منتديات وأكاديميات هزيلة ومجتمع الميم وناشطو التحرر
دولارات التنمية الأمريكية في جيوب صيادي التمويل العراقيين
امستردام – عدنان ابو زيد
في عامٍ مثقلٍ بذكريات الحرب، حيث لا تزال الشوارع تحتفظ بأطلال المعارك، خرجت حملة إعلامية مبشّرة بمستقبل أكثر أمانًا لأطفال العراق، عنوانها العريض: “أهلا سمسم العراق”. المشروع الذي قدمته الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، وحمل معه وعودًا براقة عن تحقيق الاستقرار النفسي والاجتماعي للأطفال.
صحيفة Austin American-Statesman كشفت أن الولايات المتحدة أنفقت 20 مليون دولار لدعم هذا البرنامج، بهدف تعزيز التفاهم بين الجماعات العرقية والطائفية والدينية. إلا أن هذه الأموال لم تحقق تأثيرًا ملموسًا واختطفها الفاسدون المشرفون على المشاريع.
تؤكد مصادر لموقع هف بوست عراقي أن الأموال الأمريكية تدفقت على بغداد تحت عناوين متعددة، مثل دعم الناشطين المدنيين، وتمويل مراكز أبحاث وأكاديميات متخصصة في السياسة والمجتمع المدني، لكن معظم هذه المبادرات انتهت إلى فشل ذريع، رغم التمويل السخي.
في كردستان العراق، تلقّت منظمات تدّعي الدفاع عن حقوق المرأة وحرية الصحافة دعمًا ماليًا، لكن النتائج كانت هزيلة، بعدما شابتها شبهات فساد ونهب للأموال، بينما كانت التبريرات جاهزة دائمًا: “البيئة السياسية غير مواتية”، “غياب الوعي المجتمعي”، و”الضغوط من الأحزاب التقليدية”.
منتديات حوارية
ولم تقتصر هذه الأموال على منظمات المجتمع المدني، بل امتدت إلى منتديات حوارية سياسية، جذبت إليها سياسيين وإعلاميين، تحت مسمى “التحرر والديمقراطية”، لكنها تحوّلت في النهاية إلى مجرد تجمعات نخبوية مغلقة، بعيدًا عن واقع المواطن العراقي. وتلقت اكاديميات ومنتديات تنظيرية في بغداد وأربيل الأموال الطائلة، من دون استراتيجيات ينتج عن ثمر، وضاعت اغلب الأموال في جيوب الفسدة. يقول “حسام”، وهو ناشط شاب كان أحد المشاركين في هذه المنتديات: “المشكلة لم تكن في التمويل، بل في الطريقة التي تُصرف بها الأموال، معظم اللقاءات كانت شكلية، والغرض منها هو استمرار الدعم المالي وليس إحداث تغيير حقيقي.”
كانت واحدة من أكثر القضايا إثارةً للجدل، دعم الولايات المتحدة لمشاريع تتعلق بحرية تغيير الجنس وحماية حقوق “مجتمع الميم” في العراق. هذه الجهود اصطدمت مباشرة بالمجتمع العراقي المحافظ، ما جعلها تبدو كأنها معركة خاسرة منذ البداية.
يقول “أبو علي”، وهو رجل ستيني من مدينة النجف: “بدل ما يساعدونا في إعادة إعمار المدارس والمستشفيات، جايين يروجون لأمور ما إلها علاقة بحياتنا اليومية!” ناشطون.. أم صيادو تمويل؟ وفي السنوات الأخيرة، تلقّى ناشطون واكاديميون ومثقفون عراقيون معروفون مبالغ ضخمة لإنشاء منتديات تدافع عن المرأة والحريات والديمقراطية، لكن معظم هذه الكيانات لم تكن سوى مظاهر شكلية، هدفها الأول تأمين الرواتب والاستمرار في الحصول على التمويل، بينما لم تصل الأموال إلى الأهداف الحقيقية المعلنة.
ندوات شكلية
ويختتم أحد الصحفيين العراقيين تعليقه على هذه القضية قائلًا: “العراقي اليوم لا يحتاج إلى برامج تلفزيونية ولا ندوات شكلية، بل إلى مدارس مجهزة، ومستشفيات تعمل، ووظائف تحفظ كرامته.. أما هذه الأموال التي تصرف باسم المساعدات، فهي مجرد لعبة أخرى من ألعاب الفساد.”
وعلى الورق، تبدو هذه المشاريع مدروسة وجذابة، لكنها في الواقع لم تترك سوى بصمة باهتة، فيما تبقى الأسئلة معلقة: أين ذهبت كل هذه الأموال؟ ولماذا لم يلمس المواطن العراقي نتائجها؟ وهل كانت الغاية منها فعلاً بناء عراق جديد، أم أنها مجرد استثمار آخر في “مشاريع بلا روح”؟.