اللاجدوى كخيار قهري.. حين تصادر الأنظمة أمل الشعوب
محمد رسن
يقول كامو: ان الشعور باللاجدوى ياتي حينما يشعر الانسان ان الحياة بدون هدف، وانها مجرد روتين يومي، وأعمال متكررة الأشياء ذاتها ،والمواعيد، وأيام العطل، وأيام العمل، والأعياد، وأشياء كثيرة تسير وفق إيقاع واحد، بذلك تولد شعورا بالعداء للعالم الذي نشعر تجاهه بالاغتراب وبالاغتراف، وأن الزمن الذي يقودنا لمضاعفة جهودنا هو عدونا الأول، وأن حقيقة الموت تكشف لنا عبثية الحياة، والعقل بطريقته الخاصة يقول لنا أن هذا العالم عبثي..
هنا صرخات كامو عن اللاجدوى، لم تكن عن فراغ، بل كان يشير بأصابع واضحة نحو الذين صنعوا هذا العبث واللاجدوى هم السياسيون، اي في كل بلد يعاني من الفساد السياسي، هناك إحساس طاغ باللاجدوى يتسلل إلى النفوس، حتى يصبح واقعا يوميا يعيشه الجميع، اللاجدوى ليست مجرد شعور.
تغيير حقيقي
بل هي نتيجة حتمية لاستمرار حكم اللصوص والغرباء الذين لا يرون في الدولة سوى غنيمة تقسم بينهم بينما المواطن مصيره مجهول وتائه، في مثل هذه المهزلة يصبح أي أمل بالإصلاح أشبه بالعبث، وتتلاشى الثقة في أي تغيير حقيقي، لان كل محاولات التغيير أو الإصلاح لا تُؤتي ثمارها، لأن النظام الفاسد أقوى من أي جهد فردي أو جماعي، هذا الإحساس شعرت به في نفوس الكثير من المحتجين الذين التقيتهم في احدى وقفات الاحتجاج في ساحة التحرير، اليأس يدب في صدورهم جميعاً، وبالتأكيد لا يأتي هذا الشعور من فراغ، بل من تراكم سنوات من فشل السلطات بتغيير الواقع نحو الأفضل، وتحقيق أحلام العباد في حياة حرة كريمة، حيث وجد المواطن نفسه في حلقة مفرغة احتجاجات تُقابل بالقمع وفضائح فساد تقابل بالتجاهل، وانتخابات تدار بالتزوير والمحسوبيات والمنســـــــوبيات، عندما يتحول الفساد إلى أسلوب حكم، يصبح أي سعي للبناء مجرد محاولة فاشلة، إذ تختزل الدولة في مجموعة من الرجالات تحتكر السلطة والثروة، بينما المواطن محروم من أبسط حقوقه، حينها تتجلى اللاجدوى في كل شيء في التعليم الذي لاينتج سوى العاطلين، في المشاريع التي تبدأ ولا تنتهي، في العدالة التي لا تطال الكبار، وفي الاقتصاد الذي يزداد انهيارا يوما بعد يوم، وفي الأموال التي تتكدس في جيوب جوقة من السراق، بالمقابل جيوب الشعب غير عامرة إلا بالفقر والذل والمهانة، السبب الرئيسي وراء انتشار الشعور باللاجدوى هو الطبقة السياسية الفاسدة، التي تحكم البلاد وكأنها شركة خاصة، هدفها تحقيق الأرباح وليس خدمة الشعب، اضافة الى نهب المال العام وسرقة الأموال المخصصة للبنى التحتية والخدمات، مما أنتج لنا مشاريع متوقفة ومستشفيات لاتليق باي ادمي يحترم نفسه ومدارس حكومية تكاد تختفي وتحل محلها المدارس والكليات الأهلية، كذلك إسكات أي صوت معارض واعتقالات غير قانونية تعسفية، مما يجعل المواطن يشعر بأن التغيير مستحيل، كما ان التلاعب بعد كل انتخابات بمسمى الكتلة الأكبر وغيرها، جعل الانتخابات في اذهان الأفراد انتخابات صورية، شكلية لا تؤدي إلى أي تغيير حقيقي، مما يرسخ فكرة أن لا جدوى من التصويت أو المشاركة السياسية، ولاننسى الفوضى الاقتصادية التي ادت الى تضخيم الأزمات المعيشية وجعل الناس مشغولين بلقمة العيش بدلا من المطالبة بالإصلاح، والأهم من ذلك كله هو تحالف المال والسلطة والسلاح واستخدام رجال الأعمال الفاسدين كأدوات لتعزيز السيطرة، مما يجعل الثروة محصورة في أيدي القلة، عندما يكون الاقتصاد في قبضة الفاسدين، يصبح الاستثمار في المشاريع الإنتاجية أمرا مستحيلا.
صفقات مشبوهة
لأن رأس المال يهرب إلى الخارج مثلما يحصل اليوم حيث خزينة الدولة تفتح للدول الاخرى والفرد العراقي ينهش به العوز، والأموال تهدر في صفقات مشبوهة والمواطن العادي يشعر أن عمله الشاق إن وجد لا يغير من وضعه المعيشي شيئاً فالرواتب لا تكفي، والبطالة تتزايد، والأسعار بارتفاع متزايد، والبطالة حدث ولاحرج والتي سببها الرئيس ليست نتيجة قلة الفرص، بل نتيجة احتكار المناصب لمن يملك واسطة او منتم لأحدى احزاب الطغمة الفاسدة، في وقت الشباب المؤهلون يُقصون بينما يتسلق الفاسدون إلى المناصب العليا دون كفاءة، والميزانيات الضخمة التي تُخصص لجميع القطاعات لاتجد لها أثراً يوازي ماصرف عليها، كل هذه أسباب لتفشي اللاجدوى الكارثية في نفوس الأفراد، حيث يفقد المواطن الأمل، ولايجد أمامه حلاً سوى الهروب، مما يؤدي إلى استنزاف الكفاءات والعقول، أما الناس البسطاء عندما تتملكهم اللاجدوى ويشعرون أن لا عدالة في الدولة، يلجؤون إلى الأساليب غير المشروعة لكسب العيش، وهذا الذي يبرر كثرة الجرائم، رغم كل شيء يبقى هناك أمل في التغيير لكنه يتطلب إجراءات حقيقية مثل، محاسبة الفاسدين فلن يكون هناك إصلاح ما دام اللصوص في السلطة، كذلك إصلاح القضاء وضرورة ان يكون مستقلًا وقادرا على ملاحقة الفاسدين، واعادة النظر ف توزيع الثروة وتقليص الفجوة بين الأغنياء والفقراء وإعادة بناء الاقتصاد على أسس عادلة، من هنا يبدأ التغيير الحقيقي عندما يدرك الشعب قوته ويرفض أن يكون ضحية دائمة للفساد واعادة الثقة بنفسه واحترام كرامته، وتوفير بيئة صالحة للعيش تليق بذاته التي كرمها الله واعلى من شأنها، مواجهة هذا الواقع تحتاج إلى وعي جماعي، وإرادة حقيقية للخروج من هذه الدائرة المفرغة فالشعوب التي تدرك قوتها لا تهزم والتغــــــــــــيير ليس مســـــــــتحيلا لكنه يتطلب ثمنا من الصبر والنضال.