الأنظمة من السقوط يوما ما تحت ضغط الشعوب وتضحياتها ونضالها فالشعوب لا تقوى على الظلم والجور والاستبداد طويلا ولابد من ثورة شعبية كبرى تستعيد فيها الشعوب حريتها وكرامتها فلا يصح إلا الصحيح والصحيح ان الأنظمة الدكتاتورية والشمولية مهما استخدمت ومن وسائل البطش والتخويف والاضطهاد والظلم والقوة فإنها حتما ستسقط يوما ما تحت إرادة شعوبها التي تتوق للحرية والكرامة والعيش الأمن الكريم وتحت حكم وطني شعبي يؤمن بمبادئ الحرية والديمقراطية والكرامة والعدل والمساواة ويعمل من اجل مصالح وطنه وشعبه لا من اجل مصالح فئوية وحزبية ضيقة ومصالح دول إقليمية ودول كبرى .