فاتح عبد السلام
يحدث في دول شرقنا الأوسط، دون سواها من مناطق العالم، انّ الازمات الداخلية الناشئة تتطلب تدخلاً خارجياً حتمياً، وكأنه أمر عادي. ولو عسكنا صورة التدخل الخارجي “الرسمي” ووضعنا اسم تونس او المغرب او مصر أو إيران أو تركيا او الجزائر بدل سوريا ولبنان والعراق لوقفنا أمام علامة تعجب كبيرة تسد علينا جميع التأويلات والتحليلات.
قبل ذلك بسنوات طويلة، كان التدخل الخارجي في العراق امراً عادياً ومشروعاً في نظر عواصم دولية وإقليمية، ثم تحوّل تدخلاً مقنناً في مقبوليته.
لماذا تشجع الحكومات أو الاحزاب أو الأوضاع في بقاع الشرق الأوسط وهي عربية بامتياز على التدخل الخارجي تحت عناوين مختلفة ومغلفة بمسميات شرعية ودبلوماسية؟
لقد جاء زمن كانت الامثال تضرب بالتدخل الأمريكي المحدود والعاجل لأسباب إنسانية في الصومال قبل أن تطوى الصفحة في تسعينات القرن الماضي. فما الذي تغير بعد ذلك؟
هذه ظاهرة ليست عادية، لابدّ من الوقوف التحليلي عندها، ولابدّ أن تدرسها الأنظمة والقوى السياسية، لأنّ الذين يرون ان هناك تدخلات خارجية شرعية وأخرى خارجية غير شرعية انما يخلطون الأوراق ويضحكون على أنفسهم، ويتكلمون عن منطق العجز في مواجهة المشكلات من خلال حلول محلية. فلا الروسي أو الإيراني أو الأمريكي أو التركي يتدخل هنا وهناك لدعم جهة على طرف اخر، الا في مقابل أثمان عاجلة أو آجلة، وفي كل الاحوال يشكل هذا الوضع انتقاصاً في السيادة الوطنية وتعبيراً عن فشل سياسي في إقرار تفاهمات وطنية تحفظ أبناء البلد الواحد ولا تجعل فيه ضمن تصنيفات هجينة، جماعات أسياداً وجماعات عبيداً ومظلومين .
إقامة المعادلة الوطنية المتوازنة في بلداننا العربية هي الضمانة لحفظ السيادة ومنع التدخل الخارجي وقطع طريق الأوهام في التعامل مع العالم.
العراق يقع في قلب منطقة الازمات، وهي فرصة للتحصّن والتمكّن في استيعاب التجارب المحيطة وليس بالضرورة نقطة ضعف، الا إذا أرادوا أن تكون نقطة ضعف عن سابق إصرار من خلال التمسك بالفشل السياسي ومنطق اللا دولة بوصفهما إنجازاً وامتيازاً.