العبودية والحرية ووهم المواطن المستقر
مزهر الخفاجي
كلما أعدت قراءة كتاب العبودية المختارة لايتان لابوسيه، الذي يقول فيه: عندما يتعرض بلد ما، لقمع طويل- تنشأ اجيال من الناس لا تحتاج الى الحرية، أولا تشعر بطعمها. ويذكر ايتان لابوسية:
من أن هذه الشعوب او البلدان تتوائم مع الاستبداد، وينشأ عندها حدوث هذا التوائم أو القبول بما نسميه ( المواطن المستقر) وتنحصر اهتمامات هذا المواطن الذي ادمن العبودية المختاره و توائم مع الاستبداد. ويسطع على وعيه ثلاثة اهتمامات هي:
- الدِين.
- الخبز ( لقمة العيش).
- كرة القدم ( التسلية).
فالدِين عند المواطن المستقر، هذا العبد بالاختيار لا علاقة له بالحق والعدل.. انما ويقصد الدين أنما هو استنماء للطقوس والشكل بحيث أن هذا التدين او الإيمان نادرا ما يؤثر في السلوك.
مصالح شخصية
وهولاء المتدنيون سواءا في هرم الـسلطة او الذين یقبعون في قاعها مقلدين قدوتهم، فهم لا يشعرون بالذنب تجاه ما يمارسونه من كذب وتزوير وسرقه للمال، وأنا هم يحسون بالذنب اذا مافاتتهم أوقات الصلاة.
وهذا المواطن المستقر والى ظن العبودتية المختارة لا يشعر بالاذى او الظلم أو الوجع.. الاعندما تتهدد مصالحه الشخصية... منهم مثلاً ونقصد هذا المواطن المستقر لا يعلن رفضه للرشوة او التزوير او التجاوز والاعتداء على الآخرين كما يحصل مثلاً على حق فقير.
ولا يرفض ما يصاب به المواطن من حيف... ولايرفع صوته او يتظاهر عندما يقتل شخص أمام ناظريه.
واكثر ما يقوله وترشح من قريحته هو (( حسبنا الله ونعم الوكيل))، أو (( اللهم احفظنا واحفظ اوطاننا من كل شر!!)).
والعامل الذي يهتم به المواطن المستقر ( لقمة العيش) ولقمة العيش التي يجتهد فيها هذا المواطن. ليس مهم ان يستغل فيها وضعه ليأخذ رشوه.. جراء توقيعه على معاملة أو معاملة متجاوزٌ عليها قانونياً أو يتجاوز فيها على حق غيره.
لأنه يرفع شعار انها ضرورة للقمة العيش. وليس مهما لهذا المواطن المستقر أن ينجح بالرشوه. لانه يأخذها من هذه اليد ليرفعها لليد الأخرى. وليس مهما لهذا المواطن أن يزوج أبنته في مال حرام أو يركب سيارة فارهة منها.
كذالك المهم لهذا المواطن أن يحصل على لقمة العيش، هذه التي يعيش منها الاولاد ( اي اولاده). حتى وان كان بالمال الحرام... وهي ضرورة لاستقراره الهمش وليس مهما ان يطلق عليه مواطن يختار عبوديته باصرار.
الاهتمام بالتسلية والرياضة
ويظهر أن العبودية بالاختيار عند المواطن المستقر هذا للتعويض عن أشياء حرم منها.. وهذه الحاجات هذا المواطن الموهوم بالاستقرار. تنسيه العدالة ومن هذه الاهتمامات التي تجعله يشعر بالتسلية.
يذهب هذا المواطن للانشغال بكرة القدم مثلا لان التسعين دقيقة تشعره بالمتعة. وتجعله ينظر الى مساحة من لعبة الخط التي تطبق فيها قوانين العدالة المتقوضة في حياته.
ونفس اللعبة تنسيه التفكير في العدل المفقود في لعبة الحياة، وان من العادات أو الحاجات المهمة للمواطن الموهوم بالاستقرار ذهاب نحو اقتناء حاجات قد لايحتاجها، فهو يهتم بشراء السيارات الفارهة وتبديلها كل حينٍ يسنح له.والسكن في بيوت فارهة رغم أن عدد نفوس عائلته لا يتجاوز الأربعة.. فضلا عن ارتداء البدلات الغالية الثمينة. ولبس الاحذية وارتداء الساعات واقتناء الملابس الباهظة الثمن. بالرغم من أن هذا المواطن الموهوم بالاستقرار يغلق ابواب منزله الفاره على اقاربه من الفقراء أو يبخل على موظف مسكین. والغريب أن بعض الممسوسين بالرفاهية والاستقرار الكاذب. هذا وهم يدمنون اعداد الولائم في المناسبات الدينية.. ادعاءً بالتقرب من اولياء الله الصالحين متناسين هؤلاء الاشخاص من أنهم يمارسون الخديعة مع أنفسهم. ظانين من أن الناس يصدقون كذبتهم سواء بالورع أو بالكلام أو التصدق بالادعاء....
هذا الفعل، ونقصد استمتاع ألمواطن المستقر بالرياضة او الاستمتاع بمظاهر الاناقة والجمال، هدفه الانسـان عقدة نقص واضحة هدفها تعويض الحرمان والكبت المشوبه بخداع قد يتفاقم من عبوديتهم بالاختيار لصنع استقرار واهم.
ان المواطن المستقر هذا والذي هو نتاج عبودية مختاره هو الذي جعل المفكر نعوم جومنسكي يقول:
- أن هذا المواطن هدفه حرف وعي الناس وتحریف كتاب تاريخ البشرية. وذلك لصناعة تآريخ آخر يجعلنا نصدق من ان الرجال العظماء فعلوا كل شيء بعد النفخ فيهم، انه جزء كذبة تعليم الناس انهم لا يستطيون فعل اي شيء. وانهم عاجزون وعلیهم انتظار رجل عظيم، وفعل ذلك من اجلهم، اما هم فعليهم التفرع لثلاث: تدين مضطر، والجري وراء لقمة عيش مغمسة بالشرف، وتسلية مبالغ فيها حد الهوس. أن مجرد التفكير بالمواطن المستقر أو الموهوم بالاستقرار تدعمها الحرية ورغبة في عبودية مختارة، هي التي جعلت الروائي فيودور دوستوفسكي يصف مستقبل البشرية قائلاً:
- سيصل العالم الى زمن يمنع فيه الاذكياء من التفكير حتى لا يسيئوا الى الحمقى.
ولهذا ليس بالبعيد في المستقبل القريب أن تظهر لدينا مصطلحات. توصف بها طبقات المجتمع، فنجد:
- المواطن الغني.
- المواطن المسكين.
- المواطن المستقر.
ولا نعرف هل أن مخرجات مجتمعاتنا العربية والشرق اوسطية سببها فشلنا، اي النخب وجماهير الشعب للفصل بین الحرية والعبودية وبين الاستبداد والديمقراطية. وحين يتم الفرز الجمعي الواعي.
يصبح قول الفيلسوف برنارد شو الذي يقول فيه:
- أن الديمقراطية لا تصلح لمجتمع جاهل، لان الاغلبية الجاهلة هي من سيقرر مصيرنا.
- ان الاغلبية التي تكرس اغلبية صناديق... بلا روح وبلا وطنية وبلا أخلاق وبلا مستقبل.
هنا نصنع أو قولوا وطنا موهوماً بالاستقرار، وأن الاستبداد وطبائعه المعروفة قد يضع مواطناً موهوماً بالاستقرار: هذا الوهم الذي جعل جيفارا بصيغة الحاليين: ( وهم الديمقراطية والعبودية بالاختيار) كما يقول جيفارا.
جعلونا نتكلم عن بائع الحليب، وبائع الزيت وبائع الخضار وارتفاع اسعار الفواكه، حتى أنسونا بائع الوطن!. وهنا علينا أن لا نقع في المثالية المفرطة، ونعتقد بأن قولك أو قولي للحقيقة كما يقول نيتشه:
- سوف يقربنا من الناس.... الناس تحب وتكافأ من يستطيع تخديرهم بالاوهام.
منذ القدم.. والبشرية لا تعاقب الا الحقيقة، إذا اردت البقاء مع الناس: شاركهم اوهامهم... والحقيقة يقولونها من يرغبون بالرحیل و بالتغيير، الذي يقبضون على وطنهم وحريتهم بالنواجذ.
أننا يجب أن نؤكد هنا أن ثالوث: الوطن / الحرية / الـسلطة
قد نقع في زحمة صراخ المرجفين بحقوق المكون والعبودية بالاختيار، وتسطيح الوعي المقصود، الذي تدفع اليه الجماعات الحاكمة وغفلة جماعتها الوطنية. وعدم الاحتكام الى عقد اجتماعي- دستوري ينظم شكل العلاقة المتبعة عن مركزيات ثلات:
( مركزية العشيرة والمؤسسة الدينية والاقطاع).
هذا الأمر يجعلنا نلج في القول، ان الحرية أو الديقراطية ليست خياراً ليراعي قيد الوقوف عند تمنيات استشراء غير مستنير.. او انتظار المخلص او تداري مسارات مجتمعاتھا للحاق في ركب الحضارة.
الذي ساهمت في بناءه، وهذه الوصفة تنطبق مع مقولة الفيلسوف سوبنهاور:
- هذه الحياة... لن تقف لتراعي حزنك، أما أن تقف أنت وتكملها وتداوي انكسارك. او
ستبقى طريحاً... معتلاً للأبد.
وأن أعظم مأساة تواجهها مجتمعاتنا ليس الفشل... بل عدم المحاولة.. أو التخلي عن الحلم. ولأن التخلي عن الحلم كما يقول الروائي ديستوفسكي هو الخيانة لجوهر الحياة نفسها.
فما قيمة الحياة.. إذا عشناها من دون أن نختبر حدود امكانياتنا، أن النجاح الحقيقي ليس في عدم السقوط بالفشل، بل في قدرتنا على النهوض في كل سقوط. وان نحلم مجدداً.
.