الصحافة مهددة بنقص التمويل
محمد سلام
تعد الصحافة الورقية في العراق جزءاً أصيلاً من التاريخ الثقافي والسياسي للبلاد، حيث كانت ولا تزال تعبر عن صوت الشعب وتوثق الأحداث والتوجهات السياسية والاجتماعية على مدار العقود. إلا أن هذه الصحافة تواجه اليوم تحديات جمة، أبرزها نقص التمويل، وهو ما يهدد استمرارها وقدرتها على البقاء في ظل التطورات التقنية والإعلام الرقمي.
أزمة التمويل وتأثيرها على الصحافة الورقية
وعلى الرغم من التطور السريع للإعلام الإلكتروني الذي اجتاح العالم، تبقى الصحافة الورقية في العراق وثيقة تاريخية حية، تسجل الأحداث والوقائع بشكل ملموس. فهي ليست مجرد وسيلة لنقل الأخبار، بل تُعد بمثابة سجل تاريخي يوثق الأحداث ويوفر مرجعية للأجيال القادمة، خصوصاً في بلد شهد تحولات سياسية واجتماعية كبيرة مثل العراق.
ومع ذلك، تعاني الصحافة الورقية اليوم من شح الموارد المالية، ما يضعها في موقف صعب أمام منافسة وسائل الإعلام الأخرى التي تعتمد على التمويل الخاص أو الدعم الإعلاني. وفقًا لتقارير حديثة، فإن عدد الصحف العراقية المطبوعة قد تقلص بشكل كبير خلال العقد الأخير، حيث أغلقت بعض الصحف بسبب عدم القدرة على تغطية تكاليف الطباعة، هذا الوضع اثر بشكل مباشر على جودة العمل الصحفي، بدءاً من تقليص عدد الصفحات، وانتهاءً بتقليص حجم الكوادر الصحفية في تلك الصحف.
دور الحكومة والمجتمع في دعم الصحافة الورقية
إن الصحافة الورقية بحاجة ماسة إلى دعم حكومي يعزز من قدرتها على البقاء والتطور. فالصحافة في أي بلد تعكس هوية المجتمع وتنقل صورة حقيقية لما يحدث على الأرض، والصحف العراقية تحديداً تكتسب أهمية خاصة كونها تحمل عبء توثيق تاريخ العراق بأبعاده المتعددة. إن الاستثمار في الصحافة الورقية لا يُعد ترفاً بل هو ضرورة لحماية الذاكرة الجمعية للأمة. في بعض الدول، مثل فرنسا وكندا، تقدم الحكومات دعماً مالياً مباشراً للصحف الورقية من خلال إعفاءات ضريبية أو منح مالية لمواجهة تراجع الإعلانات وتحول الجمهور نحو الإعلام الرقمي. العراق بحاجة إلى سياسات مشابهة للحفاظ على تراثه الصحفي.الدعم لا ينبغي أن يكون حكومياً فحسب؛ بل يمكن للمجتمع أن يلعب دوراً مهماً في تعزيز الصحافة الورقية. فمن خلال تشجيع الجمهور على شراء الصحف أو الاشتراك فيها، يمكن أن تكون هناك استدامة مالية تساعد في تجاوز هذه الأزمة. علاوة على ذلك، يجب أن يُشجَع القطاع الخاص على الاستثمار في هذا القطاع، سواء عبر الإعلانات أو من خلال شراكات استراتيجية تسهم في تطوير البنية التحتية للصحافة.
وبناءً على ذلك، يتعين على الجهات الحكومية والمؤسسات الثقافية أن تضع الصحافة الورقية في مقدمة أولوياتها، من خلال توفير الدعم المالي الكافي والمستمر. وهذا الدعم يمكن أن يأتي في صورة توفير ورق بأسعار مدعومة او او طباعة إصداراتها من خلال المطابع التي تمتلكها المؤسسات الحكومية، أو حتى إطلاق مبادرات لتحفيز القطاع الخاص على الاستثمار في هذا المجال.
الصحافة الورقية كمرآة للتاريخ
في النهاية، يبقى دور الصحافة الورقية في العراق محورياً، ليس فقط كوسيلة إعلامية بل كجزء لا يتجزأ من الهوية الوطنية، وهي بحاجة إلى كل أشكال الدعم لتستمر في أداء رسالتها النبيلة. إن استمرار هذه الصحافة يعني الحفاظ على وثيقة تاريخية وثقافية تعبر عن مختلف التيارات الفكرية والسياسية التي مرت على العراق. الصحافة الورقية ليست مجرد صفحات تُطبع، بل هي ذاكرة أمة، وبدون دعم كافٍ قد نواجه خطر فقدان جزء من تاريخنا الحي.