الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
هل ما زال كالفن يحكمنا؟.. إقتباس من كتاب عنف الدكتاتورية

بواسطة azzaman

هل ما زال كالفن يحكمنا؟.. إقتباس من كتاب عنف الدكتاتورية

سالم روضان الموسوي

 

لفت الانتباه عنوان كتاب صدر في القرن العشرين حيث كان عنوانه (عنف الديكتاتورية) للمؤلف الاديب النمساوي (ستيفان زفايغ)  المولود عام 1881م وترجمه الى العربية الاديب والمسرحي اللبناني فارس يواكيم الذي نشر في عام 2013 من دار الفرات في بيروت، وما يلفت الانتباه ان العنوان هو تحصيل حاصل لان كل ديكتاتورية تولد عنف سواء كان مادياً او معنوياً، لكن عند مطالعة الكتاب سنجد ان الكاتب يسعى الى اطلاق تحذير للجميع بان الديكتاتورية تولد العنف حتى لو أتت عبر الوسائل الديمقراطية او القانونية، وهذا ما اختزله المترجم في تقديمه الكتاب،

وما أشار اليه المترجم يكاد يقارب ما نحن عليه، حيث تغنى البعض بانه اتى الى سدة الحكم عبر الديمقراطية الدستورية او من خلال القانون الذي منحه التأبيد في الموقع، ويتباهى بانه ديمقراطي لأنه اتى عبر هذا السبيل،

وفي المقدمة أعلاه نرى ان الكاتب (ستيفان زفايغ) أشار الى ان النازيين قد وصلوا الى حكم المانيا عبر الانتخابات الديمقراطية الا انهم حولها الى ديكتاتورية اعتى من ديكتاتورية ستالين في حينه، وجاء في المقدمة (في عام 1933 وصل النازيون إلى السلطة بانتخاب ديمقراطي، لكنهم ما لبثوا أن حوّلوا ألمانيا إلى دكتاتورية، تنافس الستالينية في عنفها وبشاعتها) ص7

ومن هذا القول أرى ان بعض من يعيب على الديكتاتور سطوته وجبروته، ويزعم انه على خلاف ذلك، ما يلبث وان يصبح اكثر طغياناً وقسوة وعنفاً، وهذا ما ذكره الكاتب ستيفان عند وصفه بطل كتابه (كالفن)  حيث يذكر بان (كالفن قدم إلى جنيف من فرنسا هربا من محاكم التفتيش الكاثوليكية، هو المنضم حديثا إلى المذهب البروتستانتي. وبدأ حياته المهنية قسيسا في كاتدرائية سان بيار في جنيف، وما لبث خلال فترة زمنية قصيرة أن أمسك بزمام الأمور، وأن أضحى الحاكم الأوحد محولا المجتمع الديمقراطي إلى دكتاتورية لا رأي فيها سوى رأيه، وكل الأصوات أصداء لصوته، والويل لمن يعترض) ص8، ويقارب هذا الشخص اشخاصاً عدة في واقعنا الراهن، ويذكر الكاتب سيرة (كالفن) بانه ابن لاحد مسؤولي الكمارك وكاتب العدل الكنسي في مدينته، وانه تعلم في احدى المدارس التي تخرج القساوسة والمحامين،

ويعطي لنا نتيجة هذا الطغيان اذا ما اتى ممن يزعمون انهم من رعاة الديمقراطية ودعاة الاصلاح فيقول (إذا تحوّل دعاة الإصلاح إلى جلادين، فانهم سوف يعاملون المعترضين بالعنف، ويذيقونهم أشد أنواع العذاب من السجن إلى الحرمان من الحقوق المدنية ، بلوغا إلى الإعدام ومنه الإعدام حرقا) ص8

وسائل قانونية

ويكاد هذا الكاتب ان يلامس واقعنا وكيف اصبح مآل التعبير عن الرأي وما وصلت اليه اليات تكميم الافواه وبوسائل قانونية وديمقراطية ومنها سن وتشريع القوانين التي تقيد ان لم تمنع الحرية والتعبير عن الرأي بعناوين ديمقراطية،

وحاول هذا الكاتب ان يطلق صرخة استنكار بوجه هؤلاء الطغاة لكنه كان يعلم جيداً ان النهم لا يطقون سماع هذه الصرخات وانما يحبذون هتافات التأييد، وفعلا نرى ان الطغاة في الوقت الراهن يجيرون كل ما يقع تحت سلطانهم الى أداة لتلميع صورهم، ويقيمون الولائم والمؤتمرات لسماع هتافات التأييد من المتملقين والانتهازيين،

 ويستطرد الكاتب بقوله، ان الديكتاتورية لا تتساهل حتى مع الصرخة الأولى، وتظهر ردة الفعل في كمّ الأفواه، يليها استئصال الأفواه وأصحابها، وقد لا يكون الاستئصال قتلاً بل يكون عزلا عن الموقع لمن نادى بالحرية او حبساً لمن اعلى صوته للمناداة بها.

ويقول الكاتب باستغراب كيف يمكن مقاتلة ومقارعة الطاغية بينما يقف وراءه الآلاف، بل عشرات الآلاف، مضافا إليهم الآلة العسكرية المكوّنة لعنف الدولة. ويقول (بفضل حرفية فائقة التنظيم نجح كالفن في تحويل مدينة بأسرها، بل ودولة بكاملها، بمواطنيها إلى آلة ضخمة طوع يديه مهمتها أن تستأصل كل استقلالية وأن تصادر حرية التفكير لصالح عقيدة وحيدة، عقيدته. كل مصادر السلطة في المدينة والدولة خضع لسلطانه، الإدارات بكاملها والتراخيص كافة، مجلس المدينة المجمع الديني، المحاكم والجامعة، الشؤون المالية والأخلاقية القساوسة المدارس، الشرطة، السجون، الكلمة المكتوبة والمحكية بل والمهموسة سرا) ص14،

ويستنتج الكاتب بان مذهب كالفن أصبح القانون. ويضيف بان (كل من يجرؤ على إبداء أدنى اعتراض مصيره النفي أو عذاب السجن أو الحرق، وهي أحكام غير قابلة للنقاش كما في كل ديكتاتورية، ومن ثمّ تستخلص العبرة أنه في جنيف ثمة حقيقة وحيدة مسموح بها وأن كالفن نبيها.) ص14

ويرى (كالفن) على وفق ما ورد في الكتاب، (لا يمكن أن تدوم السلطة من دونه. والذي يريد أن يحتفظ بالسلطة، ينبغي أن تكون أدوات السلطة بين يديه. والذي يريد ان يأمر عليه أن يمتلك الحق في القصاص أيضا)

بعد العرض الميسر هل كان (ستيفان زفايغ) يدرك ان ما يخطه قلمه سوف يطبق ويظهر فعله في الواقع لاحقاً؟ وهل ما عليه الحال يتفق مع ما جاء به الكاتب أعلاه في عرضه بالكتاب الموسوم (عنف الديكتاتورية)؟

ومثلما كان كالفن لا يسمح أبدا وبأي شكل من الأشكال، بالحرية سواء في العقيدة أو في الحياة العامة ـ واختم القول بما قاله احد المعارضين للطغيان وكما ذكره الكاتب بكتابه حيث يذكر بان التعزية التي تبقى في كل تلك العصور التي تفوّق فيها العنف على الفكر، تتمثل في الاحتقار الكلي الذي أبداه لهم  هذا المعارض بقوله (كلماتكم وأسلحتكم هي الطغيان الذي به تحلمون وهي زمنية زائلة وليست روحية، كما أنها ليست مؤسسة على محبة الله وإنما على الإكراه. من جهتي لا أحسدكم على سلطتكم ولا على أسلحتكم لدي سواها الحقيقة والشعور بالبراءة، واسم الذي يعينني ويسبغ علي الرحمة وحتى لو قمعت الحقيقة لفترة زمنية من القاضي الأعمى، الذي هو العالم، فلا يملك أحد أن يمارس العنف عليها. لندع جانبا حكم هذا العالم الذي قتل المسيحية ولا نولين اهتماما بمحكمته التي لا يربح أمامها إلا قضية العنف. إن مملكة الرب الحقيقية ليست من هذا العالم) ص179

 قاضٍ متقاعد

 


مشاهدات 101
الكاتب سالم روضان الموسوي
أضيف 2024/12/11 - 4:55 PM
آخر تحديث 2024/12/12 - 4:53 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 359 الشهر 5027 الكلي 10061122
الوقت الآن
الخميس 2024/12/12 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير