الزمان - طبعة العراق - عربية يومية دولية مستقلة
www.Azzaman-Iraq.com
دور‭ ‬السينما‭ ‬أيقونات‭ ‬بغداد‭ ‬المهددة‭ ‬بالبيع‭ ‬والضياع

بواسطة azzaman

دور‭ ‬السينما‭ ‬أيقونات‭ ‬بغداد‭ ‬المهددة‭ ‬بالبيع‭ ‬والضياع

دعوات‭ ‬لتأسيس‭ ‬جمعيات‭ ‬تحافظ‭ ‬على‭ ‬التراث‭ ‬الفني

 

بغداد‭ – ‬عدنان‭ ‬أبوزيد

تندثر‭ ‬بنايات‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬ومدن‭ ‬العراق،‭ ‬حتى‭ ‬أصبحت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬الذكريات‭ ‬التي‭ ‬تسترجعها‭ ‬الأجيال‭ ‬السابقة‭.‬

وبعد‭ ‬أن‭ ‬كانت‭ ‬السينما‭ ‬تشكل‭ ‬متنفسًا‭ ‬ثقافيًا‭ ‬واجتماعيًا‭ ‬للعائلات‭ ‬والشباب،‭ ‬أغلقت‭ ‬أغلب‭ ‬الدور،‭ ‬وهدمت‭ ‬او‭ ‬تحولت‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬تجارية‭. ‬وتزامن‭ ‬هذا‭ ‬الانحسار‭ ‬مع‭ ‬تطور‭ ‬وسائل‭ ‬الترفيه‭ ‬الحديثة‭ ‬مثل‭ ‬الهواتف‭ ‬الذكية‭ ‬والمنصات‭ ‬الرقمية،‭ ‬لكن‭ ‬ذلك‭ ‬لا‭ ‬يبرر‭ ‬الإهمال‭ ‬الحكومي‭ ‬لدور‭ ‬السينما‭ ‬التي‭ ‬تعد‭ ‬معلما‭ ‬تراثيا‭ ‬وثقافيا‭ ‬وفنيا‭.‬

واصبحت‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬البغدادية‭ ‬الشهيرة‭ ‬مثل‭ ‬سينما‭ “‬النصر‭”‬،‭ “‬سميراميس‭”‬،‭ “‬غرناطة‭”‬،‭ ‬وسينما‭ “‬أطلس‭”‬،‭ ‬أما‭ ‬أماكن‭ ‬مهملة‭ ‬أو‭ ‬تم‭ ‬تحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬تجارية‭ ‬أو‭ ‬مشاريع‭ ‬سكنية،‭ ‬الأمر‭ ‬الذي‭ ‬جعل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬المواطنين‭ ‬يعبرون‭ ‬عن‭ ‬حزنهم‭ ‬على‭ ‬ضياع‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬تاريخهم‭ ‬الثقافي‭.‬

ورغم‭ ‬المحاولات‭ ‬الفردية،‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الصروح‭ ‬السينمائية‭ ‬القديمة‭ ‬مثل‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الواقع‭ ‬الحالي‭ ‬يعكس‭ ‬حالة‭ ‬من‭ ‬الحنين‭ ‬والحسرة‭ ‬لدى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬العراقيين‭ ‬الذين‭ ‬نشأوا‭ ‬في‭ ‬رحاب‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬الثقافية‭.‬

تظل‭ ‬هذه‭ ‬الدور‭ ‬شاهدة‭ ‬على‭ ‬حقبة‭ ‬ذهبية‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬الفن‭ ‬السابع‭ ‬في‭ ‬العراق،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬مستقبلها‭ ‬يظل‭ ‬غير‭ ‬واضح‭ ‬وسط‭ ‬التحديات‭ ‬الاقتصادية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬التي‭ ‬تواجهها‭ ‬البلاد‭.‬

ويتناول‭ ‬الكاتب‭ ‬والصحافي‭ ‬علي‭ ‬الحسن،‭ ‬واقع‭ ‬السينما‭ ‬العراقية،‭ ‬حيث‭ ‬التقط‭ ‬صورة‭ ‬أمام‭ ‬مدخل‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ “‬البائس‭”‬،‭ ‬كاشفا‭ ‬عن‭ ‬حالها‭ ‬المؤسف‭ ‬الذي‭ ‬يتجه‭ ‬نحو‭ ‬الزوال،‭ ‬داعيا‭ ‬الى‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬المعالم‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬تمثل‭ ‬متنفسًا‭ ‬هامًا‭ ‬لعائلات‭ ‬بغداد‭. ‬وأضاف‭ “‬قبل‭ ‬أيام‭ ‬كنت‭ ‬في‭ ‬زيارة‭ ‬لشارع‭ ‬الخيام‭.. ‬وكم‭ ‬آلمني‭ ‬رؤية‭ ‬يافطة‭ ‬اعلان‭ ‬بيع‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬مع‭ ‬أجهزتها‭.. ‬اقتعدت‭ ‬عتبتها‭ ‬التي‭ ‬لم‭ ‬تعد‭ ‬انيقة‭ ‬وصاخبة‭ ‬كما‭ ‬اعتدت‭ ‬رؤيتها‭ ‬في‭ ‬سبعينيات‭ ‬وثمانينيات‭ ‬القرن‭ ‬الماضي‭.. ‬احسست‭ ‬كأنما‭ ‬ذكرياتنا‭ ‬السعيدة‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬السينما‭ ‬العريقة،‭ ‬هي‭ ‬المعروضة‭ ‬للبيع‭”.‬

يضيف‭ ‬الحسن‭ “‬سينما‭ ‬الخيام،‭ ‬أيقونة‭ ‬سينمات‭ ‬بغداد،‭ ‬وإحدى‭ ‬علامات‭ ‬بهجتها،‭ ‬دار‭ ‬العرض‭ ‬التي‭ ‬امتلكها‭ ‬يومذاك‭ ‬رجل‭ ‬الاعمال‭ ‬الأرمني‭ ‬إسكندر‭ ‬اصطيفان،‭ ‬كانت‭ ‬تصنف،‭ ‬كأفضل‭ ‬سينمات‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط،‭ ‬بصالتها‭ ‬التي‭ ‬تتسع‭ ‬لـ‭ ‬1500‭ ‬مقعد‭ ‬متحرك‭ ‬بغطاء‭ ‬جوخ‭ ‬أحمر،‭ ‬وجدرانها‭ ‬المزدانة‭ ‬بلوحات‭ ‬فسفورية‭ ‬مستوحاة‭ ‬من‭ ‬رباعيات‭ ‬الشاعر‭ ‬والعارف‭ ‬عمر‭ ‬الخيّام،‭ ‬بينما‭ ‬انتشرت‭ ‬على‭ ‬سقفها‭ ‬اضاءة‭ ‬على‭ ‬شكل‭ ‬نجوم،‭ ‬تتوهج‭ ‬بنعومة‭ ‬عند‭ ‬الاظلام،‭ ‬واستوردت‭ ‬أجهزتها‭ ‬وتقنياتها‭ ‬من‭ ‬مناشئ‭ ‬معتبرة،‭ ‬وبلغت‭ ‬تكلفتها‭ (‬300‭) ‬ألف‭ ‬دينار‭ ‬عراقي،‭ ‬وهو‭ ‬مبلغ‭ ‬كبير‭ ‬بحسابات‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭”. ‬وافتتحت‭ ” ‬الخيّام‭” ‬بفيلم‭ “‬هيلين‭ ‬بطلة‭ ‬طروادة‭” ‬من‭ ‬تمثيل‭ ‬جاك‭ ‬سيرانس‭ ‬ورزانا‭ ‬بوديستا‭ ‬في‭ ‬أيار‭ ‬1956،‭ ‬واستقطبت‭ ‬جمهورا‭ ‬أغلبه‭ ‬واعٍ‭ ‬مثقف،‭ ‬ووضعت‭ ‬ادارتها،‭ ‬معاييرا‭ ‬لاستيراد‭ ‬أفلامها،‭ ‬أهمها‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مناسبة‭ ‬للذوق‭ ‬والتقاليد‭ ‬العراقية،‭ ‬وناطقة‭ ‬بالإنكليزية‭ ‬أو‭ ‬تدبلج‭ ‬بها،‭ ‬لتلائم‭ ‬أذواق‭ ‬الجمهور،‭ ‬وكانت‭ ‬حصة‭ ‬الأفلام‭ ‬العربية‭ ‬والعراقية‭ ‬أقل‭ ‬بكثير‭ ‬من‭ ‬نظيرتها‭ ‬الأجنبية،‭ ‬ولعل‭ ‬الحدث‭ ‬الأبرز‭ ‬فيها‭ ‬حضور‭ ‬الزعيم‭ ‬عبد‭ ‬الكريم‭ ‬قاسم‭ ‬عرض‭ ‬فيلم‭ “‬ام‭ ‬الهند‭” ‬1959‭ ‬برفقة‭ ‬حارس‭ ‬واحد،‭ ‬اذ‭ ‬أصرَّ‭ ‬على‭ ‬دفع‭ ‬تذكرة‭ ‬السينما،‭ ‬وجلس‭ ‬بين‭ ‬الناس‭.‬

وقال‭ ‬الكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬داخل،‭ ‬في‭ ‬تعليق‭ ‬له‭ ‬على‭ ‬فيسبوك‭ ‬حول‭ ‬مصير‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭: “‬مشاهد‭ ‬مؤسفة‭”‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬واقع‭ ‬السينما‭ ‬العراقية‭ ‬الذي‭ ‬أصبح‭ ‬محط‭ ‬أسف‭ ‬للكثيرين‭.‬

وقال‭ ‬عبد‭ ‬الرحيم‭ ‬علي‭: “‬كل‭ ‬الأمم‭ ‬تتقدم‭ ‬ونحن‭ ‬نعود‭ ‬القهقرى؟‭” ‬معبرًا‭ ‬عن‭ ‬مشاعر‭ ‬الحزن‭ ‬العميق‭ ‬والتساؤلات‭ ‬حول‭ ‬تأخر‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬تقدم‭ ‬المجال‭ ‬الثقافي‭ ‬مقارنة‭ ‬بالدول‭ ‬الأخرى‭.‬

‭ ‬ومنذ‭ ‬عقود‭ ‬طويلة،‭ ‬كانت‭ ‬السينمات‭ ‬في‭ ‬بغداد‭ ‬والمحافظات‭ ‬العراقية‭ ‬وجهات‭ ‬ثقافية‭ ‬واجتماعية‭ ‬أساسية،‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬العائلات‭ ‬والأصدقاء‭ ‬لمشاهدة‭ ‬الأفلام‭ ‬في‭ ‬جو‭ ‬من‭ ‬المتعة‭ ‬والرفاهية،‭ ‬وشكلت‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬ذاكرة‭ ‬أجيال‭ ‬متعاقبة‭ ‬والتي‭ ‬أصبحت‭ ‬حاليًا‭ ‬معروضة‭ ‬للبيع‭.‬

ونالت‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬الموصل‭ ‬من‭ ‬الخراب‭ ‬والتدمير‭ ‬ما‭ ‬لا‭ ‬يصدق،‭ ‬حيث‭ ‬تغلق‭ ‬صالات‭ ‬العرض‭ ‬لتتحول‭ ‬الى‭ ‬مخازن‭ ‬ودكاكين‭ ‬بعدما‭ ‬انحسر‭ ‬الاستثمار‭ ‬في‭ ‬السينما‭.‬

وفي‭ ‬مدينة‭ ‬مثل‭ ‬الحلة،‭ ‬كانت‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬تشكل‭ ‬مراكز‭ ‬إشعاع‭ ‬ثقافية‭ ‬لابناء‭ ‬المدينة،‭ ‬فقد‭ ‬زخرت‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬الدور‭ ‬من‭ ‬مثل‭ ‬سينما‭ ‬الخيام،‭ ‬وسينما‭ ‬الفرات،‭ ‬والجمهورية‭. ‬غير‭ ‬ان‭ ‬هذه‭ ‬الدور‭ ‬تلاشت‭ ‬منذ‭ ‬التسعينيات‭ ‬حتى‭ ‬انتهى‭ ‬دور‭ ‬السينما‭ ‬في‭ ‬الحياة‭ ‬البابلية‭ ‬تماما‭ ‬منذ‭ ‬العام‭ ‬2003‭.  ‬وفي‭ ‬البصرة‭ ‬كانت‭ ‬دار‭ ‬سينما‭ “‬اطلس‭” ‬مقصد‭ ‬العراقيين‭ ‬والخليجيين‭. ‬وفي‭ ‬مدينة‭ ‬مثل‭ ‬الديوانية،‭ ‬وقفت‭ ‬الجـماعات‭ ‬المتطرفة‭ ‬ضد‭ ‬السينما،‭ ‬وكـــانت‭ ‬تعمم‭ ‬بين‭ ‬الجمهور‭ ‬بحرمة‭ ‬مشاهدة‭ ‬الافلام،‭ ‬ما‭ ‬دفع‭ ‬بالكثيرين‭ ‬الى‭ ‬تجنب‭ ‬ارتياد‭ ‬دور‭ ‬السينما‭. ‬وأنشأت‭ ‬أول‭ ‬سينما‭ ‬في‭ ‬مدينة‭ ‬الديوانية‭ ‬عام‭ ‬1936‭.‬

ويتحدث‭ ‬الكاتب‭ ‬زيد‭ ‬الحلي‭ ‬عن‭ ‬مأمون‭ ‬الشيخلي،‭ ‬وهو‭ ‬نجل‭ ‬رائد‭ ‬من‭ ‬رواد‭ ‬الجيل‭ ‬السينمائي‭ ‬العراقي‭ ‬وهو‭ ‬صالح‭ ‬الشيخلي‭ ‬الذي‭ ‬كان‭ ‬مقر‭ ‬الاستديو‭ ‬الخاص‭ ‬به‭ ‬في‭ ‬شارع‭ ‬الرشيد،‭ ‬وعلى‭ ‬يديه‭ ‬خرجت‭ ‬افلام‭ ‬عراقية‭ ‬عديدة‭ ‬الى‭ ‬النور‭ ‬بعد‭ ‬قيامه‭ ‬بعمليات‭ ‬الصوت‭ ‬والمونتاج،‭ ‬بإمكانات‭ ‬واجهزة‭ ‬متواضعة،‭ ‬لكن‭ ‬بحرفية‭ ‬مكتسبة‭.‬

يقول‭ ‬الحلي‭ “‬لقد‭ ‬كشف‭ ‬هذا‭ ‬الرجل‭ ‬الغيور‭ ‬عن‭ ‬المقبرة‭ ‬التي‭ ‬ضمت‭ ‬أشلاء‭ ‬دور‭ ‬السينما،‭ ‬بالقول‭ ‬ان‭ ‬محافظة‭ ‬نينوى‭ ‬وحدها‭ ‬كان‭ ‬فيها‭ ‬21‭ ‬دارا‭ ‬للعرض‭ ‬وفي‭ ‬بغداد‭ ‬52‭ ‬دارا‭ ‬وعشرات‭ ‬في‭ ‬المحافظات،‭ ‬بل‭ ‬ان‭ ‬بعض‭ ‬الاقضية‭ ‬كانت‭ ‬تمتلك‭ ‬دور‭ ‬عرض‭ ‬صيفية‭.. ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬انتهى‭ ‬الى‭ ( ‬خبر‭ ‬كان‭ ) ‬عدا‭ ‬صالات‭ ‬عرض‭ ‬في‭ ‬بعض‭ ‬المولات‭ ‬ذات‭ ‬الكراسي‭ ‬المحدودة،‭ ‬واسعارها‭ ‬العالية،‭ ‬والسب‭ ‬هو‭ ‬النظرة‭ ‬القاصرة‭ ‬التي‭ ‬ينظر‭ ‬فيها‭ ‬المسؤولون‭ ‬الى‭ ‬السينما،‭ ‬ناسين‭ ‬ان‭ ‬السينما‭ ‬اماكن‭ ‬ثقافية،‭ ‬وبالإمكان‭ ‬رؤية‭ ‬انتشار‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬الجوار‭ ‬كإيران‭ ‬وتركيا‭ ‬والأردن‭”. ‬وفي‭ ‬سياق‭ ‬ردود‭ ‬أخرى،‭ ‬قال‭ ‬كاظم‭ ‬حاتم‭: “‬وهكذا‭ ‬الواحدة‭ ‬تلو‭ ‬الأخرى‭ ‬تستباح‭ ‬الملاذات‭ ‬السعيدة‭ ‬التي‭ ‬تحصنت‭ ‬فيها‭ ‬أرواحنا‭ ‬من‭ ‬أدران‭ ‬القبح‭ ‬وحلقت‭ ‬في‭ ‬عوالم‭ ‬الصدق‭ ‬والآمال‭”. ‬هذا‭ ‬القول‭ ‬تضمن‭ ‬تأكيدًا‭ ‬على‭ ‬القيم‭ ‬التي‭ ‬كانت‭ ‬السينما‭ ‬تمثلها‭ ‬في‭ ‬حياة‭ ‬الكثيرين،‭ ‬وألمًا‭ ‬لزوال‭ ‬هذه‭ ‬الملاذات‭.‬

بينما‭ ‬قدم‭ ‬سامر‭ ‬خمّورو‭ ‬اقتراحًا‭ ‬عمليًا،‭ ‬إذ‭ ‬اقترح‭ ‬على‭ ‬المثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬تأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬لشراء‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬وحمايتها‭ ‬من‭ ‬البيع،‭ ‬قائلاً‭:‬‭ “‬ماذا‭ ‬لو‭ ‬تداعى‭ ‬بعض‭ ‬المثقفين‭ ‬والفنانين‭ ‬لتأسيس‭ ‬جمعية‭ ‬خاصة‭ ‬لإصدار‭ ‬أسهم‭ ‬وطرحها‭ ‬للجمهور‭ ‬العراقي‭ ‬عبر‭ ‬الإنترنت؟‭”.‬

العديد‭ ‬من‭ ‬أبناء‭ ‬جيل‭ ‬السبعينات‭ ‬والثمانينات‭ ‬لا‭ ‬يزالون‭ ‬يحنون‭ ‬إلى‭ ‬تلك‭ ‬الأيام‭ ‬الخوالي،‭ ‬حيث‭ ‬كانت‭ ‬السينما‭ ‬تجمعهم‭ ‬مع‭ ‬الأصدقاء‭ ‬والعائلة،‭ ‬مع‭ ‬مشهد‭ “‬فلافل‭ ‬أبو‭ ‬سمير‭” ‬أو‭ “‬مرطبات‭ ‬الركن‭ ‬الهادئ‭” ‬بالقرب‭ ‬من‭ ‬دور‭ ‬العرض‭. ‬كانت‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬تشكل‭ ‬جزءًا‭ ‬من‭ ‬نسيج‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬في‭ ‬بغداد،‭ ‬وتعتبر‭ ‬الآن‭ ‬ذكريات‭ ‬لا‭ ‬تقدر‭ ‬بثمن‭ ‬بالنسبة‭ ‬للكثيرين‭.‬

من‭ ‬جانب‭ ‬آخر،‭ ‬اعتبر‭ ‬الديباجي‭ ‬كامل‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للسينما‭ ‬ليس‭ ‬مقتصرًا‭ ‬على‭ ‬العراق‭ ‬فقط،‭ ‬بل‭ ‬هو‭ ‬حالة‭ ‬عالمية‭ ‬بسبب‭ ‬المنافسة‭ ‬مع‭ ‬البدائل‭ ‬الحديثة‭ ‬مثل‭ ‬الهواتف‭ ‬المحمولة،‭ ‬وقال‭: “‬اعتقد‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬حال‭ ‬كل‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬السينمائي‭ ‬في‭ ‬العالم‭”. ‬في‭ ‬حين‭ ‬أعرب‭ ‬جعفر‭ ‬جمعة‭ ‬عن‭ ‬مشاعره‭ ‬قائلاً‭: “‬مكان‭ ‬جميل‭ ‬يحمل‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬ذكرياتنا‭”‬،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬السينما‭ ‬كانت‭ ‬بمثابة‭ ‬أحد‭ ‬المحطات‭ ‬الحياتية‭ ‬المهمة‭.‬

التشكيلي‭ ‬طالب‭ ‬جبار‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬رأي‭ ‬حزين‭ ‬أيضًا،‭ ‬إذ‭ ‬قال‭: “‬مات‭ ‬ذكرياتنا‭”‬،‭ ‬في‭ ‬إشارة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تلك‭ ‬الذكريات‭ ‬قد‭ ‬اندثرت‭ ‬مع‭ ‬تدهور‭ ‬السينما‭.  ‬

وفي‭ ‬تعبير‭ ‬آخر‭ ‬مليء‭ ‬بالحنين،‭ ‬قالت‭ ‬إقبال‭ ‬كاظم‭: “‬أعدتني‭ ‬60‭ ‬سنة‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭.. ‬كانت‭ ‬أمي‭ ‬وخالتي‭ ‬من‭ ‬المغرمات‭ ‬بمشاهدة‭ ‬الأفلام‭ ‬الجيدة‭”. ‬وأضاف‭ ‬أنه‭ “‬ربما‭ ‬سيعرض‭ ‬للبيع‭ ‬بدلاً‭ ‬من‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬تاريخها،‭ ‬أو‭ ‬ربما‭ ‬سيحولها‭ ‬أحد‭ ‬رجال‭ ‬الجيوب‭ ‬المنتفخة‭ ‬إلى‭ ‬مول‭”.‬

حيدر‭ ‬عبد‭ ‬الخضر‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬أقل‭ ‬تأثرًا،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: “‬ذاكرتنا‭ ‬الصاخبة‭ ‬ومحطاتنا‭ ‬الموجعة‭”. ‬بينما‭ ‬علق‭ ‬قاسم‭ ‬محمد‭ ‬علي‭ ‬قائلاً‭: “‬ذكريات‭ ‬رائعة‭ ‬وجميلة‭.. ‬ربما‭ ‬سيأتي‭ ‬زمن‭ ‬جديد‭ ‬تعود‭ ‬فيه‭ ‬الأشياء‭ ‬الحلوة‭”.‬

من‭ ‬جهته،‭ ‬غسان‭ ‬رسام‭ ‬أشار‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ “‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬كانت‭ ‬معلما‭ ‬حضاريا‭ ‬مهما‭ ‬في‭ ‬تاريخ‭ ‬بغداد،‭ ‬وكبقية‭ ‬تلك‭ ‬المعالم،‭ ‬أخذت‭ ‬طريقها‭ ‬إلى‭ ‬الزوال‭ ‬أمام‭ ‬الهجوم‭ ‬الريفي‭ ‬الساحق‭ ‬الماحق‭”‬،‭ ‬ليكشف‭ ‬عن‭ ‬جانب‭ ‬اجتماعي‭ ‬قد‭ ‬ساهم‭ ‬في‭ ‬هذه‭ ‬المشكلة،‭ ‬فيما‭ ‬اعتبر‭ ‬سعد‭ ‬الهلالي‭ ‬أن‭ “‬كل‭ ‬شيء‭ ‬إلى‭ ‬التغير‭ ‬والزوال‭.. ‬لا‭ ‬نملك‭ ‬سوى‭ ‬الحسرة‭ ‬والأسف‭”.   ‬عادل‭ ‬جاسم‭ ‬استذكر‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬بحبٍ‭ ‬كبير،‭ ‬حيث‭ ‬قال‭: “‬ذكريات‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬العشق‭ ‬منذ‭ ‬الطفولة‭ ‬لحد‭ ‬الكبر،‭ ‬راقية‭ ‬بكل‭ ‬شيء‭”.‬

الكاتب‭ ‬نوزاد‭ ‬حسن‭ ‬عبّر‭ ‬عن‭ ‬أسفه‭ ‬على‭ ‬فقدان‭ ‬هذه‭ ‬المعالم‭ ‬الثقافية‭.‬

و‭ ‬نوه‭ ‬نهاد‭ ‬حامد‭ ‬إلى‭ ‬أنه‭ “‬للأسف‭ ‬لا‭ ‬نستطيع‭ ‬في‭ ‬هذا‭ ‬البلد‭ ‬الحفاظ‭ ‬على‭ ‬أبسط‭ ‬معالمنا‭ ‬الثقافية‭ ‬التي‭ ‬سبقنا‭ ‬بها‭ ‬الآخرين‭”. ‬وعبر‭ ‬كاظم‭ ‬الكعبي‭ ‬عن‭ ‬استياءه‭ ‬من‭ ‬حالة‭ ‬البيع‭ ‬التي‭ ‬تطال‭ ‬كل‭ ‬شيء‭.‬

أما‭ ‬فالح‭ ‬مهدي‭ ‬فاعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬للسينما‭ ‬هو‭ “‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬لحظة‭ ‬الخراب‭ ‬التي‭ ‬ألمت‭ ‬بهذا‭ ‬البلد‭ “‬،‭ ‬حيث‭ ‬أضاف‭ ‬قائلاً‭: “‬لم‭ ‬أرتد‭ ‬سينما‭ ‬في‭ ‬حياتي‭ ‬كما‭ ‬فعلت‭ ‬مع‭ ‬هذه‭ ‬الدار‭ ‬العظيمة‭”.‬

و‭ ‬قال‭ ‬إبراهيم‭ ‬هلال‭ ‬العبودي‭: “‬السينما‭ ‬كانت‭ ‬المتنفس‭ ‬الوحيد‭ ‬للعائلة‭ ‬العراقية‭ ‬وقت‭ ‬ما‭ ‬كانت‭ ‬بغداد‭ ‬دار‭ ‬السلام‭”.‬

و‭ ‬عبّر‭ ‬سيد‭ ‬عباس‭ ‬عن‭ ‬أسفه‭ ‬لإغلاق‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬قائلاً‭: “‬مع‭ ‬كل‭ ‬الأسف،‭ ‬تغلق‭ ‬سينما‭ ‬الخيام‭ ‬وباقي‭ ‬السينمات‭ ‬مثل‭ ‬سينما‭ ‬سميرا‭ ‬ميس‭ ‬وبابل‭ ‬وغيرها‭”‬،‭ ‬مؤكداً‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ “‬متعة‭ ‬حقيقية‭”. ‬وتابع‭ ‬نوري‭ ‬الربيعي‭ ‬قائلاً‭: “‬هذا‭ ‬حال‭ ‬جميع‭ ‬دور‭ ‬العرض‭ ‬منذ‭ ‬التسعينات‭ ‬لليوم‭”.‬

في‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬لا‭ ‬بد‭ ‬من‭ ‬طرح‭ ‬سؤال‭ ‬مهم‭: ‬هل‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬هناك‭ ‬عودة‭ ‬لهذه‭ ‬السينمات‭ ‬التاريخية‭ ‬في‭ ‬العراق؟‭ ‬البعض‭ ‬يرى‭ ‬أنه‭ ‬من‭ ‬الممكن‭ ‬إعادة‭ ‬إحياء‭ ‬هذه‭ ‬الأماكن‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬تحديثها‭ ‬وتحويلها‭ ‬إلى‭ ‬مراكز‭ ‬ثقافية‭ ‬حديثة،‭ ‬مجهزة‭ ‬بالتكنولوجيا‭ ‬الحديثة‭ ‬التي‭ ‬تجذب‭ ‬الأجيال‭ ‬الجديدة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تفقد‭ ‬روحها‭ ‬القديمة‭. ‬وفي‭ ‬المقابل،‭ ‬يبقى‭ ‬الكثيرون‭ ‬في‭ ‬حالة‭ ‬حزن‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬فقدوه،‭ ‬معتبرين‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬هو‭ ‬مجرد‭ ‬دليل‭ ‬آخر‭ ‬على‭ ‬التدهور‭ ‬الثقافي‭ ‬الذي‭ ‬يعاني‭ ‬منه‭ ‬العراق‭ ‬في‭ ‬ظل‭ ‬الأزمات‭ ‬المتواصلة‭.‬

ورغم‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬التحديات،‭ ‬لا‭ ‬تزال‭ ‬هناك‭ ‬أصوات‭ ‬تطالب‭ ‬بالحفاظ‭ ‬على‭ ‬تراث‭ ‬السينما‭ ‬العراقية،‭ ‬معتبرة‭ ‬أن‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يندثر‭ ‬ببساطة‭.‬

في‭ ‬ظل‭ ‬هذا،‭ ‬يبقى‭ ‬الأمل‭ ‬في‭ ‬أن‭ ‬تأتي‭ ‬يومًا‭ ‬ما‭ ‬حلول‭ ‬تعيد‭ ‬للسينمات‭ ‬في‭ ‬العراق‭ ‬رونقها‭ ‬وتعيد‭ ‬لها‭ ‬مكانتها‭ ‬الثقافية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬بين‭ ‬الأجيال‭ ‬القادمة‭.‬


مشاهدات 73
أضيف 2025/01/11 - 1:01 AM
آخر تحديث 2025/01/11 - 6:35 PM

تابعنا على
إحصائيات الزوار
اليوم 402 الشهر 5183 الكلي 10095148
الوقت الآن
السبت 2025/1/11 توقيت بغداد
ابحث في الموقع
تصميم وتطوير