الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
تأملات خطية في معرض للخط العربي

بواسطة azzaman

تأملات خطية في معرض للخط العربي

بغداد - رياض ابراهيم الدليمي

رعد عبد الرحمن من الخطاطين القلائل الذين شغفوا بجماليات الحرف العربي، ووظّفوه لتجسيم هيأته الخطّية لغاياتٍ تشكيلية حديثة. إنّه الخطاط الذي شغلته أجواء الحرف، خروجه من هيأته الكاليغرافية ودخوله مساحة التصميم الفني بهيآت معمارية وتلوينية مختلفة الأبعاد. لذا فإن رغبة التجسيم لعبارات مأثورة تفوق لديه خاصيتها الكتابية المحدَّدة ببعد ومعنى واحد. إنها تجهر بتحوّلها إلى نُصُب وواجهات معمارية كبيرة. فهي أيضاّ من الأعمال التي يضيق بها المكان المحدود والعرض الجداري الصغير (كما أشرتُ سابقاً إلى لوحات فنية حقُّها أن تُجسَّم أشكالُها في فضاء فسيح). ولنا في هذا المجال- التخصّص الكاليغرافي- أكثر من مثال يسمح بهذا التصوّر والتوظيف المعماري، كواجهات المباني العامة، ومداخل المدن، وأروقة المطارات ومحطات القطار، وغيرها من المنشآت المدنية. إلى جانب اللوحات الخطّية الجدارية للمعرض (جمعية الفنانين التشكيليين بالبصرة- 17 مايس 2025)، خصًص الفنان رعد عبد الرحمن جانباً لعرض نماذج مصغرة- ماكيتات لنُصُب مقترحة من تصميماته- تنتظر قيامها وتجسمها في فضاء الساحات العامة والحدائق والمتنزهات. وهذه النُصُب الصغيرة وحدها ما تدعو مدينةً في طور التجدّد العمراني والتوسع السكاني- مثل البصرة- إلى الالتفات إلى أعمال الفنان التجسيمية واحتمال نصبها في المكان المناسب لها.  ليس رعد عبد الرحمن إلا واحداً من خطّاطي المدينة التي تقوم على طبقات من الطُرُز المعمارية والخطوط الجدارية- بأنواعها التقليدية- إنما هو استخرجَ من حفائر الجدران ما يمكن عدّه تطويراً للخط الكوفي والجلي ديواني ورفعهما إلى مستوى الابتكار الفني والتصميم الحداثي اللذين أصبحا سمة فنانين استلهموا الطاقة الكامنة في جمالية الحرف العربي من قبله، وعملوا على تحديث البيئة المعمارية القديمة للمدن وتقريب الفن الجداري من أفهام السكّان (فنانو مدينة أصيلة المغربية على سبيل المثال). أما في مدن ابن مقلة والمستعصمي وهاشم الخطاط وغني العاني وعبد الكريم الرمضان، تصبح المهمة التحديثية/ التلقيحية بفنون الجدران أكثر إلحاحاً وطلباً من غيرها من التصاميم المعمارية الأساسية.   من ناحية أخرى، فليست الحركة الخطّية المتنامية في معارض حديثة، سوى انعكاس لخاصية الخطّ العربي التأملية، وما كان نسّاخو الكتب يبدعون في تشكيله وزخرفته وتوقيعه في عملية فردية؛ وما كان غيرهم من المتصوّفة يفترضونه من قيم روحية لكلّ حرف يرسمونه في صحائف مناجاتهم الذاتية. وفي تصوّري فإن عملية إخراج خط الحرف من السرّ للعلن، هي أقرب لبناء مدينة على أساس «فصوص الحِكم» لكاتب عرفاني مثل محي الدين بن عربي. ويا لها من مهمة صعبة!   وحين نغفل عن تبويب الفضاء الكاليغرافي للخطاط رعد عبد الرحمن، في أبواب ومسارات وطبقات، فلن نغفل الجهدَ الكبير الذي بذله في تجسيم روح مدينة- كبغداد والبصرة- في لوحات وتصميمات أولية تشير إلى الممكن والمؤجل في نماذج تصميمية محدودة ولوحات خطّية مستحدثة. فالحروف المحوَّرة والمندمجة في تشكيلات خطّية ولونية، تتطلع إلى تأمل أعمق في صميم الخطط المعمارية المستقبلية، هذه التي لا نستطيع وصفها بكلمات قليلة.


مشاهدات 144
أضيف 2025/06/02 - 1:46 PM
آخر تحديث 2025/06/04 - 8:52 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 506 الشهر 4228 الكلي 11138882
الوقت الآن
الأربعاء 2025/6/4 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير